لماذا هذا الصمت اللبناني الرسمي والشعبي على العدوان الاسرائيلي على إيران ؟
العدد 1669 /25-6-2025

تبدو الساحة اللبنانية هادئة جدا على غير عادتها في الأحداث الكبيرة التي كانت تعصف في المنطقة والعالم ، ولا سيما فيما يتعلق بالمواجهة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية واسرائيل والتي توقفت بعد اعلان الرئيس ترامب وقف إطلاق النار بين ايران واسرائيل بعد مرور12 يوم من المواجهات بين الطرفين. هذا الوضع لايعتبر مفهوما بالنسبة الى لبنان واللبنانيين خصوصا ان ايران لها امتدادات كبيرة على الساحة اللبنانية لا تشمل فقط حزب الله وحركة أمل بل تشمل أيضا فصائل واحزاب لبنانية وفلسطينية كثيرة على طول الساحة اللبنانية ، ومع ذلك فإن ردود الفعل على ضرب إيران من قبل اسرائيل وأميركا خجولة جدا وفي اضيق نطاق ، وحتى حزب الله الحليف الرئيسي لإيران يكتفي فقط ببيانات الإدانة والاستنكار للعدوان الأميركي_الاسرائيلي على ايران ، ولم يقم حتى بتظاهرة شعبية في الضاحية او بيروت استنكارا لهذا العدوان. وهنا يطرح السؤال التالي : لماذا هذا الصمت اللبناني الرسمي والشعبي على العدوان الاسرائيلي على ايران ؟ البداية اولا من الموقف الرسمي اللبناني الذي عبر عنه رئيسا الجمهورية والحكومة جوزاف عون ونواف سلام. بعد القصف الأميركي للمنشآت النووية الإيرانية في اصفهان وفوردو وناطنز وهو التطور الأبرز في الحرب القائمة بين ايران واسرائيل صدر عن الرئيسين عون وسلام بيان جاء فيه : أجرى رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، اتصالاً برئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، تم خلاله البحث في التطورات الخطيرة التي تمر بها المنطقة، وانعكاساتها المحتملة على لبنان. وقد جرى الاتفاق على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة بين الجانبين، والعمل المشترك لتجنيب لبنان تداعيات هذه الأوضاع، وتغليب المصلحة الوطنية العليا، والحفاظ على وحدة الصف والتضامن الوطني. وسبق ذلك البيان موقف لافت للرئيس عون بعد القصف الأميركي لايران قال فيه : أكّد رئيس الجمهورية جوزاف عون أنّ "لبنان قيادة وأحزاباً وشعباً، مدرك اليوم، أكثر من أي وقت مضى، انه دفع غالياً ثمن الحروب التي نشبت على أرضه وفي المنطقة، وهو غير راغب في دفع المزيد ولا مصلحة وطنية في ذلك، لاسيما وأن كلفة هذه الحروب كانت وستكون أكبر من قدرته على الاحتمال". وهذا الموقف للرئيس عون من الحرب بين ايران واسرائيل لايختلف كثيرا عن موقف معظم القيادات اللبنانية ، حتى ان حزب الله الحليف الرئيسي لإيران اكتفى ببيان دان فيه العدوان الاميركي الاسرائيلي على ايران وجاء فيه إن : «العدوان الأميركي الهمجي الغادر على المنشآت النووية السلمية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والذي يكشف الوجه الحقيقي للولايات المتحدة الأميركية كأكبر تهديد للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، ويشكّل انتهاكًا سافرًا للقانون الدولي والإنساني واتفاقيات جنيف وميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر استهداف المنشآت النووية واستخدام القوة ضدّ دولة ذات سيادة، ويُعدّ تصعيدًا جنونيًا وخطيرًا غير محسوب، يُنذر بتوسيع دائرة الحرب ويدفع المنطقة والعالم نحو المجهول إذا لم يوضع له حدّ، ولم تتخذ المواقف الرادعة له» ، وأضاف بيان حزب الله : " أنّ أميركا هي الراعي الرسمي للإرهاب ولا تعترف لا بمواثيق دولية ولا قوانين إنسانية ولا تعهدات ولا التزامات". وأكّد " تضامننا الكامل مع الجمهورية الإسلامية، قيادةً وشعبًا»، داعياً «الدول العربية والإسلامية والشعوب الحرة في العالم إلى الوقوف إلى جانب الجمهورية الإسلامية في مواجهة العدوان الأميركي والإسرائيلي" . أما باقي القوى والاحزاب اللبنانية فقد اكتفت اما بالصمت او بإصدار مواقف ادانة خجولة للضربة الأميركية على المنشأت النووية في ايران. فما هو السبب في هذه المواقف الخجولة من العدوان الاميركي الاسرائيلي على ايران ؟ هناك عدة أسباب منها : - التغير في موازين القوى في المنطقة بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان في شهر ايلول 2024 ، والذي ادى الى اضعاف قدرات حزب الله ، فضلا عن المتغير الأبرز في المنطقة وهو سقوط النظام السوري على يد المعارضة السورية ، وهو ما ادى الى قلب موازين القوى في المنطقة رأسا على عقب . - وصول قيادة سياسية جديدة الى رئاسة الجمهورية والحكومة في لبنان بعيدا عن سلطة ونفوذ حزب الله تحظى بدعم دولي وعربي ، تريد بناء لبنان جديد ومختلف عن السابق. - وجود جو شعبي عام في لبنان يقول لقد اكتفينا من الحروب على ارضنا ، خصوصا بعد العدوان الإسرائيلي الاخير على لبنان والذي ادى الى دمار كبير في الجنوب والبقاع ، وكذلك في الضاحية الجنوبية لبيروت. بالخلاصة لبنان واللبنانيين رغم رفضهم للعدوان الاسرائيلي _ الاميركي على ايران ، وإدانتهم لهذا العدوان الا انهم لا يريدون الدخول مجددا في مواجهة مع اسرائيل ، وهذا يفسر ردود الفعل اللبنانية الرسمية والحزبية وحتى الشعبية على المواجهة بين اسرائيل وايران. فهل تغير لبنان واللبنانيين أم أن المنطقة دخلت في الشرق الأوسط الجديد ؟ بسام غنوم

