العدد 1430 / 30-9-2020

د. وائل نجم

فاجأ السيّد مصطفى أديب الوسط اللبناني وحتى المهتم بالشأن اللبناني من دول الخارج باعتذاره عن تشكيل الحكومة المنتظرة، وأعاد السبب إلى أنّ المواصفات التي كان وضعها لحكومة المهمّات التي كان ينوي تشكيلها لم تعد متوفرة بفعل التدخلات التي حصلت من أكثر من طرف، وبالتالي فإنّ حكومته ستعيد إنتاج الأزمة أو ستصل إلى الفشل ولذلك فضّل عدم تشكيل حكومة من هذا القبيل.

الاعتذار الذي قدّمه أديب لرئيس الجمهورية أعاد خلط الأوراق من جديد، وأظهر انهيار أو فشل المبادرة الفرنسية التي ظلّ رئيس الجمهورية متمسكاً بها، وظلّت فرنسا تحكي عن استمرارها، وأبقى أطرف الداخل الباب مفتوحاً أمامها، ولذلك فقد عقد الرئيس الفرنسي – صاحب المبادرة – مؤتمراً صحفياً مساء الأحد ووجّه فيه اللوم لكل الطبقة السياسية وإن كان قد اتهم الثنائي (حزب الله وأمل) بالمسؤولية عن إفشال المبادرة، كما اتهم الرئيس الحريري بالخروج عنها من خلال إعادة طرح مسائل طائفية، والرئيس عون بالعجز عن القيام بمسؤولية الرعاية المطلوبة. غير أنّه أعطى الطبقة السياسية فرصة جديدة لمدة ستة أسابيع للاتفاق وفق مبادرته، وإنتاج حكومة تقوم بالمهمة التي كانت مطلوبة من حكومة السيّد مصطفى أديب التي كانت منتظرة.

والحقيقة أنّ هذه الأسابيع ستكون صعبة وثقيلة ومحمّلة بالكثير من المواقف ومن الأفعال التي سيعمد كل طرف إلى القيام بها واستخدامها من أجل تحقيق ما يريد، لأنّه ببساطة ما من طرف شعر بضرورة تقديم تنازل من أجل إنقاذ الموقف وإنقاذ البلد.

أول ما برز من الأمور الثقيلة بعد اعتذار أديب كان انخفاض جديد بسعر الليرة أمام الدولار الذي بلغ حدود التسعة آلاف ليرة، وترافق ذلك مع أزمة مازوت وأزمة بنزين تحت عناوين التهريب إلى سوريا تارة، وعدم فتح اعتمادات في مصرف لبنان لاستيراد هذه المواد تارة أخرى. وبالطبع فإنّ ذلك يؤثّر بشكل كبير على المواطن اللبناني الذي بات يئن تحت وطأة الفقر والجوع وارتفاع الأسعار وإلخ ..

ثم برز أيضاً الملف الأمني من خلال الأحداث التي وقعت في شمال لبنان حيث اشتبك الجيش وقوى الأمن الداخلي مع مجموعات مسلحة قيل إنّها قدمت من إدلب عبر الأراضي السورية الخاضعة لسيطرة النظام السوري، ولنا أن نتخيّل كيف لتلك المجموعات أن تقطع كل تلك المسافات الطويلة بين محافظة إدلب وبين وادي خالد في شمال لبنان من دون أن يشعر بها أحد اللهمّ إلاّ إذا كانت محميّة ومغطاة من أجل القيام بأعمال معيّنة خدمة لأجندات معيّنة. وهنا يجدر بالمرجعيات المعنيّة اتخاذ مواقف واضحة من تلك الأمور حتى لا يتحوّل الكثير من الشباب إلى ضحايا، وحتى لا يكونوا أدوات في مشاريع تستغل كل شيء من أجل تحقيق أهدافها وطموحاتها.

كما برز أيضاً التهديد الإسرائيلي والحديث عن تخزين حزب الله صواريخ في مناطق سكنية في ضاحية بيروت الجنوبية، وسبق ذلك انفجار غامض لأحد المنازل في بلدة عين قانا في إقليم التفاح. وقد عمد حزب الله فوراً إلى كشف الرواية الإسرائيلية واتهام رئيس حكومة كيان الاحتلال بالكذب عندما نظّم جولة لمراسلين إعلاميين للمنطقة التي حدّدها نتنياهو في حديثه.

كما يجري الحديث عن عقوبات أمريكية وربما أيضا أوروبية على شخصيات لبنانية من مختلف القوى السياسية، وعن تخويف من الحرب الأهلية، ومن كل هذه الأمور التي تزيد الموضوع تعقيداً والمشهد إرباكاً.

إنّها أسابيع ثقيلة ستمرّ على لبنان بانتظار ما ستتمخّض عنه الانتخابات الأمريكية ليتم بعد ذلك رسم مشهد جديد لكيفية التعامل مع الشؤون الإقليمية ومنها الشأن اللبناني.

إنّ أهم مسألة في هذه الأسابيع بالنسبة لكل القوى السياسية هو أن تدرك خطورة الموقف ودقته في هذه المرحلة، وأن يجري العمل الحثيث والجاد على قطع الطريق على أية فتنة بكل الوسائل والأدوات المطلوبة حتى لا يتحوّل اللبنانيون إلى أدوات تنزف في سبيل مشاريع الآخرين، وأن يجري تشكيل حكومة وفق منطق يقدم المصلحة الوطنية الجامعة على المحاصصة أو حب الاستئثار أو الهيمنة أو الانتقام والثأر أو أي شيء من هذه المعاني، فالمرحلة لا تحتمل مثل هذه الأمور، والبلد بحاجة للجميع، وإلاّ فأنّ الجميع قد يكون جزءاً من أتون الصراع الذي يخطط له من يريدون شرّاً بمنطقتنا ويطمعون بخيراتها وثرواتها.