بات «الإرهاب الإسلامي» هو الخبر الرئيسي في الصحافة اليومية ووكالات الأنباء العالمية. ففي مدينة نيس الفرنسية سقط أربعة وثمانون سائحاً (فرنسيين وأجانب) دهساً بشاحنة قادها شاب تونسي يوم 14/7 اضافة إلى عشرات الجرحى والمصابين. وبعد ذلك بأيام أسفر تفجير انتحاري عن خمسة عشر جريحاً في بافاريا في ألمانيا، استهدف حفلة موسيقية، مما استدعى تشكيل قوات خاصة لمواجهة الإرهاب. تبع ذلك قيام موظف سابق في اليابان في مصح للمعوّقين بقتل تسعة عشر من ذوي الاحتياجات الخاصة بالسكاكين وجرح عشرات آخرين. والجريمة التي نتمنى أن تكون الأخيرة هي قيام إرهابيين باحتجاز خمسة من المصلين في كنيسة بضاحية مدينة روان الفرنسية، حيث قتل راهب الكنيسة ذبحاً وإحدى الراهبات طعناً، ليعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بأن الإرهابيَّين ينتميان إلى داعش، الذي سارع بتبني الجريمة الإرهابية.
معظم العمليات الإرهابية السابقة تنسب إلى الإسلام والمسلمين، وإلى تنظيم «الدولة الإسلامية» داعش، الذي يسارع إلى تبني الجريمة وتأكيد متابعته لمثل هذه العمليات، انتقاماً من فرنسا وغيرها من الدول الغربية.
وقد سبق للإسلام والمسلمين أن تعرضوا لحملات تشويه وتضليل، لكن ما يتعرض له الإسلام والمسلمون هذه الأيام من خلال تحميلهم تبعات العمليات الإرهابية تفجيراً وذبحاً أمر غير مسبوق في التاريخ الإسلامي، لمجرد أن تكون هذه الدولة الغربية أو تلك معارضة لـ«تنظيم الدولة» أو أن طيرانها يشارك في عمليات التحالف ضد الإرهاب، الذي يشارك بعمليات عسكرية في سوريا أو العراق. لكن ما علاقة ذلك بكاهن تجاوز الثمانين في قرية فرنسية يترأس قداساً لأبناء طائفته.. وهل من المقبول احتجاز رهائن في كنيسة، هي دار عبادة، مع أن الرسول محمداً | استضاف وفداً من نصارى نجران في مسجده حين قام الوفد بزيارة الى المدينة.. وحين أصدر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب «الوثيقة العمرية» التي ضمنت لنصارى مدينة القدس حقوقهم في مقدساتهم وتعايشهم مع المسلمين، بعد أن اجتاز مسافة طويلة من المدينة المنورة إلى القدس، راكباً دابة أو مشياً على قدميه!! كل ذلك حتى يتسلم مفاتيح المدينة سلماً بدون قتال..