حول احتمالات توسّع الحرب الإيرانية الإسرائيلية!
العدد 1668 /18-6-2025

مفاجئة كانت الضربة الإسرائيلية لإيران فجر يوم الجمعة؛ الجميع كان يعتقد أنّ الضربة قادمة ولكن الجميع كانوا يعتقدون أنّها بعد الأحد الذي كانت مقرّرة فيه جلسة سادسة للمباحثات الإيرانية الأمريكية في مسقط بعُمان، غير أنّ الإسرائيليين خالفوا كلّ التوقعات، وبالاتفاق الكامل مع الأمريكيين وبشكل غادر شنّوا هجومهم على منشآت ومواقع وقيادات إيرانية قبل أكثر من 48 ساعة من موعد المباحثات المقرّرة. ما الذي دفع الإسرائيليين إلى ذلك؟ كثيرة هي الإجابات عن هذا السؤال، بدءاً من استعجال فتح الحرب، مروراً بتوريط الولايات المتحدة وجرّها إلى هذه الحرب والقلق من التوصل إلى اتفاق أمريكي إيراني، وصولاً إلى الحديث عن بداية اكتشاف إيران لخطط ومشاريع "إسرائيل" للداخل الإيراني، خاصة في ضوء الحديث الأخير عن تمكّن إيران من نقل معلومات ضخمة من داخل كيان الاحتلال إلى إيران فيما عُدّ قبل حوالي أسبوعين خرقاً إيرانياً استخبارياً كبيراً لكيان الاحتلال. وماذا عن هدف كيان الاحتلال من هذه الحرب، واستعجال فتحها؟ أيضاً كثيرة هي الإجابات عن هذا السؤال. بدءاً من الهدف المعلن في التخلّص من المشروع النووي الإيراني على اعتبار أنّه غير سلمي ويشكّل تهديداً لكلّ المنطقة، مروراً بالتخلّص من قدرة إيران النووية والصاروخية، وصولاً إلى إسقاط النظام في إيران، وختاماً تغيير وجه المنطقة أو كما يحلو لنتنياهو أن يسمّيها "الشرق الأوسط". وهل نجحت "إسرائيل" في ضربتها النوعية الافتتاحية؟ الحقيقة أنّها سدّدت لإيران ضربة نوعية قويّة فضلاً عن مفاجئتها بها. فهي تمكّنت من ضرب بعض المنشآت النووية في أكثر من موقع بغض النظر عن حجم الدمار الذي لحق بهذه المنتشآت، وهي اغتالت قادة عسكريين من الصفّ الأول، وهي كادت تُفقد الشعب الإيراني ثقته بقيادته من خلال الحديث عن خرق هذه القيادة أمنياً، وكادت الأمور تخرج عن السيطرة عبر انفلات الشارع المعارض الذي يتطلّع إلى التخلّص من هذه القيادة. غير أنّ إيران تمكّنت خلال ساعات قليلة من استيعاب الصدمة والمفاجأة وامتصاصها، والانتقال من موقع المتلقي إلى موقع الفاعل، أو من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، وبدأت الردّ الصاروخي الواسع الذي بدأت معه تستعيد زمام المبادرة وربما أيضاً تكتب النهاية التي ستكون عليها هذه الحرب. وهل هناك من احتمالات لتوسّع هذه الحرب؟ هذه الحرب بالنسبة لطرفيها هي حرب وجود. بالنسبة لـ "إسرائيل" التي فشلت في حربها على قطاع غزة حتى الآن، تعتبر أنّ خسارة حربها مع إيران تشكّل تحدّ لوجودها وبقائها، لأنّ ما يشاهدها ويعيشه المستوطنون لم يروا مثله من قبل، وهم بدأوا فقدان الثقة بكيانهم وجيشهم مع الساعات الأولى لـ "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر / تشرين الأول 2023 ويخسرون ما تبقّى من هذه الثقة الآن، وبالتالي فهذه الحرب بالنسبة لهم حرب وجود. بالنسبة لإيران فإنّ هذه الحرب تشكّل تحدّياً وجودياً للنظام، ولذلك فهو مستعد لاستعمال الأوراق التي يمتلكها كافة من أجل عدم خسارة هذه الحرب. وبهذا المعنى فإنّ كلّ طرف من طرفي المواجهة مستعد لفعل أيّ شيء من أجل عدم خسارة الحرب، ومن هنا تأتي احتمالات مدّ أمدها واحتمالات توسّعها أيضاً. كلّ طرف منهما له حلفاء فضلاً عن أنّ نتيجة هذه الحرب فعلاً سترسم وتقرّر مصير المنطقة، وهي منطقة بالمناسبة تتمتّع بموقع استراتيجي حاكم على مستوى العالم، وتتمتّع بثروات نفطية وغازية هائلة، وبالتالي فإنّها محل ومحط اهتمال كلّ دول العالم، ولذلك فإنّ هذه الدول ستكون مستعدة للتدخّل فيها بمقدار مصالحها أو التهديدات التي ستنشأ عن أيّ شكل جديد فيها. والملاحظ حتى الآن أن "إسرائيل" فشلت في تحقيق هدفها المعلن وغير المعلن، ودخلت مرحلة استنزاف صعبة لا تقوى على الصمود أمامها لفترة طويلة، ولذلك بدأنا نسمع عن تدخّل أمريكي قد يكون خلال الساعات أو الأيام المقبلة، وهو بدوره قد يجرّ تدخلاً غير مباشر من دول أخرى وهدفه استنزاف الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً. وما هي أبرز انعكاساتها؟ لعلّ أبرز انعكاس لهذه الحرب يتلخّص في فقدان التوازن النسبي للنظام الإقليمي القائم حالياً. بمعنى آخر، أي أنّ المنطقة قد تقع تحت نفوذ وهيمنة الطرف الذي يمكن أن يفوز في هذه الحرب، وهذا بدوره سينعكس على مستقبل المنطقة ودور حكوماتها وشعوبها. د. وائل نجم

