حبس اللبنانيون أنفاسهم مساء الاثنين الماضي، في الذكرى السنوية الأولى لانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. جلس ثمانية من ممثلي القنوات التلفزيونية الأساسية في البلد، بعد أن جرى اختيار ممثلي هذه القنوات، وتحديد عناوين القضايا التي يمكن طرحها على الرئيس، والوقت المتاح لكل واحد منهم.. كل ذلك بإشراف وإدارة المسؤول الإعلامي بالقصر الجمهوري وفريق عمله.
لكنها فرصة طيبة رحب بها الإعلاميون، سواء في ذلك مراسلو الصحف والإذاعات أو ممثلو القنوات التلفزيونية، لأنهم كانوا محرومين من اجراء أي حوار مع العماد ميشال عون، حتى قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية، خوفاً من أن يخرج عن طوره خلال ردّه على المراسل أو المراسلة، وهذا ما حدث مرات عديدة خلال المؤتمر الصحفي الذي كان يعقده ميشال عون رئيس التيار الوطني الحر.
وانعقد اللقاء، وأجاب الرئيس عون على الأسئلة والقضايا التي طرحها الإعلاميون، ولا بدّ من الاعتراف بأنها جاءت هادئة وموفقة، والأمل كبير في أن يتكرر هذا اللقاء، في مثل هذه المناسبة أو غيرها، حتى يكون فرصة للتواصل ما بين الرئيس وشعبه، خاصة أنه بات يسمى سيّد العهد، نظراً لتقلص صلاحيات رئيس الحكومة، بعد أن أصبح القصر الجمهوري هو مقر معظم اجتماعات مجلس الوزراء، لا سيما الهامة منها، رغم أن الدستور (بعد الطائف) ينص على أن مجلس الوزراء ينعقد برئاسة رئيس الحكومة، وإذا حضر رئيس الجمهورية فإنه يترأس الجلسة. أما اليوم فقد باتت معظم الجلسات تنعقد في قصر بعبدا، اللهم إلا جلسات تصريف الأعمال التي ليس في جدول أعمالها ما يستحق الاهتمام.
بالدخول في الانجازات التي حققها العهد خلال السنة الأولى من ولايته، ماذا تحقق ليقف عنده رئيس الجمهورية ويثبته في سجله السياسي وانجازاته التي تستحق التسجيل؟ أبرز الانجازات هو قانون الانتخابات الجديد، الذي يعتمد النسبية والصوت التفضيلي. وقد كان غياب هذا القانون هو السبب الذي من أجله جرى تأجيل اجراء الانتخابات ثلاث مرات، وتمديد ولاية المجلس النيابي، مما حمل الكثير من المراقبين على اضافة صفة «النائب الممدّد له» لجميع أعضاء المجلس النيابي. وقد أكد العماد العون هذه الصفة خلال حواره مع الإعلاميين. فأين نحن من الانتخابات النيابية، وما هو القانون الذي تجري بموجبه؟ البطاقة الممغنطة باتت غير واردة، والصوت التفضيلي بات محل نظر، وبالتالي فإن تأجيل الانتخابات مرة رابعة بات احتمالاً وارداً، خاصة بعد الخلاف الناشب بين وزير الداخلية نهاد المشنوق والخارجية جبران باسيل.
الانجاز الثاني الذي كان يتوقعه الجميع هو وضع حدّ لتعاظم الدين العام الذي ينوء تحته البلد، لا سيما خدمة الدين العام وارتفاع العجز في الميزانية. لم يقدم العهد جديداً في هذا الميدان، بل ان مناقشات سلسلة الرتب والرواتب سيطرت على المناخ المالي وجعلته غير ذي أهمية.