هنا، لا بدّ من الوقوف عند طبيعة العلاقة ما بين الجاليات المسلمة والدول الأجنبية التي يقيمون فيها. فقد شهد القرن الماضي موجات من الفقر والحرمان تعرّض خلالها أبناء العالم الإسلامي حيناً للفقر والحرمان، وأحياناً أخرى للاضطهاد والاستبداد الذي كانت الأنظمة الحاكمة تمارسه ضد أبنائها، فوجدنا نزوحاً كثيفاً من أبناء شمال أفريقيا (تونس والمغرب والجزائر) باتجاه فرنسا، ومن شبه القارة الهندية (باكستان والهند وماليزيا) ولجوءاً واسعاً من مصر والسودان باتجاه بريطانيا، فضلاً عن الاغتراب من بلاد الشام باتجاه أقطار القارة الأمريكية، من البرازيل والأرجنتين حتى كندا. وقد كان المسلمون في هذه الأقطار يمارسون حضورهم السياسي والاقتصادي والثقافي دون حرج، ويقيمون مساجدهم ومراكزهم الإسلامية التي يمارسون فيها مختلف الأنشطة الدينية، وحتى اليوم توجد في باريس ولندن وسان باولو شوارع وأسواق تحمل الطابع الإسلامي.. لكن كيف ستكون الحال بعد عمليات القتل والذبح والتفجير التي يمارسها أبناء تلك الجاليات باسم الإسلام والمسلمين في هذه الأقطار؟ وكيف يمكن أن يواجه المسلمون في فرنسا مثلاً، وهم يعدّون بالملايين ويحملون الجنسية الفرنسية منذ عقود.. حملة مواجهة الإرهاب التي أعلنها الرئيس الفرنسي هولاند، وكيف سوف تكون حالهم فيما لو نجح المرشح الأميركي عن الحزب الجمهوري (ترامب) في انتخابات الرئاسة، ونفذ وعيده بمنع العرب والمسلمين من دخول الولايات المتحدة الأميركية، وربما الإقامة فيها!!
ربما كنا لا نستطيع مخاطبة «داعش» مطالبين إياه بالتعقل ووقف الأنشطة الإرهابية في الأقطار العربية والأجنبية، لكننا نملك مخاطبة كل المسلمين بالتزام الموقف الشرعي، والحفاظ على مصالح الجاليات المسلمة في مختلف الأقطار، فالإنسان العربي أو المسلم الذي يعيش في فرنسا أو بريطانيا ينبغي أن يتابع حياته مع أسرته دون ملاحقة أو اضطهاد من السلطة الحاكمة، حتى أبناء «داعش» من مصلحتهم أن يكونوا بعيدين عن أعين الرقباء وملاحقة الأجهزة الأمنية. وما يفعلونه الآن في مختلف الأقطار -العربية أو الغربية- لن ينهي المواجهة لا مع أنظمة المنطقة ولا مع الأنظمة الغربية في ديار الاغتراب.
هنا لا بدّ من الوقوف عند واجب الحركة الإسلامية إزاء ما يجري في ساحتها. فلأول مرة منذ ما يسمى «حروباً صليبية» بينما هي حروب الفرنجة الذين شنوا حملاتهم المتوالية على بلاد الشام واحتلوها.. تأخذ المواجهة بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى هذا الطابع. ذلك أن الفتح الإسلامي في صدر الإسلام استهدف الروم والفرس، ولم يستهدف المسيحيين أو أتباع الرسالات الأخرى، وداعش ومثيلاته من المنظمات المتطرفة لا تملك ولا تستطيع الحديث باسم الإسلام والمسلمين، فالإسلام منهم براء، وقد أعلنت كل المرجعيات الإسلامية براءتهم منها وإدانتهم لما تمارسه، سواء في سوريا أو العراق أو أي من دول العالم.
الأمر الآخر الجدير بالوقوف عنده هو دور بعض الأنظمة -العربية أو الغربية- في اطلاق «داعش» وتقديم الدعم لها، إلى أن استطاعت اقامة كيانات وموازنات في كل من سوريا والعراق. وهناك بالتأكيد أنظمة عربية وغربية تشارك في الإساءة إلى الإسلام الوسطي المعتدل، ليحل محله الإرهاب وعمليات الذبح والتفجير، سواء في الساحة العربية أو الغربية، وليس عبثاً أو مجرد صدفة أن لا تكون داعش وأخواتها موجودة أو معروفة خلال سنوات «الربيع العربي»، حيث كان الاحتكام الى صناديق الاقتراع وإلى الإعلام الحرّ المفتوح، حتى إذا طويت تلك الصفحات، برزت موجات التطرف ونماذج كراهية الآخر، سواء كان مسلماً أو غير مسلم.. فهل تقف الحركة الإسلامية عند هذا الواقع لمواجهته وتجاوز مخاطره؟!
رئيس التحرير