حول اليونيفيل ودورها في جنوب لبنان
العدد 1667 /11-6-2025

حول اليونيفيل ودورها في جنوب لبنان يعود تاريخ انتشار قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) في جنوب لبنان إلى العام 1978 حيث جاءت إنفاذاً لقرار مجلس الأمن 425 ولتنفيذه والإشراف على انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب بعد اجتياح تلك القوات لمنطقة جنوب الليطاني فيما عُرف في حينه بـ "عملية الليطاني"، وتأمين السلام لسكان المنطقة، ومنذ ذلك الحين وتنتشر اليونيفيل في المنطقة الحدودية لكنها لم تؤمّن السلام الحقيقي لسكان المنطقة الحدودية، ولم تمنع الاعتداءات الإسرائيلية عليهم، ولم تقف دون اجتياح قوات الاحتلال لكلّ الجنوب وصولاً إلى بيروت في العام 1982. بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز من العام 2000 وبموجب قرار جديد لمجلس الأمن هو القرار رقم 1701 جرى تعزيز قوات اليونيفيل في الجنوب وزيادة عديدها من خمسة آلاف جندي إلى 15 ألف جندي من عدة دول أبرزها فرنسا، إيطاليا وأسبانيا؛ كما جرى تعديل مهامها بحيث صارت مكلّفة تنفيذ وتطبيق القرار 1701 ومنع السلاح والمظاهر المسلحة في المنطقة التي تنتشر فيها جنوب الليطاني، ومنع الاعتداءات والخروقات الإسرائيلية على لبنان كونها مكلّفة بالتحقق من وقف الأعمال العدائية، غير أنّها لم تمنع تلك الاعتداءات بل كانت تكتفي بإحصائها ورفع تقارير فيها، ولم تحل أيضاً دون عودة المقاومة لتجديد بنيتها العسكرية في المنطقة الحدودية، غير أنّها ظلّت تقوم بدورها الروتيني بتسيير دوريات في تلك المنطقة، والقيام أحياناً بإجراءات التفتيش والبحث عن مخابئ سلاح أو قواعد عسكرية بالتنسيق الكامل مع الجيش اللبناني؛ وقد حاولت حكومة الاحتلال الإسرائيلي إدخال تعديلات على مهامها أكثر من مرّة وتمكّنت من ذلك في آب من العام 2022 حيث انتزعت من مجلس الأمن تعديلاً أُعطيت بموجبه اليونيفيل حقّ تسيير الدوريات وإجراء عمليات البحث والتفتيش مع أو من دون الجيش اللبناني، وهو الشيء الذي أدّى إلى العديد من المواجهات مع شبّان من الأهالي في أكثر من بلدة جنوبية. وبعد الحرب الأخيرة التي عُرفت بحرب الإسناد، وبعد الاتفاق الذي جرى بين لبنان وحكومة الاحتلال على وقف الحرب، استند الاتفاق إلى القرار 1701 وبالتالي عن اليونيفيل ودورها ومهامها في صلبه. راحت اليونيفيل منذ بضعة أشهر تقوم بعملية تعقّب لأيّ تحرك ذي طابع عسكري في جنوب لبنان، ومارست في بعض الأحيان دورها في عملية البحث والتفتيش عن أسلحة وقواعد عسكرية تحت أرضية أو فوق أرضية، بتنسيق مع الجيش اللبناني أو من دون تنسيق مع الجيش، وهو ما أدّى إلى حصول مواجهات يومية مع شبّان ينتمون إلى حزب الله أو يدورون في فلكه تحت مسمّى الأهالي؛ غير أنّ هذه القوات لم تمنع ولم تحل دون قيام قوات الاحتلال بالاعتداءات اليومية على الجنوب وكان آخرها قبل كتابة هذا المقال استهداف جندي في الجيش اللبناني مع والده وشقيقه في بلدة شبعا الجنوبية ما أدّى إلى استشهاد الجندي ووالده وجرح شقيقه؛ كما وأنّها لم توقف الخروقات الإسرائيلية اليومية للأجواء اللبنانية، ولم تمكّن سكان القرى الحدودية من العودة إلى منازلهم المهدّمة أو بنائها، فضلاً عن أن تؤمّن لهم الاستقرار فيها. غير أنّها ظلّت تشكّل في المقابل عنصراً مزعجاً لقوات الاحتلال الإسرائيلي لا يتيح له حريّة الحركة الكاملة في الجنوب فضلاً عن إحصائه اليومي لانتهاكات الاحتلال تزويد مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بها. اليوم ومع اقتراب التجديد لليونيفيل في آب المقبل يجري الحديث عن عدم التجديد لهذه القوات، وقد كشفت وسائل الإعلام الإسرائلية عن رغبة لدى الحكومة الإسرائيلية الحالية عن ذلك، وأشارت أيضاً إلى اتفاق مع الإدارة الأمريكية عليه، وقد نقت الإدارة الأمريكية ذلك. في مقابل تمسّك لبناني رسمي بالتجديد لليونيفيل عبّر عن رئيس المجلس النيابي نبيه برّي أكثر من مرّة، ومحاولة لبنانية شعبية وغير رسمية بجعل سقف تحرك اليونيفيل محكوماً بالتنسيق الكامل مع الجيش اللبناني وعدم الذهاب إلى حريّة الحركة الكاملة لأنّ من شأن ذلك جعل المنطقة الحدودية تحت سيطرة إسرائيلية غير مباشرة. لكن بعيداً عن الأمنيات والرغبات يبدو إلى الآن أنّ دور ووظيفة اليونيفيل لم ينته بعد، وأنّ الحديث الإسرائيلي عن رفض التجديد لها يقع في إطار الضغط لتعديل دورها وحضورها بحيث تتحوّل إلى أداة كاملة وطيّعة بيده، وليس الهدف منه انسحابها لأنّ حصول ذلك يعني مسألة واحدة فقط هي التصعيد العسكري المفتوح الذي قد لا يكون له سقف. د. وائل نجم

