العدد 1434 / 28-10-2020

د. وائل نجم

الإساءات الفرنسية المتعمّدة من أعلى هرم السلطة الفرنسية متمثّلة بالرئيس إيمانيول ماكرون للنبيّ محمّد (ص) وللدين الإسلامي خلقت حالة غضب عارمة عند المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ودفعت إلى التعبير عن حجم هذا الغضب والرفض، ومن ذلك تصاعد الدعوات على مستوى العالم الإسلامي إلى مقاطعة المنتجات والبضائع الفرنسية كواحدة من وسائل الردّ على الإساءة المتعمّدة من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خاصة وأنّ الإساءة هذه المرّة اتخذت طابعاً رسمياً إذ أنّ ماكرون يشغل أعلى منصب في الدولة الفرنسية، ولم تتخذ حكومته أيّ فعل يدحض عدم تبنّى الإساءات التي صدرت سواء منه كرئيس أو من بعض وسائل الإعلام الفرنسية، غير مكترثة لا لمشاعر المسلمين الفرنسيين، ولا لمشاعر المسلمين حول العالم في محاولة مكشوفة لتشويه صورة الدين الإسلامي من ناحية وصبغه بـ "الإرهاب" من ناحية ثانية.

لقد كان لدعوة مقاطعة البضائع الفرنسية أثر فعّال في العالم حيث تفاعل معها المسلمون في شتى بقاع الأرض، فخرجت التظاهرات ونادت بالمقاطعة وبدأت البضائع الفرنسية تترنّح بالأسواق العربية والإسلامية وقد شكّل ذلك حالة ضغط كبيرة على الحكومة الفرنسية أرغم وزارة خارجيتها على مطالبة دول العالم الإسلامي بعدم الإصغاء إلى تلك الدعوات، كما عبّر عن حجم هذا الضغط الرئيس ماكرون نفسه الذي اضطر إلى نشر تغريدة على حسابه باللغة العربية من أجل امتصاص النقمة والخروج بأقل الخسائر الممكنة من هذه الدوّامة التي أدخل نفسه وفرنسا معه فيها.

والحقيقة أن هذه الدعوة وهذه المقاطعة الشعبية هي مقاطعة عفوية تعبّر عن حجم الحبّ والولاء للنبيّ، وترفض أيّة إساءة له ومن أيّة جهة أو فرد أو إنسان كان. والحقيقة الأخرى أنّها مقاطعة نبيلة، شريفة، عفويّة، هدفها ليس الإضرار بأحد، حتى بفرنسا ذاتها، إنّما هدفها وقف الغي والعدوان والإساءات التي باتت كأنّها مسألة عادية يمكن أن تنال من أيّ مقدّس. مقاطعة تريد أن تكون وسيلة ضغط في إطار الدفاع والإصلاح وعودة الأمور إلى نصابها الصحيح، والعلاقات إلى مسارها الطبيعي. وهذه المقاطعة لم تطلقها حكومات أو أنظمة أو أجهزة مخابرات، إنّما أطلقها أشخاص عاديون محبّون وغيورون ولذلك وجدت تفاعلاً كبيراً على مستوى العالم الإسلامي من دون عناء كبير من مطلقيها.

لكل ذلك فإنّ هذه الخطوة التي أدّت ما يجب أن تؤديه من ضغط أرغم الحكومة الفرنسية على الشعور بحجم المأزق الذي أدلخها فيه ماكرون، فلا ينبغي أن تخرج عن سياقها وأن تتحوّل إلى غير هدفها فتتحوّل إلى حالة سلبية بعدما أوجدت كل هذا المناخ الإيجابي، من خلال منح الفرصة لتحويل المسألة إلى عداء مع أي محيط مختلف، بل على العكس يجب العمل لكسب حتى غير المسلمين في هذه المعركة التي يجب أن تحافظ على حضاريتها.

وأمّا المسألة الأخرى والتي لا تقلّ أهمية فهي بعدم الانشغال بمعارك جانبية مع بعض من هم من أبناء جلدتنا من الذين فضّلوا اتخاذ موقف مختلف ولم ينخرطوا في معركة الدفاع عن النبيّ من خلال الالتزام بهذه الوسيلة والطريقة (دعوة المقاطعة)، بل اختاروا سبيلاً مختلفاً أو ربما انخرطوا في الدفاع حتى عن المسيئين تحت عنوان حرية التعبير. هؤلاء دعوهم ولا تشغلوا أنفسكم بهم، فالأمة أكبر منهم، وهم بهذا الموقف المخزي سيقطون منها عاجلاً أم آجلاً، أو ربما يعودون لصفهم الطبيعي وهذا ما يأمله كل مؤمن ويتمنّاه.

لقد أظهرت الأمّة من جديد أنّها ما زالت بخير، وأنّها على قلب رجل واحد، وأنّها مستعدة لكل شيء في سبيل الدفاع عن نبيّها ورسالتها، وهي تحتاج فقط إلى قليل من الصبر والوعي الذي يحقق النتائج المرجوّة.