باتت أيام العشر الأواخر من شهر أيلول من كل عام موسماً عالمياً يلتقي فيه رؤساء دول العالم بمقر الأمم المتحدة في نيويورك لطرح شؤون دولهم وشعوبهم ودول العالم. وكان طبيعياً أن تأتي كلمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في طليعة كلمات الرؤساء، وأن تستمر أربعين دقيقة، وأن يتحدث فيها عن المكانة العالمية العالية التي تتمتع بها دولة (الولايات المتحدة الأميركية)، سواء في القوة العسكرية أو الاقتصادية أو في أسواق المال، وتعهد بأن يبقي على شعار «أميركا أولاً»، طالما أنه رئيس للولايات المتحدة الأميركية. ثم عرّج على الإرهاب، ووجه أصابع الاتهام الى محورين أساسيّين على أنهما سبب كل المصائب التي تحلّ بالعالم: كوريا الشمالية وإيران. وركز على الأولى التي «تهدد العالم كله، وهذا ما لا نقبله. لدينا صبر لكن لن نتردد في حال تعرّضنا للخطر بتدمير كوريا الشمالية بالكامل في حال كان ذلك ضرورياً، وآن الأوان لكوريا الشمالية أن تدرك أن إزالة سلاحها النووي هو الحل الوحيد المقبول»، واعتبر ترامب «أن العالم لا يواجه هذا الخطر فقط من كوريا الشمالية، بل أيضاً من النظام الإيراني الذي وصفه بالديكتاتورية الفاسدة التي تدّعي زوراً أنها ديمقراطية، وقد تحولت الى دولة مارقة تستخدم العنف وسفك الدماء والفوضى، وأكثر ضحايا حكومة إيران شعبها الإيراني، وتستغل مواردها المالية من أجل تمويل تنظيمات مثل حزب الله وديكتاتورية بشار الأسد وفي اليمن. ثم عرّج ترامب على الملف السوري، وتحدث عن اجرام النظام واستخدامه السلاح الكيميائي الذي «هزّ ضمير كل شريف..».
لم يتوقف ترامب عند أقدم وأكبر أزمة إرهابية وهي القضية الفلسطينية، التي ما زال شعبها يعاني التشريد واللجوء منذ أواسط القرن الماضي، وما زال يعاني إرهاب وظلم القوى الصهيونية الباغية، التي تنادت من كل أقطار العالم لتستوطن أرض فلسطين، وهي تبذل كل جهد ممكن من أجل ازالة كل ما يربط الشعب الفلسطيني بأرضه، بما في ذلك المساجد والمقابر والكنائس. لم يشر ترامب بكلمة واحدة الى محنة الشعب الفلسطيني ولا الى الإرهاب الذي يمارسه الكيان الصهيوني بحق هذا الشعب، وبعد ذلك يتحدث ترامب عن الحرية والعدالة ومواجهة الإرهاب. وكان لافتاً وقوف الرئيس الإسرائيلي نتن ياهو وهو يصفق للرئيس ترامب، ربما لأنه لم يتوقع الحديث عن أزمات العالم وقضايا الإرهاب دون التوقف عند القضية الفلسطينية.
تحدث أمير دولة قطر الشيخ تميم آل ثاني في الجلسة الافتتاحية، لكنه رغم تعرّض بلده لحملة حصار بري وبحري وجوي، توقف عند القضايا العربية والإسلامية والعالمية، وطالب الدول الكبرى ودول الجوار بالعودة الى الحوار، وبوقف الحصار، واحترام حقوق الشعوب بأن تتولى إدارة شؤونها، وأن تتوقف الدول الأربع عن فرض مفاهيم مختلقة على دولة قطر دون دليل ولا مبرر، وأبرز ما يجري فرضه هو أن قطر تمارس الإرهاب وتدعم المنظمات الإرهابية في المنطقة وفي العالم.
أما الطيب رجب أردوغان، رئيس جمهورية تركيا، فقد تضمنت كلمته جولة واسعة حول العالم، تحدّث فيها عن الأزمة الخليجية، وناشد المملكة العربية السعودية ان تبادر الى التدخل لايجاد تسوية للأزمة الخليجية، وأن تركيا تستوعب ما يزيد على ثلاثة مليارات نازح سوري، دون أن يقدم لها المجتمع الدولي سوى أقل من مليار دولار. في حين أن الاتحاد الأوروبي وعد بمساعدة تركيا بستة مليارات يورو، وأن تركيا قدمت للنازحين ما يزيد عن ستة ملايين دولار. ولم يغفل أردوغان التوقف عند قضية القدس والحفاظ على هوية الحرم القدسي داعياً إسرائيل الى وقف المستوطنات والمبادرة الى ايجاد حل للقضية الفلسطينية. وفي ملف مسلمي الروهينغا (ميانمار) ذكر الرئيس التركي ان ما يقع في إقليم أراكان يشبه التطهير العرقي، وأن تركيا أرسلت وفوداً وقدمت مساعدات للنازحين الى بنغلادش.
وفي الكلمة الافتتاحية التي قدمها الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، أعطى انطباعاً متشائماً وسوداوياً عن أوضاع العالم هذه الأيام، وقال إن هناك سبعة تهديدات تواجه العالم، وكان أكبرها «الإرهاب»، وأن أبرز أسباب الفقر والجوع، متغافلاً عن أن أبرز مسببات الإرهاب هي الظلم والقهر وليس الجوع والفقر. فقد شهدت مناطق واسعة من العالم نقصاً في المواد الغذائية والعائدات المالية، لكن ذلك لم يولّد إرهاباً. ولعل العالم ما زال يذكر أكبر منظمتين إرهابيتين نشأتا في القارة الأوروبية وليس في بنغلاديش أو انغولا، الأولى هي الجيش الأحمر الذي نشأ في أطراف الاتحاد السوفياتي، في القوقاز والشيشان وعدد من المناطق التي كانت تعاني الاضطهاد السياسي والحرمان الاقتصادي في الامبراطورية الروسية. وقد تلاشى هذا الكيان بعد تفسح الاتحاد السوفياتي في طرفيه الآسيوي والأوروبي. أما المنظمة الإرهابية الأخرى فهي «بادر ماينهوف» التي نشأت على أنقاض ألمانيا الشرقية، ثم تلاشت واندثرت بعد توحد ألمانيا الشرقية مع الغربية في دولة واحدة.
أما في عالمنا العربي، فالعالم كله يعرف أن مؤسس تنظيم «القاعدة» هو أسامة بن لادن، وهو من أسرة يمنيّة عريقة نزحت الى السعودية، وما زالت من أبرز العائلات الغنية التي تدير مؤسسات وشركات ضخمة في المملكة العربية السعودية وخارجها. اختصاراً، أقول ان القهر والحرمان أبرز أسباب الإرهاب. وليس عبثاً اتهام فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، ومؤخراً حركة حماس، بأنها إرهابية.. أولاً لأنها تحمل قضية شعب مقهور ومظلوم، وثانياً لأن قضية هذا الشعب لم تحظ برعاية ولا عناية العالم من حولها.}