السلام الذي لا تريده دولة الاحتلال!
العدد 1666 /4-6-2025

العداون على غزة وعلى بقية المنطقة، والحرب فيها لم تنته بعد، ولكنّ البعض اعتبر أنّها بحكم المنتهية ولصالح دولة الاحتلال بسبب الجرائم والانتهاكات والمجازر اليومية التي ترتكبها قيادة وحكومة الاحتلال يومياً في غزة أو في الضفّة الغربية أو حتى في لبنان وسوريا واليمن، ويدعو هذا البعض إلى وقف هذه المجازر عبر الدعوة إلى إحلال السلام، وهي في جوهر الحقيقة دعوة إلى الاستسلام والتسليم بالأمر الواقع وليس السلام الحقيقي الذي يفضي إلى الحلّ الحقيقي الذي يعطي لكلّ ذي حقّ حقّه، ويرسي الاستقرار الحقيقي لا الهُدَن الهشّة التي سرعان ما تسقط عند أول اختبار. مطلع الألفية الحالية وفي القمّة العربية التي انعقدت في بيروت في العام 2002م تقدّم العرب بمبادرة لإحلال السلام (التسوية) مع دولة الاحتلال، قامت على أساس الأرض مقابل السلام، غير أنّ دولة الاحتلال رفضت وما زالت ترفض هذه المبادرة وكلّ المبادرات الأخرى المماثلة، وما زالت تمضي في سياساتها وخططها لتفريغ الأراضي الفلسطينية المحتلة من أهلها، والاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم، وتوطين المهاجرين الصهاينة مكانهم فيها؛ وقد كشفت الحرب الأخيرة بوضوح عن هذه الخطط والبرامج، سواء في تصريحات المسؤوليين في دولة الاحتلال، أو في ممارسات جيشها. آخر فصول رفض مبادرات السلام والتسوية من قبل دولة الاحتلال تمثّل في منعها الوفد الوزاري العربي (أربعة وزراء عرب) من الوصول إلى رام الله حيث مقرّ السلطة الوطنية الفلسطينية للقاء رئيسها محمود عبّاس، وقد اضطُر الوزراء لعقد لقاء مع عبّاس عبر دائرة تلفزيونية مغلقة. لقد قالت دولة وحكومة الاحتلال بصريح العبارة للوزراء وللعرب ولكل العالم إنّها لا تريد السلام لأنّها تقوم وتحيى على الحرب والعدوان. ثمّ إنّ التجربة خلال أربعة عقود أو أكثر من السلام والتسوية مع الاحتلال، والذي بدأته مصر في أواخر سبعينات القرن الماضي، والتحقت به كلّ من السلطة الفلسطينية والأردن في تسعينات القرن الماضي، هل أفضى إلى استقرار حقيقي وإلى هدوء وعلاقات جيّدة وطيّبة؟! هل تركت دولة الاحتلال للأردن مثلاً إدارة الأوقاف والمقدسات الشريفة في القدس وهو المسؤول عنها؟ هل سمحت للسلطة الفلسطينية بالقيام بدورها لتتحوّل إلى دولة فلسطينية كما نصّت الاتفاقات على ذلك؟ هل أوقفت الاستيطان في الأراضي الخاضعة كلّياً لسيادة السلطة الفلسطينية؟ كل ذلك لم يحصل، بل على العكس من ذلك، فقد أطلقت العنان للاستيطان، ومضت في خططها لناحية هدم المسجد الأقصى ومزاعم إقامة الهيكل مكانه غير آبهة لا بالسلطة الفلسطينية ولا بالدولة الأردنية، بل رفعت شعار "يهودية الدولة" بهدف ترحيل فلسطيني الأراضي المحتلة عام 1948 أو ما يُعرف بـ "عرب الداخل" من أراضيهم؛ فعن أي سلام يتمّ الحديث وهذه البرامج والخطط تمضي بهذا الشكل الواضح؟! في لبنان وبعد الحرب الأخيرة ونتائجها برز من جديد الحديث عن السلام مع دولة الاحتلال كجزء من صناعة السلام في المنطقة، هو مشروع تقول الإدارة الأمريكية الحالية إنّها تعمل عليه وتريد إقراره وفرضه على شعوب المنطقة وحكوماتها، غير أنّه يبدو أنّ مشروع السلام هذا سيكون على حساب العرب ودولهم ليكرّس قيادة وزعامة دولة الاحتلال للمنطقة بالقوة والعنف وكجزء من نتائج الحرب الأخيرة، مع أنّ هذه الحرب لم تنته بعد كما ورد في مطلع المقال. السلام الحقيقي هو مطلب كلّ مواطن عربي، ولكنّ الاستسلام والانقياد للشروط والخطط التي تعمل عليها دولة الاحتلال وداعميها لا يمتّ إلى السلام الحقيقي بصلة، ولذلك فإنّ استعجال السلام حتى لو كان استسلاماً سيجعل شعوب المنطقة، خاصة الأجيال القادمة، تدفع أثماناً باهظة وأكبر بكثير مما ندفعه اليوم في ظلّ حالة اللاستقرار القائمة بين العرب ودولة الاحتلال، ولذلك لا تستعجلوا السلام لأنّ دولة الاحتلال لا تريده، ولا تتخلّوا عن أدوات إقامته وتحقيقه لأنّ ما ينتظركم حينها أكبر بكثير. د. وائل نجم

