العدد 1334 / 24-10-2018
وائل نجم

كان من المنتظر، بالنظر إلى الأجواء التفاؤلية التي تم ضخّها نهاية الأسبوع الماضي، أن تولد الحكومة نهاية ذلك الأسبوع، أو مطلع الأسبوع الجاري على أبعد تقدير، إلا أن الأمور يبدو أنها عادت إلى المربع الأول. الرئيس ميشال عون عاد وأكد تمسّكه بحقيبة العدل لتكون من حصة رئيس الجمهورية بعدما كان قد وافق خلال اللقاء الذي جمعه مع الرئيس المكلف بعيداً عن الإعلام على أن تكون حقيبة العدل من حصىة القوات اللبنانية، وكانت الأمور، وقتها، متجهة نحو الحلحلة واعلان الحكومة. وكذلك حديث الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، عن أحقية نواب 8 آذار السنّة في التمثّل بالحكومة بشكل مباشر، وليس عبر الواسطة، وهو أيضاً أعاد الحسابات مجدداً إلى الدائرة الأولى، فيما رفضت القوات اللبنانية العروض الأخرى التي قُدّمت لها، وأصرّت على وزارة توازي في أهميتها وزارة العدل. المهم في كل هذا الحديث أن أجواء التفاؤل تبدّدت، وأن الحديث عن حكومة قريبة بات مشكوكاً فيه، إلا إذا زالت الأسباب الأخيرة التي أعادت البحث إلى المربع الأول.

الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، سعد الحريري، ظل ّ يواصل مشاوراته واتصالاته علّه يجد حلّاً للعقد المستجدة، ولكن يبدو أن الأمور أعقد وأصعب من تلك الاتصالات، والثمن المطلوب لحلّها كبير وكبير جداً، والحريري، أو غيره، لا يمكنه تحمّله، فهو ثمن المطلوب فيه أن يلغي الإنسان نفسه، ودوره، وصلاحياته التي أقرّها الدستور، وأن يتم تكريس أعراف جديدة تعيد زمن الهيمنة القديمة التي كان فيها رئيس الجمهورية يمارس جميع السلطات من دون أن يُحاسَب أو يُساءَل عن أدائه، فيما تُحاسَب الحكومة ورئيسها عن ذلك. أو فرض أعراف جديدة تكرّس هيمنة جديدة من خلال تفريغ النصوص الدستورية من مضمونها، والإطاحة بها من خلال الأعراف التي تعطي لكل جهة "حقاً" مزيّفاً يمارس من خلاله "الفيتو" على الحكومة، وعلى آليات تشكيلها، وعلى رئيسها، وما سوى ذلك. وبالطبع فإن أي رئيس مكلف تشكيل الحكومة لا يمكنه أن يحمل هذا العبء أو يتحمّل هذه المسؤولية التي تمسّ الدستور وصلاحيات مكوّن رئيسي وأساسي في البلد.

يبدو أن الرئيس المكلّف قرّر في النهاية القيام بخطوة بعدما لمس أن أغلب الأطراف تعطّل تشكيل الحكومة، ولا تريد التنازل، بل تريد الهيمنة والحصول على المزيد من المكتسبات، وكأن البلد شركة سائبة. وقد صرّح بعض المقربين من الرئيس المكلّف سعد الحريري أنه بصدد التقدّم بتشكيلة حكومية إلى رئيس الجمهورية عصر الأربعاء بعد عودة مقرّرة له من الرياض للمشاركة في أحد المؤتمرات، علماً أنه حتى لحظة كتابة هذه السطور كانت العقد التي تحول دون الاتفاق على تشكيل حكومة وطنية على حالها، ولم يحلّ أيّ منها، حتى أن أحد نواب المستقبل لفت إلى أن الحريري سيقدّم تشكيلة إلى رئيس الجمهورية. فلماذا يقوم الحريري بهذه الخطوة في هذه المرحلة بالذات؟

يعتقد الحريري أن هذه المرحلة بالذات هي المرحلة المؤاتية لتشكيل الحكومة بالنظر إلى عوامل خارجية ليست خافية على أحد، وبالتالي فإنه أراد أن يضع الأطراف أمام مسؤولياتها، وخاصة رئيس الجمهورية، فإما أن تسهّل عملية التشكيل من خلال تواضعها في مطالبها وشروطها، وبالتالي يتم قبول التشكيلة والموافقة عليها، وبالتالي الذهاب بها إلى المجلس النيابي، فإما أن تكسب ثقة المجلس وإما تسقط أمامه، وهذا من صلب نظامنا الديمقراطي البرلماني، وإما أن يرفضها رئيس الجمهورية، وتصبح الكرة عندها في ملعبه، وليتحمّل عند ذلك المسؤولية.

كما أن الرئيس الحريري، متسلحاً كما يبدو بدعم رؤساء الحكومات السابقين، قرر التوجّه إلى تفعيل مسألة تصريف الأعمال، بمعنى أن يعود النشاط إلى حكومة تصريف الأعمال، وإلى السراي الحكومي من جديد، ولينتظر من ينتظر عند ذلك تشكيل حكومة جديدة، لأن أول المتضرّرين من عدم تشكيل حكومة، بالطبع بعد المواطنين، هو رئيس الجمهورية، وأولئك الذين يبحثون عن مخارج لما يمكن أن يُفرض من عقوبات على مؤسسات في لبنان وحتى في الخارج. لقد آن الأوان أن يدرك الجميع أن رئيس الحكومة والمكوّن الذي ينتمي إليه في هذا البلد ليس وحده "أم الصبّي" كما تقول الروايات، بل يجب أن يكونوا شركاء في تحمّل مسؤولية الأمومة قبل وقوع الإنهيار.

وائل نجم