العدد 1428 / 16-9-2020
د. وائل نجم

يوم الثلاثاء (15/9/2020) استضاف الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض لقاءً جمع رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي، ووزيري خارجية الأمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين للتوقيع على اتفاقات قُدّمت للرأي العام على أنّها اتفاقات "سلام" تنهي حالة الصراع بين هاتين الدولتين وكيان الاحتلال. والحقيقة أنّها ليست اتفاقات "سلام" أو تسوية أو حتى تطبيع، إنّها اتفاقات إخضاع بل خيانة للشعب الفلسطيني وقضيته، بل للشرف العربي والكرامة التي أبت على مدار سبعة عقود من التنازل عن حبة رمل من فلسطين أو أيّ منطقة عربية.

لقد تمّ الترويج لهذه الاتفاقات على أنّها اتفاقات سلام أو تطبيع، وهي ليست كذلك. هي اتفاقات كسرت حالة العداء العربية للاحتلال الإسرائيلي، وراحت تعمل على الترويج وكأنّ هذا الكيان المحتّل جسمٌ طبيعي في المنطقة، وهو ليس كذلك حتى تعود الأمور إلى طبيعتها. إنّه كيان محتّل للأراضي والمقدسات والحقوق ومصادرة للحريات، فكيف يتمّ الحديث تطبيع؟ كيف يتمّ الحديث عن سلام أو تسوية؟ إنّها الخيانة للقضايا العربية. إنّها الخيانة للشرف العربي، والكرامة العربية، خاصة وأنّ الفلسطينيين المعنيين بشكل مباشر بالصراع مع الكيان المحتل يرفضون هذه الاتفاقات ويعتبرونها خيانة وطعناً بظهر الشعب الفلسطيني وقضاياه المحقّة والعادلة.

إن فلسطين ليست جغرافية وأرضاً زراعية أو صحراوية أو ساحلية أو جبالاً وهضاباً وغير ذلك. إنّها ليست مدناً وقرى وبلدت مأهولة أو غير مأهولة. إن فلسطين أرض القداسة. هي أولى القبلتين، وثالث الحرمين. هي المسجد الأقصى وكنيسة القيامة. هي مسرى رسول الله (صلّى الله عليه وسلم)، ومهد عيسى عليه السلام، وأرض خليل الرحمن. هي فتح عمر بن الخطاب، وتحرير صلاح الدين الأيوبي. إنّها دماء آلاف الشهداء وعرق مئات آلاف الفلاحين والعمّال والنساء والرجال. إنّها مهد الطفولة المعذبة. هي ليست أرضاً بلا شعب لشعب بلا أرض. هي أرض القداسة الحضارة والتاريخ والقدم. فكيف يتمّ التنازل بهذه السهولة عن كل تلك الحقائق والتاريخ والحقوق؟! كيف يمكن بيع كل تلك المقدسات يثمن بخس وتحت عنوان "السلام" الذي لم يعرف الموقعون عليه إليه طريقاً؟!

ألم يقرأ أولئك عن تاريخنا المجيد الذي رفض فيه سلاطين بني عثمان بيع جزء من فلسطين مقابل الذهب الذي جاء به هرتزل إليهم؟ وعلى الرغم من التحدّيات المالية التي كانت تعصف بهم وبسلطنتهم؟! ألم يسمع أولئك أنّ ملوكاً كانوا يعيشون بالقرب منهم رفضوا رفضاً قاطعاً التنازل عن ذرّة واحدة من فلسطين؟! أم أنّهم لا يقرأون التاريخ ولا يفقهون الواقع ولا يحترمون المقدسات ولا يحفظون الحقوق؟ وبعد كل ذلك هل أولئك من العرب فعلاً؟!

إنّ العربي رجل يتصف بالكرم والشجاعة والشهامة والنخوة والرجولة وإغاثة الملهوف وإكرام الضيف وإنصاف المظلوم والوقوف إلى جانبه. إنّ العربي رجل يأبى الذل والتنازل والخنوع والخيانة، يأبى الكذب والهرولة إلى أقدام الأعداء، فهل من يطبّع أو يسالم أو يتنازل أن يتخلّى أو حتى يخون من العرب والعروبة بشيء؟!

لقد سبق هؤلاء أولئك الذين وقّعوا من قبل، فإذا بالشعوب تلفظهم، وإذا بالتاريخ ينبذهم، وإذا بالمستقبل يستثنيهم من الحضور.إنّ الشعوب ما زالت محافظة على كرامتها، وما زالت ذاكرتها حيّة ترفض الهزيمة أو الاستسلام وتأبى إلاّ الاستمرار في المواجهة على طريقتها التي تخيف الأنظمة والحكومة ومن خلفها من قوى عالمية داعمة ومهيمنة على المنطقة وثرواتها وطاقاتها.وطالما أنّ الشعوب واعية لهذه المخاطر ورافضة لكل أشكال التطبيع والانهزام والاستسلام فإنّها ستظل بخير وستهزم كل تلك المسارات التي ليست سوى الوجه الآخر للمؤامرات والخيانات.