السلاح والسلام
العدد 1665 /28-5-2025 د. وائل نجم

تركّز الحديث في الأيام والأسابيع الأخيرة على مسألتي السلاح والسلام. مسألة السلاح بحيث يتم سحبه أو نزعه أو تنظيمه أو إلغاؤه أو ألخ من الصيغ؛ والسلام على اعتبار أنّه لا خيار أمام الشعوب والأنظمة والحكومات والأمم في المرحلة الحالية سوى الجنوح نحو السلام كما لو أنّه الخيار الوحيد المتبقّي. في مسألة السلاح هناك اختلاف على تفسير ما ورد في اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي لناحية السلاح جنوب الليطاني وشمال الليطاني، حتى أنّ هناك تباين داخل لبنان ذاته بين من يعتبر أنّ السلاح شمال الليطاني مشمول بالاتفاق ولا بدّ من سحبه ونزعه والإبقاء فقط على السلاح الشرعي القانوني المتمثل بسلاح الجيش وقوى الأمن الداخلي وبقية الأجهزة الرسمية المرتبطة بالدولة، وما سوى ذلك لا يُعدّ سلاحاً شرعياً بل على العكس هو سلاح "ميليشاوي" كما يسمّيه البعض؛ في مقابل من يعتبر أنّ سلاح المقاومة هو أيضاً سلاح شرعي لأنّه خلال فترة طويلة من غياب الدولة كان هو الذي يحمي البلد من اعتداءات العدو، وبالتالي فهو بحاجة إلى صيغة تنظّم بقاءه ودوره تماماً كما بقية الأجهزة العسكرية والأمنية التي تقوم بدورها ضمن الضوابط والمساحات المكلّفة بها. البعض في الداخل يريد نزع أو سحب السلاح تحت عنوان فرض سيادة الدولة على كلّ أراضيها وعلى قرارها الوطني، ويرى أنّ السلاح خارج إطار الدولة بات يشكّل تهديداً للوطن والمواطنين أمام اعتداءات الاحتلال وهمجيته؛ والبعض الآخر يعتبر أنّ السلاح كان في فترة من الفترات ضمانة وهو الذي فرض معادلات معيّنة لصالح الوطن، وبالتالي فإنّ التخلّي عنه وتسليمه سيضعف الوطن في مواجهة الأطماع الإسرائيلية وسيجعله من دون مخالب في التصدّي لها وإفشالها، وبالتالي فإنّ هذا البعض يرفض التنازل عن السلاح وتسليمه، ويرى فيه ضمانة للوطن وأيضاً لأصحاب هذا الخيار في الدفاع عن الوطن، وإلاّ سيكونون لقمة سائغة على طاولة الأعداء. وفي مسألة السلاح يدخل أيضاً ملف السلاح الفلسطيني في مخيمات اللاجئين الفلسطينيي، وقد وُضع على ما يبدو على نار حامية بعد زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى لبنان. والحقيقة أنّ السلاح الفلسطيني في المخيمات لا يختلف أساساً عن الأسلحة الفردية المتواجدة في أيّ بيت لبناني، فهو ليس ثقيلاً بالمعنى المستخدم في اللغة العسكرية، وهو ليس "فالتاً" كما يتمّ تصويره بل تماماً كالسلاح في البيوت اللبنانية، وأنّ حالة المخيمات تشبه إلى حد كبير وبعيد حالة أيّ بلدة أو مدينة لبنانية لناحية تطبيق القوانين والأنظمة عليها. أمّا في موضوع السلام، فإنّ الاحتلال لا يريده ويعمل على إفشال أيّة صيغة أو طرح أو محاولة لإنهاء الصراع وإرساء السلام في المنطقة. لقد طرح القادة العرب في قمة بيروت في العام 2002 مبادرة الأرض مقابل السلام، ورفضها الاحتلال وطواها بفعل الأمر الواقع الذي فرضه في فلسطين والجولان المحتلين. ومن قبل ذلك دخلت السلطة الفلسطينية والأردن وقبلهما مصر في اتفاقات تسوية وسلام، غير أنّها لم تفضِ إلى شيء يذكر. ما زالت مصر والأردن في مرمى الخطر الإسرائيلي، وما زالت السلطة والشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس يدفعان الأثمان ولم تحصل السلطة من خلف السلام إلاّ على السراب، بل كشف الاحتلال عن نواياه وعن خططه لطرد الفلسطينيين حتى من أرض 48 التاريخية، حتى أنّ الحكومة الإسرائيلية الحالية تريد طرد الفلسطينيين إلى المملكة العربية السعودية لأنّ مساحتها كافية لاستيعابهم وثروتها كافية للصرف عليهم كما لو أنّ القضية مسألة مساحة ومال! السلام مطلب العرب قبل أن يكون مطلب أي طرف آخر، ولكن السلام الحقيقي الذي يعطي أصحاب الحقوق حقوقهم، وليس السلام الذي يتحوّل إلى استسلام يفرض على الشعوب والأنظمة التنازل عن كلّ شيء، وتحكّم الاحتلال بكلّ شيء بعد ذلك. بناء عليه فإنّ مقاربة مسألتي السلاح والسلام مرتبطة ببعضها البعض، والتمسّك بالسلاح هو في الحقيقة من أجل صناعة السلام الحقيقي، فلا يستعجلّن أحد تسليم السلاح حتى يضمن تأمين السلام.

