العدد 1444 /6-1-2021

د. وائل نجم

ليس هناك أيّ عربي لم يسعد بالمصالحة التي تمّت يوم الثلاثاء بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر، والتي كان لها أثر إيجابي أيضاً على العلاقة مع بقية الدول العربية التي كانت شريكة في الحصار، وقد تجلّى ذلك بالمواقف التي صدرت على المستويين الرسمي والشعبي العربيين. وقد قامت دولة الكويت مشكورة بمساعي خيّرة وحثيثة في هذا السياق أدّت إلى إتمام هذه المصالحة أمس، وعودة المياه إلى مجاريها كما يحدّث ويقول المسؤولون في البلدين.

والحقيقة أنّ العرب كانوا بحاجة منذ زمن بعيد إلى هذه المصالحة. بل يمكن القول إنّهم لم يكونوا أصلاً بحاجة إلى هذه الخصومة والجفاء والقطيعة التي استمرت لسنوات. فالتحدّيات التي تواجه الأمة والشعوب العربية كثيرة وعديدة، وتحتاج إلى مصالحات حقيقية وجدّية تضع حدّاً لحالة النزف، وتعيد البوصلة إلى وجهتها الحقيقية.

والحقيقة الأخرى أنّ من التحدّيات التي تواجه العرب في المرحلة المقبلة مع الأوضاع المستجدة عالمياً، أو السياسات التي يمكن أن تُعتمد خلال المرحلة الجديدة، تحدّي مواجهة سياسات تفتيت المنطقة، وتفتيت الدول المركزية فيها على وجه التحديد.

الجميع ينتظر أن تتسلّم الإدارة الأمريكية الجديدة مقاليد السلطة في البيت الأبيض. والجميع يستطلع سياسات هذه الإدارة تجاه العالم والمنطقة على وجه التحديد. والجميع يدرك أنّ الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، كان على علاقة وثيقة وإطلالة وافية على شؤون وملفات المنطقة العربية، فهو كان نائباً للرئيس الأمريكي باراك أوباما لمدة ثمان سنوات، وهو كان مسؤولاً في الحزب الديمقراطي قبلها وكان مطّلاً ومطّلعاً على كثير من ملفات المنطقة، وقد زار بايدن العراق بعد الاحتلال الأمريكي لهذا البلد الشقيق 43 مرّة، وهو صاحب نظرية تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم، وبالتالي قد يعمل خلال ولايته على تطبيق وتنفيذ رؤيته التي تنطلق من دعم الأقليات.

طبعاً لا يمكن إغفال تحدّيات أخرى أمام العرب حكومات وشعوب وقوى سياسية، ومنها على أقلّ تقدير تلك التي تحول أن تحوّل المنطقة العربية ساحات يمكن أن تكون جزءاً من عمليات التسوية أو التفاوض على صناعة مستقبل هذه المنطقة.

لكل ذلك، المصالحة الخليجية كانت ضرورة وحاجة لكل الأطراف. والمصالحة العربية الشاملة أيضاً هي حاجة في هذه المرحلة، وأقول الشاملة التي تشمل القوى الحيّة والشعبية وفي الأقطار العربية بحيث تطلق سراح المعتقلين وتتيح المجال أمام عودة العمل السياسي الديمقراطي، وتفتح الأفق أمام تلبية تطلعات وطموحات الشعوب العربية. العرب بحاجة إلى هذه المصالحة، وهي بالطبع ستكون صعبة على الجميع. صعبة على من هم في السلطة لأنّهم سينظرون إليها على أنّها ستأخذ منهم بعض المكتسبات التي تحقّقت لهم بطرق يكثر الحديث فيها وعنها. وصعبة أيضاً على من هم خارج السلطة من قوى شعبية رأت أنّ الشعوب فوّضتها ومنحتها الثقة في فترة من الفترات من أجل الإمساك بدفة القيادة والنهوض بهذه الأوطان. لكن اللحظة العربية بحاجة إلى قناعة ومراجعة عند الطرفين من أجل إنجاز وتحقيق هذه المصالحة في هذه الظروف التاريخية الصعبة التي أقل ما يمكن أن يُقال فيها إنّها لحظة إعادة تشكيل المنطقة من جديد، فإمّا أن تترحّم الأجيال المقبلة على أسلافها، وإمّا تعيش في ظل الاستعباد حتى يأذن الله بغير ذلك.

بيروت في 6/1/2021