العدد 1391 / 18-12-2019

د. وائل نجم

من المفترض وبحسب بيان رئاسة الجمهورية يوم الاثنين الماضي ( 16/12/2019) أن تجري يوم الخميس (19/12/2019) الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية شخصية تُكلّف مهمة تشكيل الحكومة الجديدة، لكن شيئاً مؤكداً ومضموناً على هذا المستوى والصعيد لا يمكن لأحد الجزم به، فيوم الاثنين المنصرم اتخذ قرار التأجيل قبل أقل من نصف ساعة من الموعد المحدد لانطلاق الاستشارات على خلفية لم تقنع أحداً من اللبنانيين. ومن المعروف أنها المرّة الثانية التي يجري تأجيل الاستشارات فيها، فهل تكون الدعوة للاستشارات الملزمة يوم الخميس هي الثالثة والثابتة التي يتم فيها إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري المفصلي والمهم؟

المعطيات المتوفرة لغاية الساعة لا تشي بالخير الكثير، ولا تُنبىء بأن الأمور سوف تسير على ما يرام لإنجاز الاستحقاق. فالانقسام على حاله، والمواقف السياسية للأطراف المعنية على حالها، وحراك الشارع على حاله، ومواقف القوى الدولية على حالها. الكلّ ثابت لا يتغيّر، فكيف يمكن أمام هذا المشهد المعقّد والمتداخل والمتشابك أن يتم إنجاز هذا الاستحاق؟

إلا أنه وعلى العادة اللبنانية يمكن أن تخرج الحلول أو "الأرانب" في ربع الساعة الأخير، وبالتالي يتم إنجاز الاستحقاق من خلال تسوية أو "محاصصة" جديدة بين الأطراف المعنية، وبالتالي يسدل الستار عندها على مرحلة لتبدأ مرحلة جديدة.

في تحليل مواقف الأطراف المعنيّة، بل بالأحرى المؤثرة بالاستحقاق، نجد أن رئيس الجمهورية ما يزال مصرّاً على تشكيل حكومة مختلطة (تكنوسياسية)، وهو يصرّح أنه لا يوقّع على حكومة تكنوقراط. والتيار الوطني الحر ما يزال مصرّاً على عدم الدخول إلى حكومة يرأسها سعد الحريري طالما أن شرط الأخير هو استبعاد رئيس التيار جبران باسيل. والقوات اللبنانية ما تزال مصرّة على عدم تسمية أحد لرئاسة الحكومة وتتمسّك أيضاً بتشكيل حكومة تكنوقراط. وحزب الله ما يزال مصرّاً على تشكيل حكومة مختلطة برئاسة الحريري ووجود جبران باسيل. والرئيس برّي يشاطر الحزب هذا التوجه. والحريري ما يزال عند شروطه بعدم تشكيل حكومة مختلطة، وعلى استبعاد باسل منها، وهو أمام حسبة بسيطة لما جرى يوم الاثنين من مواقف الكتل النيابية وجد أن فرصته لتشكيل الحكومة صعبة وليست سهلة على الإطلاق. وجنبلاط إلى الآن ما يزال يعتصم بالصمت على غير عادته. والشارع الذي ما يزال يتظاهر يرفض عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة. وهذا كله داخلياً.

أما خارجياً فإن مواقف الدول المعنية أو المؤثرة تعكس في حقيقة موقفها مواقف بعض الأطراف الداخلية. فالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بشكل عام تشترط ضمناً حكومة تحظى بثقة اللبنانيين، لا سيما المتظاهرين في الساحات. وهذا يعني فيما يعنيه تشكيل حكومة تكنوقراط. وهذا يعني أيضاً الذهاب إلى مواجهة مع الطرف الآخر لفرض الاستسلام عليه في هذا الملف. أو الذهاب معه إلى مواجهة أكثر صعوبة وتعقيداً.

وفي مقابل المواقف الأمريكية والأوروبية فإن مواقف الدول الداعمة لفريق حزب الله ما تزال تؤكد أن كل ما يجري هو بمثابة استهداف للحزب ولدوره في لبنان والمنطقة. وبالتالي بمعنى آخر فإنها ترفض الاستسلام وإعطاء الفريق الآخر ما يريد بكل هدوء وبساطة.

نحن إذاً أمام مشهد معقّد يوم الخميس، ولا يبدو في الأفق أية تسوية لا داخلية ولا خارجية في هذا الملف أو في غيره، لذا فقد يكون مرجحاً الذهاب نحو مزيد من الضغط بين الأطراف المختلفة، وبالتالي فإن ذلك سيعني الذهاب إلى المزيد من التأجيل، ومزيد من الأزمة التي قد تتشعب أو تتعقد، أو تأخذ بعداً أكثر خطورة وصعوبة، لا سيما على المستوى الأمني، وقد لاحظنا في الفترة الأخيرة التسخين الذي جرى لهذا الملف، إلا أن الوعي والقرار الجريء بعدم الانجزار إلى الفتنة من كل الأطراف ساعد على لجم الموقف، وهذا المطلوب من الجميع في المرحلة المقبلة إذا لم تفضي الاستشارات إلى ما يجب القيام به.