قراءة سياسية لنتائج انتخابات بيروت البلدية
العدد 1664 /21-5-2025

نجحت الحكومة في إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في خمس محافظات على مدى ثلاثة أيام آحاد من شهر أيّار، وسجّلت إنجازها الأول الذي يحتاج لاحقاً إلى تأمين الموازنات اللازمة للبلديات الفائزة من أجل القيام بمهمّة ووظيفة الخدمات والإنماء. ولعلّ انتخابات العاصمة بيروت كانت التحدّي الأبرز في كلّ العملية الانتخابية نظراً لطرح البعض من القوى السياسية وحتى المرجعية مسألة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في بلدية العاصمة على الرغم من الفارق الهائل على مستوى أعداد الناخبين الموزّعين على المكوّنات، وقد ذهب البعض تحت حجّة حماية المناصفة إلى طرح تقسيم بلدية العاصمة تكريساً لمنطق الانقسام والتقسيم، فيما حاول البعض التقدّم باقتراح قانون لحماية المناصفة من خلال فرض لائحة مغقلة على الناخبين البيارتة، وقد سقط هذا الاقتراح أيضاً، وأمام ضغط الوقت من ناحية ورفض تقسيم العاصمة من ناحية ثانية، وضمان عدم مقاطعة مكوّنات بيروتية للانتخابات كما حصل في بعض البلدات، تبرّع أحدٌ ما، أو ربما تبرّعت جهة ما برعاية تحالف جمع الأضداد والاتجاهات المتناقضة في لائحة واحدة أُطلق عليها تسمية لائحة "بيروت بتجمعنا" وشارك في هذه اللائحة كلّ من الأحزاب والقوى التالية: القوات اللبناية، الكتائب، التيار الوطني الحرّ، التقدمي الاشتركي، الحوار الوطني (النائب مخزومي)، الأحباش، الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله)، الطاشناق، الهاشناق وقيل أنصار النائب وضّاح الصادق. بالطبع هذه المتناقضات التي اجتمعت في هذه اللائحة لكلّ منها روايته التي تبرّر لجمهوره هذه المشاركة. فالبعض كما الأحزاب الموسومة بالمسيحية برّرت المشاركة بتأمين المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في البلدية؛ والبعض الآخر أراد تخفيف الضغط عنه واسترداد الشرعية التي بدأ يفقدها بسبب الحرب والعدوان الإسرائيلي كما في حالة حزب الله، والبعض يبحث عن شرعية تخرجه من العزلة التي يعيشها منذ حوالي عقدين عندما خرج النظام السوري المخلوع من لبنان كما في حالة الأحباش؛ والبعض يريد تكريس الزعامة البيروتية كما في حالة مخزومي؛ والبعض أراد تكريس الزعامة الوطنية الضامنة للجميع كما في حالة الرئيس نبيه برّي وحركة أمل. وتمّ في الإعلام إطلاق تسمية "لائحة السلطة" على لائحة "بيروت بتجمعنا". في مقابل هذه اللائحة تمكّنت قوى وشخصيات أخرى من تشكيل لوائح منافسة كان أبرزها لائحة "بيروت بتحبّك" المدعومة من النائبين عماد الحوت ونبيل بدر ومن الجماعة الإسلامية في العاصمة ومن بعض القوى والجمعيات والشخصيات الإسلامية البيروتية، وترأّس هذه اللائحة العميد المتقاعد محمود الجمل. كما شكّل نوّاب التغيير إبراهيم منيمنة وبولا يعقوبيان لائحة ثالثة باسم لائحة "بيروت مدينتي". شهدت العاصمة معركة حامية الوطيس انتخابياً، غير أنّ حسابات النتائج التي أفرزتها الصناديق، وعلى الرغم من فوز لائحة السلطة مع تسجيل خرق واحد لها عبر العميد محمود الجمل من لائحة "بيروت بتحبّك" أظهرت أنّ فوز لائحة السلطة كان بنكهة الهزيمة، وأنّ خسارة لائحة "بيروت بتحبّك" كان بنكهة الانتصار مع أنّها لم تسجّل سوى خرق واحد للائحة السلطة. فالفائز الأول على لائحة السلطة حاز على قرابة 46 ألف صوت، بينما حاز آخر الفائزين على قرابة 34 ألف صوت في حين سجّل العميد الجمل حصوله على قرابة 37 ألف صوت بينما حاز أول الخاسرين من لائحة "بيروت بتحبّك" على قرابة 32 ألف صوت وبقية أعضاء اللائحة على رقم قريب من ذلك. في حين لم يتعدّ أصوات المرشحين على لائحة "بيروت مدينتي" على أكثر من 5 آلاف صوت. الأرقام تظهر منافسة شديدة وقويّة بين لائحة السلطة ولائحة "بيروت بتحبّك" على الرغم من اجتماع كلّ أو أغلب الأحزاب والقوى الأخرى المنضوية في الحكومة في لائحة "بيروت بتحمعنا" التي لم تتمكّن من تسجيل فوز كاسح أو أن يكون الفارق بينها وبين اللوائح المنافسة كيبراً جداً. وفي قراءة أكثر دقّة للأرقام يظهر للمتابع أنّ الثنائي الشيعي رفد لائحة السلكة بقرابة 20 ألف صوت كما أعلنت ماكينة الثنائي. بينما أعطى الأحباش اللائحة قرابة 10 آلاف صوت. في حين أعطت بقية القوى والأحزاب المنضوية في التحالف الهجين اللائحة قرابة 15 الف صوت هي بمجموعها حوالي 45 ألف صوت وهو ما تحصّل عليه الفائز الأول في لائحة السلطة. في مقابل ذلك حصلت لائحة "بيروت بتحبّك" على معدل وسطي من الأصوات قدره قرابة 32 ألف صوت هي بمعظمها من أصوات السُنّة في بيروت وهم المكوّن الأكبر في العاصمة، ويتضح من خلال هذه الأرقام التالي: فوز لائحة السلطة "بيروت بتجمعنا" كان جرّاء تحالف هجين وظرفي فرضته الظروف والاعتبارات الخاصة بكل مشارك فيه، وكلّ داعم داخلي أو خارجي له، ولا يعبّر حقيقة عن مزاج الناخب البيروتي، وبالتالي فهو سيعود إلى طبيعته لحظة إقفال صناديق الاقتراع. الأرقام أظهرت أنّ المزاج العام البيروتي مع لائحة "بيروت بتحبّك" حيث اقترع لها ما نسبته 45% ولم يقم هذا الناخب اعتباراً للإيحاءات الخارجية ولا للتمويل الذي أُغدق على لائحة السلطة من جهات خارجية. الأرقام أظهرت أنّ الناخب البيروتي محافظ بطبعه ولكنه منفتح على المكوّنات الأخرى ويؤمن بالعيش الواحد والمناصفة الحقيقية وأرقام المشاركين في لائحة "بيروت بتحبّك" تؤكّد على ذلك. بدأت الأرقام والنتائج تكرّس في العاصمة قوى وشخصيات وزعامات جديدة من خارج منظومة السلطة، بل ومن خارج المنظومة التي كانت قائمة، وأداء هذه القوى والشخصيات والزعامات الجديدة سيكون كفيلاً بتوسيع قاعدتها الشعبية أكثر فأكثر في الاستحقاقات المقبلة. ربما اسدل الناخب البيروتي الستارة على تجربة التغييريين بعدما أعطاهم فرصة وتبيّن له أنّهم بعيدون عن مزاجه وتقاليده وتاريخه. بعض القوى والشخصيات البيروتية التي كانت مشاركة في لائحة السلطة ستعيش حالة أكبر من العزلة البيروتية في المرحلة المقبلة جراء قبولها أداء دور "التيس المستعار" في لائحة السلطة. د. وائل نجم

