تشهد هذه الأيام تصعيداً واضحاً في حدة الصراع العسكري الإسرائيلي- الإيراني، بالتزامن مع تصعيد إعلامي أميركي يستهدف إيران والاتفاق النووي الذي وقعته الإدارة الأميركية السابقة. و يبدو أن حدود هذا الصراع وأبعاده محصورة داخل الأراضي السورية، وبالشكل الذي يكفل للطرفين ممارسة خطاب النصر المعهود لديهما، من فرحة أتباع إيران بردّها هي، أو حليفها الأسد، عبر قصف الأراضي السورية الخاضعة لسيطرة الاحتلال بعشرين قذيفة من داخل الأراضي السورية، إلى الفرح بإقدام الاحتلال على قصف مواقع سورية وإيرانية داخل سورية من أطراف وجهات معارضة للنظام السوري، التي طالما غرقت في أحلام وأوهام تتحدث عن مكاسب سورية من الصراع الإيراني الإسرائيلي، أو عن أنه مؤشّر على نيّة المجتمع الدولي نقل سورية من دولة استبدادية إلى دولة ديمقراطية وحرّة. ولذلك لا بدّ من إيضاح طبيعة هذا الصراع المزعوم أولاً، ومن التنبيه إلى تحمل السوريين، وربما نحن العرب، آثاره وتبعاته السلبية التي لن تقتصر على قصف سورية وتدميرها، وربما قتل مدنيّيها إن تصاعدت حدة الاشتباكات. 
ويمكن اعتبار الصراع مقدمةً لتسويق التفاهمات المقبلة، التي لن تصل إلى درجة إنهاء الوجود الإيراني داخل سورية، حيث لا يشكل الوجود الإيراني خطراً حقيقياً على أمن الاحتلال. إنما يكمن مصدر الخطر الحقيقي الذي تحتاج إسرائيل عرقلته وكبحه ومنعه في تعاون الشعبين العربي والإيراني وتآزرهما، وباقي مكونات المنطقة  في ما بينهم، من أجل تحرير المنطقة، والنهوض بها علمياً واقتصادياً. ولن يجد المجتمع الدولي والاحتلال وسيلة أفضل لإثارة النعرات الطائفية والمصلحية الضيقة من تلك التي تجسدها السياسة الإيرانية. لذا لسنا أمام رغبة حقيقية في إنهاء الوجود الإيراني داخل سورية، وإن كانت هناك رغبات أميركية وروسية وإسرائيلية في إضعافه وضبطه، من أجل سهولة التحكم به، وضمان عدم خروجه عن السيطرة مستقبلاً، بما يخدم المصالح الأميركية والروسية والإسرائيلية. ولنا بالعلاقة الأميركية الإيرانية في العراق مثال واضح على قدرة هذه الأنظمة على خوض حروب إعلامية مشتعلة، وبعض الصراعات الميدانية الدموية، دون المساس بأيٍّ من المصالح الميدانية لكل منها، وخصوصاً المصالح الأميركية في ما يخص العراق، وبما يلبي جزءاً يسيراً من المصالح الإيرانية الاقتصادية والأمنية، وبالصورة التي تضمن استمرار الخطاب الإيراني القائم على مواجهة الشيطان الأميركي، كما يحلو للنظام الإيراني وصفه. 
ثم إن علينا الحذر من تحمّل الشعب السوري، وربما العربي، مستقبلاً لجميع نتائج هذا الصراع العسكري، أو هذه التمثيلية السمجة، لأنها تنطلق من ترتيب المصالح الدولية في سورية، دون أي اعتبار لمصالح الشعب السوري. ونظراً إلى حجم الإجرام والدموية التي يتمتع بها الطرفان، والتي تهدد سورية والسوريين، بأنواع من القذائف والصواريخ والأسلحة المحرّمة دولياً، التي ربما لم تختبرها الأرض السورية حتى اللحظة، كذلك لن يأبه الطرفان لأعداد الضحايا من السوريين، مدنيين كانوا أو عسكريين. أي إن تصاعد الأعمال العسكرية بين الإيرانيين والإسرائيليين سيلقي تبعاته على الداخل والشعب السوريَّين، دون اكتراث لأعداد المدنيين الموجودين على مقربةٍ من أماكن المعسكرات والمقرّات الإيرانية، السرية منها والعلنية، التي غالباً ما يتم تشييدها داخل أكثر المدن والبلدات السورية اكتظاظاً بالسكان، بمعنى أن السوريين سوف يتحملون وزر هذا الصراع أولاً وأخيراً، ومن دون أي آثار إيجابية مستقبلية أو حاليةً، فلن ينتهي الاحتلال الإسرائيلي لأي من الأراضي العربية، كما لن ينتهي الوجود والنفوذ الإيراني في سورية، نظراً لنتائجه الإيجابية على كل من الأميركان والروس والإسرائيليين، من زيادة في المبيعات العسكرية الروسية والأميركية إلى دول المنطقة، إلى ترسيخ الانقسام الطائفي فيها، وهو ما يساهم في تفريق الشعوب، وإدخالها في صراعات جانبية، تحرفها عن مسارها الوطني والثوري. كما تقدم إيران خدمةً كبيرةً للاحتلال الروسي، تتمثل في تجنيب الروس تحمل تكاليف الاحتلال البشرية، عبر تنفيذ الميليشيات والقوات الإيرانية لجميع أو غالبية المهام البرية التي يطلبها الروس، ما يحدّ من حاجة هؤلاء لإرسال أعداد كبيرة من قواتهم العسكرية البرية، لتكتفي روسيا ببعض الشركات الأمنية الخاصة، وعناصر من الشرطة العسكرية الروسية. 
نعم لا تمثل إيران وإسرائيل أي نموذج ديمقراطي أو إنساني أو حضاري لنا، ولمجمل شعوب المنطقة، وهو ما يدفع مسؤولين سوريين وعرب عديدين إلى التعلق بأوهام الخلاص من إحدى القوتين الإجراميتين عبر صراعهما الحالي، إذ غالباً ما يعتقد بعضهم أن للاحتلال رغبة في القضاء على إيران، أو كفّ يدها بالحد الأدنى، أو زعزعة قوتها ونفوذها. كما أن ضعفنا وتبعثرنا، وافتقادنا أدنى درجات التنظيم والتخطيط والعمل المشترك، حوّلنا إلى شعوب عاجزة عن استثمار أي صراعٍ بين القوى الخارجية. هذا إن افترضنا أننا أمام صراع تناحري وإلغائي غير قابل للحل، دون قضاء إحدى القوتين على الأخرى، أو من دون استنزاف قواهما العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالحد الأدنى، فكيف إن كنا أمام ممارسة لصراع عسكري مسرحها سورية، ووقودها خيراتها ومدنيّوها.}