- جرى اطلاق تسمية «حكومة الثقة» على وزارة العهد الأولى، أين هذه الثقة بالدولة ومؤسساتها وأجهزتها، وأين أصبحنا من استقلال البلد، ومن استرداد القضاء والأجهزة الأمنية للقرار الوطني، لا سيما بعد انكشاف الحدود أمام قطاع من اللبنانيين، يعبرونها برجالهم وأسلحتهم صباح مساء.
- لماذا جرى إلغاء الانتخابات الفرعية في محافظتي الشمال وكسروان، ومخالفة المادة 41 من الدستور، دون مبرّر ولا ضرورة؟
- يعيش في لبنان أكثر من مليون نازح سوري، دفعتهم الضرورة الى مغادرة مدنهم وقراهم والهجرة الى لبنان، حيث أقيمت لبعضهم مخيمات والبعض الآخر ينتشرون في مختلف المدن والقرى اللبنانية. والرئيس عون نفسه تحدث خلال لقائه عن انتشار الجريمة والفساد في هذه المناطق.. لم يستطع وزراء العهد التفاهم على خطة موحدة لترحيل النازحين. كما أن أركان حكومة العهد الأولى مختلفون في العلاقة مع النظام السوري، فبعض الوزراء يتهم بأنه مجرم يقتل الأطفال والأبرياء، وبعضهم الآخر يسعى لإقامة علاقات معه ويتردد على دمشق وغيرها من المناطق التي يسيطر عليها النظام.
- وزير الخارجية جبران باسيل يقوم بجولات واسعة، يحاول فيها التروية لحزبه ودعوة المغتربين اللبنانيين لانتخابه وانتخاب أعضاء حزبه، مستغلاً صفته الوزارية في هذا الميدان. مع أن وزير الإعلام (ملحم رياشي) قدّم استقالته كناطق باسم حزبه (القوات اللبنانية)، وحسناً فعل، عندما أصبح وزيراً في الحكومة.
- الرئيس السابق ميشال سليمان أقام طاولة حوار في القصر الجمهوري، دعا إليها الكتل النيابية الرئيسية في البلد، وطرح فيها القضايا الخلافية، ليخرج المتحاورون بما سمي «وثيقة بعبدا». ومع أن الجميع وافقوا على ما جاء في الوثيقة، الا أنهم سرعان ما اختلفوا حولها وخرجوا منها في أيّ من القضايا اللبنانية الشائكة. فلماذا لا يدعو الرئيس عون ممثلي الكتل النيابية الى طاولة حوار في قصر بعبدا، أو «قصر الشعب» كما يحب أن يسميه، ليجري طرح هذا القضايا والوصول فيها الى تفاهم وطني، وأهمها: الموقف من النظام السوري، سلاح المقاومة، المشاركة في الحرب الدائرة في سوريا، سواء في ذلك من يقاتلون النظام أو المدافعون عنه.. وأن تحمل هذه الوثيقة اسم وثيقة بعبدا الثانية أو وثيقة ميشال عون أو غير ذلك.
ان أوضاع البلد تستدعي حواراً سياسياً معمقاً، وليس مجرد لقاء مع إعلاميين جرى اختيارهم وانتقاؤهم وتحديداً لقضايا المسموح لهم بطرحها ومناقشتها مع الرئيس. فإذا ما وقع ذلك، أو ما يشبهه في المجلس النيابي أو القصر الجمهوري أو مجلس الوزراء، فإن قضايا الوطن تكون قد وضعت على طاولة الحوار الحقيقي، ليقول ممثلو الشعب عندهم، سواء كانوا نواباً أو إعلاميين.. عندها يمكن للعهد أن يفاخر بأنه يمارس ديمقراطية حقيقية، وليس مجرّد حوار إعلامي مرسوم ومبرمج، في وقت محدد ومكان محدد.. وإلا فإن السنة الثانية سوف تحمل ما هو أكبر من السنة الأولى. أما الثالثة والرابعة.. فسوف تحملان ما هو أهم وأخطر.. سواء في الداخل اللبناني أو المحيط الإقليمي.