الرهانات الجوفاء ومحاولات نشر الفتنة
العدد 1662 /7-5-2025

دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تسعى إلى تغيير معالم المنطقة العربية أو ما يُسمّى بـ "الشرق الأوسط" من أجل ضمان الهيمنة عليها والاستئثار بخيراتها وثرواتها تسعى لإشعال الفتنة بين مكوّناتها، ونشر الفوضى فيها بهدف إضعافها وتفتيتها وتقسيم ما بقي منها، وضرب ما تبقّى من قدرات لدى حكوماتها وشعوبها، وكان آخر فصول هذه المحاولات الاعتداءات على سورية، والتدخّل في شؤونها، وإعلان حماية أحد مكوّناتها ( الموحدون الدروز) على الرغم من صدور بيان عن مشيخة عقل الموحدين بإدانة العدوان الإسرائيلي على سورية، ورفض التدخّل في شؤونها، ورفض الحماية الخارجية من أيّ طرف أو دولة أو فريق، فالدروز ليسوا بحاجة إلى حماية لأنّهم عنصر مكوّن وأساسي من الشعب السوري، وليس لديهم عداء مع أحد، ليسوا ندّاً أو ضدّاً للدولة السورية، وبالتالي فإنّهم يرفضون الادعاءات الإسرائيلية، ويؤكّدون على ولائهم لسورية وارتباطهم بها، وهو موقف يقطع الطريق على المحاولات الإسرائيلية التي يدرك الجميع أنّها تسعى وتعمل لاستخدام الآخرين "أكياس رمل" ومتاريس للدفاع عنها، ومن ثم ترميهم عند أول مفترق. لن تكلّ ولن تملّ دولة الاحتلال في سعيها لإشعال الفتنة ونشر الفوضى، وما يحصل في سورية يأتي في هذا السياق، والعدوان على لبنان وعدم الالتزام بموحبات وبنود وقف إطلاق النار يأتي أيضاً في هذا السياق، واستمرار العدوان على غزة والضفة الغربية يأتي أيضاً في هذا السياق، سياق إشعال الفتن ونشر الفوضى والاقتتال الداخلي لإضعاف كلّ الأطراف، وتمدّد ذلك إلى بقية دول المنطقة، بما فيها تلك التي تقيم علاقات تطبيع مع دولة الاحتلال، والهدف من وراء كل ذلك هو التفتيت والتقسيم واستخدام الجميع في أتون حرب لا تنتهي، تكون فيها دولة الاحتلال بمنأى عن أيّ خطر، وتضمن فيها استغلال واستخدام الجميع حتى تظلّ هي السيّد المطاع والمحرّك لكل شيء، والمتحكّم بمصير المنطقة وثروات شعوبها. هذه حقيقة ينبغي أن يعرفها الجميع؛ ولكن هناك حقيقة أخرى يبدو أنّ البعض لا يعرفها، أو أنّه يريد أن يغامر ويقامر بمصير شعوب المنطقة وبعض مكوّناتها من خلال المراهنة على دولة الاحتلال، ومن خلال الإصغاء إلى وعودها والسير في خططها وبرامجها الفتنوية، غير آبه بما يمكن أن يلحق شعوب المنطقة ومكوّناتها من أضرار أو ويلات لحساب دولة الاحتلال. هناك حقيقة أنّ البعض في لبنان وسورية كشف عن وجهه الحقيقي واستعان صراحة وبكل وضوح بدولة الاحتلال، ودعاها للتدخّل في شؤون المنطقة وشعوبها، بل إلى قصف وتدمير البنى التحتية لهذه الدول والشعوب، بحجج واهية لم يقم دليل صحيح ومنطقي عليها. هناك حقيقة أنّ البعض أعلن ارتباطه بدولة الاحتلال عندما راح يهدّد باسمها ويستمد العون والقوة منها، مراهناّ عليها لتنفيذ مشاريع وخطط مشبوهة لا تخدم سوى أعداء المنطقة المتربّصين بها شرّاً. هناك حقيقة أنّ هؤلاء راهنوا على الاحتلال عندما ظنّوا أنّه بات الأقوى والأقدر على ترتيب المنطقة وإعادة هيكلتها من جديد؛ لقد اصطفّ هؤلاء إلى جانب "نتنياهو" في تقرير مصير المنطقة، ولكن غاب عن ذهنهم أنّ الذي يراهنون عليه يبحث عن حلّ لأزمته، وعن أمن لكيانه، وعن طمأنينة لمستوطنيه، وعن ثقة بهذه الدولة الجوفاء التي بان وجهها، وانكشفت قوّتها المزيّفة إذ أنّها ليست سوى "نمر من ورق" لا قوّة ولا قيمة له من دون الدعم الخارجي، وهذا الدعم لن يستمرّ إلى أبد الآبدين، ولن يبقى هذا الجبروت إلى ما لا نهاية، عندها من يأتي بالأمن لدولة الاحتلال؟! ومن يضمن السلامة للمراهنين عليها؟! العابثين بمصير ومستقبل شعوب المنطقة؟! من يحمي حينها مشعلي الفتنة وناشري الفوضى ومروّجي منطق الخيانة؟! كلّ أولئك سيندمون قريباً، وهم لا يؤدّون هذا الدور، دور الخيانة والفتنة والفوضى إلّا لأنّهم متورطون فيه - كما يبدو - منذ زمن بعيد. أيّها العقلاء يا أصحاب الحكمة خذوا على أيدي أولئك المتلاعبين بمصير أهلهم وشعوبهم، وكفّوا أذاهم عن أهلهم قبل غيرهم، واحجروا عليهم حتى لا يكونوا لقمة سائغة بيد الاحتلال، فالرهانات التي يقدمون عليها جوفاء لا قيمة لها، والعاجز في فلسطين لن يكون بطلاً في سورية، وفاقد الأمن لنفسه لن يمنحه لغيره، هذه حقائق الجغرافيا والواقع قبل أن تكون روايات التاريخ.

إلى متى استباحة لبنان والمنطقة؟!
العدد 1661 /30-4-2025 د. وائل نجم

ما يجري في هذه المرحلة من أحداث وما يُطلق من مواقف هو استباحة واضحة للمنطقة العربية دون أيّ اعتبار لاتفاقات مبرمة، ولا لسيادة دول، ولا لقانون دولي، ولا لحقوق إنسان؛ ما يجري هو تكريس لمنطق القوّة والبلطجة، وفرض الهيمنة على الدول والحكومات، والتحكّم بمصير الشعوب وخيراتها وثرواتها وليس أكثر من ذلك ولا أقلّ. خلال الأيّام الماضية أغار الطيران الحربي الإسرائيلي على منشأة مدنية خالية ومفتوحة (هنكار) في الضاحية الجنوبية لبيروت فدمّرها ودمّر ما حولها وأحال الحياة في جوارها إلى جحيم تحت حجّة وذريعة أنّها منشأة عسكرية لحزب الله تهدّد الأمن الإسرائيلي، والجميع يعلم أنّ هذا الزعم ليس سوى الحجّة لتوجيه رسالة سياسية للبنان لإرغامه على الخضوع للشروط الإسرائيلية التي تريد أن تكتسب "الحقّ" بالتصرّف الحرّ في لبنان. والحقيقية أنّ هذه الغارة العدوانية الجبانة ليست سوى استباحة لسيادة لبنان وحقّه وأمنه واستقراره وحياة أهله، في ظلّ صمت وسكوت حتى من الذين رعوا اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي. خلال الأسابيع الأخيرة أيضاً أغار الطيران الإسرائيلي على العديد من القرى والبلدات الجنوبية وصولاً إلى مشارف بيروت حيث اغتال الأستاذ الجامعي الدكتور حسين عطوي، ومن قبله اغتال أحد الشخصيات الفلسطينية في وسط مدينة صيدا ليلاً، في استباحات لا تُعدّ ولا تُحصى دون أيّ اعتبار لشيء! ولم تقف حدود الاستباحة عند لبنان بل امتدت أيضاً إلى سورية حيث شنّ الطيران الإسرائيلي العديد من الغارات على مناطق متفرقة في سورية فضلاً عن الخروقات والاستباحات الحدودية في منطقتي القنيطرة وجبل الشيخ وحتى في أطراف محافظة درعا، وجرت هذه الاستباحات منذ اللحظة الأولى لإسقاط النظام السابق واستلام السلطة من قبل الحكومة السورية الجديدة، المنهمكة أصلاً في ترتيب الوضع السوري وفرض الاستقرار واستعادة النظام العام وهيبة الدولة. لقد حصلت هذه الاستباحات من دون إقامة أيّ اعتبار للقوانين الدولية ولا الشرائع ولا المواثيق ولا المعاهدات ولا غيره من الأمور. ناهيك عن استباحات غزة وقطاعها المدمّر حيث لم تعد الطائرات الحربية الإسرائيلية تجد ما تدمّره، فراحت تقصف بالصواريخ الكبيرة حتى الخيام التي تأوي النازحين. خلال الأيام الأخيرة خرج الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بموقف يتماهى مع استباحات كيان الاحتلال للمنطقة، فصرّح ترامب وطالب بعدم دفع رسوم عبور للسفن الأمريكية، التجارية والحربية، خلال مرورها في قناة السويس في مصر، زاعماً أنّ الأمريكيين ساهموا في شق وبناء هذه القناة؛ وكان ترامب من قبل أعلن عن بيع غزة، وضم كندا وغرينلاند، وقناة بنما، وربما يعلن غداً ويطالب بضمّ شرق الجزيرة العربية وجنوب العراق وغرب إيران، هذه المناطق الغنيّة بالنفط والغاز؛ أو ربما يعلن عن المطالبة بأرز لبنان ومرجان البحر الأحمر وغيرها وغيرها من الأمور. إنّها استباحة كاملة وواضحة لكل شيء كما لو أنّ هذا العالم ليس له قانون وليست فيه مبادئ ولا مواثيق تنظّم شؤونه وتحفظ حقوق الشعوب والدول. إنّها شريعة الغاب التي يأكل فيها القوّي الضعيف، ولكن إلى متى هذه الاستباحة والتسلّط على حقوق الناس وأمنها واستقرارها؟! إنّ هذا النهج لا يقود إلّا إلى مزيد من الغضب والاحتقان الذي يمكن أن ينفجر بوجه أصحابه في أيّ وقت. إنّ هذا النهج لن يسهم في صناعة السلام المزعوم الذي يدّعيه صنّاع القرار في عواصم العالم، بل سيفضي إلى ثورة واصطفافات دولية ستقود العالم إلى حروب جديدة هو بالغنى عنها. آن لشعوب المنطقة وحكوماتها أن تدرك أنّ هذا القادم من خارجها يستهدفها جميعاً. هذه الاستباحة لا تفرّق بين شعب وشعب ولا بين حكومة وحكومة ولا بين حكومة وشعب؛ إنّها استباحة تريد أن تلتهم الجميع دون استثناء، ولذلك فإنّ المنطق يقول إنّها يجب أن تضع خلافاتها جانباً لمواجهة هذه الهجمة الشرسة وهذا التغوّل الذي لا حدود لها، وإلاّ فإنّ الجميع سيكونون ضحيته وعندها لا ينفع الوقوف على الأطلال لأنّه لن تبقى أطلال.

