العدد 1410 / 22-4-2020

د. وائل نجم

كسر رئيس المجلس النيابي، نبيه برّي، رتابة المشهد السياسي والعام في لبنان في ظل التعبئة العامة من ناحية وإجراءات الوقاية للحد من انتشار وباء كورونا من ناحية ثانية، فقرر بعد فترة زمنية من إقفال المجلس النيابي بسبب الإجراءات، عقد جلسة تشريعية استثنائية في قصر الأونيسكو في بيروت لإقرار مشاريع واقتراحات قوانين تنتظر الاقرار، وبالفعل عقدت الجلسة على مدى أيام اعتباراً من يوم الثلاثاء (21/4/2020) وسط الالتزام بالتوصيات المطلوبة في مثل هذه المناسبات والمحطات.

يمكن القول إنّ خطوة الرئيس برّي فتحت المجال في البلد على مسألة مهمّة جدّاً لناحية عدم الجمود والانتظار حتى الانتهاء من الوباء، وهذا غير معروف على وجه الدقة، بل ذهبت باتجاه التأقلم مع الحالة والتكيّف مع الأجواء وبما لا يدع تداعيات خطيرة على الجو العام، وكذلك لا يترك الناس في حالة حيرة وانتظار، وهي خطوة يجب أن تفتح المجال أمام الحكومة كي تقرّر في مسائل تتعلق بحياة الناس وكسب لقمة عيشهم، في موازاة الحفاظ على صحتهم وعلى منع الوباء من الانتشار، لأن مسألة الانتظار والحجر المنزلي والتعبئة العامة من دون تأمين البدائل، خاصة على المستوى الحياتي والاقتصادي يقصم ظهر الناس ويدفعم إلى ضرب كل الإجراءات المتخذة بعرض الحائط.

غير أنّ عقد جلسة التشريع شيء، وما أقرّه المجلس من تشريعات شيء آخر مختلف. إذ أنّ خطوة عقد الجلسة في ظل كورونا أكدت قيام المجلس بوظيفته ومهامه وسط إجراءات معتبرة ومقدّرة، غير أنّ القوانين التي شرّعها المجلس لم تكن بمستوى الطموح الذي أراده الناس.

لقد أقرّ المجلس حزمة من مشاريع واقتراحات القوانين العادية التي لم يكن من بينها تلك التي ينتظرها اللبنانيون، وعلى سبيل المثال لا الحصر قوانين تتعلق فعلاً باستعادة الأموال المنهوبة، والتهرّب الضريبي، والتهريب ومكافحة الفساد، ومساءلة ومحاكمة المتورطين في سرقة ونهب المال العام، أو المشاركين في نشر الفساد وتغطيته، أو قانون مكافحة المحاصصة واعتماد الشفافية والكفاءة والنزاهة والمعايير المعتبرة التي يتكافأ اللبنانيون أمامها، أو حتى القوانين التي تحدّ من جشع التجار والمصارف والصيارفة وغيرهم، أو التي تضع حدّاً للاحتكار، أو التي تنهي الهدر الحقيقي في الكهرباء أو غيرها من القوانين التي تُشعر اللبنانيين حقيقة أنّ المجلس لم ينعقد فقط لمجرد الانعقاد وأخذ الصورة والقول إنّه ما زال يعمل، بل من أجل إقرار كل الاقتراحات والمشاريع التي تشكّل الخطوة الأولى للخروج من هذا النفق المظلم.

لقد أقرّ المجلس النيابي زراعة الحشيشة، أو ما يُسمّى القنّب الهندي، ولأغراض طبية، ولكن الجميع يدرك بما لا يدع مجالاً للشك أنّ هذا التشريع سيفتح الباب أمام زراعات أكثر من الأغراض الطبية، خاصة في ظل الفوضى الأمنية والمحميات المنتشرة والسلاح غير المنضبط والحدود المفتوحة واننا سنجد أنفسنا أمام زراعات ستجعل لبنان على قائمة الدول المتهمة بتصدير المخدرات وهذا سيكون له تداعيات كثيرة اقتصادية واجتماعية وغيرها، فضلاً عن أن لبنان سيكون ساحة لتجار هذه الآفات التي ستدمّر ما بقي من بلد ومن قيم اجتماعية وأخلاقية فيه.

بينما أحال المجلس اقتراح قانون العفو العام إلى اللجان النيابية المشتركة لمزيد من الدرس والبحث، واللجان في لبنان هي مقابر المشاريع والاقتراحات، في حين أنّ القابعين في السجون دون محاكمات منذ فترات طويلة بحاجة جادّة إمّا إلى محاكمتهم محاكمات نزيهة وشفافة وعادلة، وإمّا إلى إطلاق سراحهم حتى يعاودوا حياتهم الطبيعية، والمجلس النيابي مسؤول عن هذا الأمر بالتوازي والتكامل مع مسؤولية الحكومة.

الجلسة التشريعية في ظل كورونا والوضع الاقتصادي حاجة ملحّة للخروج من النفق والأزمة ولكن التشريع في الجلسة لم يكن بمستوى الطموح الذي يعيد الأمل والثقة، ولذلك فقد تحرك الشارع من جديد، وقد يكون على موعد من حراك ثوري أكبر فيما لو تم تخفيف الإجراءات الوقائية أو الانتهاء من كورونا أو حتى فقدان الأمل بالنجاة.