أبا البراء .. تليق بك الشهادة
العدد 1660 /23-4-2025

لا أدري أأجزع لرحيلك أم أستبشر لنيلك الشهادة؟! الحقيقة يا أبا البراء مُرّة، والفراق صعب، ولكن لا أقول إلّا ما يُرضي ربّنا، وقد اتخذك الله واصطفاك شهيداً إنْ شاء الله في علّيين مع الأنبياء والشهداء والصدّيقين. في طفولتنا مع أبناء العمومة والخؤولة (عبدالله وقاسم وحسين) وفي حارات قريتنا وحقولها وبساتينها وجبالها كنت مميّزاً بيننا في عنفوانك وفي تمرّدك حتى في ألعابنا الطفولية حيث كنت دائماً تجسّد شخصية البطل الذي يأبى الخضوع ويرفض الاستسلام ويقف شامخاً بوجه الظلم والاستبداد ويمدّ يده لمساعدة كلّ مظلوم أو مقهور. قتل الاحتلال الغادر والدتك (عمّتي رشيدة) الصابرة، المجاهدة، المرابطة، المحتسبة، بقذيفة جبانة عمياء استهدفت قريتنا الهبّارية، وأنت ما زلت دون العاشرة من العمر، فأشعل فيك ذلك حماسة أكبر للوقوف بوجه العتاة والظالمين والمحتلين، وولّد داخلك شعوراً لا يعرفه كثير من الناس، شعوراً يعرف بجدّ معاناة أطفال فلسطين وهم الذين يفقدون أمهاتهم وآباءهم كلّ يوم دون أن يرفّ للعالم الظالم جفن. وعندما اشتدّ عودك اخترت مسارك في الحياة عاقداً العزم والنيّة على العمل لرفع الظلم حيث أمكن ذلك، ومواجهة الاحتلال حيث سمحت الفرصة والقدرة، ومساندة كلّ مقهور حيث توفّرت الإمكانية، وخلال كلّ هذه المراحل ظللت متمرّداً ثائراً مميّزاً كما في طفولتك لا تخضع لقواعد أرادوا تكبيل شعوبنا وأمّتنا بها. خضت ميادين الجهاد في بداية شبابك وأنت دون العشرين من العمر، وتمرّست في فنون القتال حتى أضحيت قائداً فذّاً لا يأبه ولا يخاف، وبقيت قبضتك على الزناد حتى لحظة الشهادة. آمنت أنّ العلم سلاح ميدانه لا يقلّ عن ميادين الجهاد، فامتشقت قلمك مدافعاً عن لغتنا العربية الأصيلة في مؤتمرات عقدتها وأشرفت عليها في لبنان والخارج لإيمانك بأنّ اللغة تحصّن المجتمع من الاختراق، وليقينك، وأنت الخبير في الحرب النفسية، أنّ الهزيمة تبدأ من هزيمة الأنفس، والنصر يولد من عنفوانها. كانت القدس ومسجدها الأقصى يراودان تفكيرك على الدوام، وأنت المسكون بحبّ فلسطين، وبوجع أهلها وأطفالها، فخطّ قلمك رواية "حارسها الأخير" وكأنك أردت أن تقول للجميع حرّاس القدس والأقصى لا ينتهون، بل يتوارثون الراية حتى تحريرها وزوال الاحتلال. أمس غدر بك الاحتلال الجبان، وأخذك على حين غرّة ظنّاً منه أنّه قد نال منك، ومن عنفوانك وعزيمتك، لكن راح عن باله أنّ الله اصطفاك إلى جواره مع الشهداء والأنبياء والصدّيقين فهنئاً لك الشهادة التي تليق بك أخي "أبو البراء". رحمك الله وتقبّلك عنده في علّيين.

عن سحب السلاح واستراتيجية الدفاع الوطني
العدد 1659 /16-4-2025

تكثّف في الفترة الأخيرة الحديث عن سحب أو نزع السلاح وحصريته بيد الدولة وبموازاته عن ضرورة اعتماد استراتيجية دفاع وطني تحمي لبنان من الأطماع، وتحمي سيادته بما يجعله ويمكّنه من أن يكون صاحب القرار فوق أرضه وترابه وعلى مواطنيه؛

12345678910...