عن أهمية اعتماد استراتيجية للأمن الوطني!
العدد 1676 /13-8-2025

د. وائل نجم القرار الذي اتخذته الحكومة في جلستها في السابع من آب بالموافقة على الأهداف التي وردت في الورقة الأمريكية المقترحة بخصوص وقف الأعمال العدائية بين لبنان وكيان الاحتلال الإسرائيلي، وحصرية السلاح بيد الدولة وأجهزتها الرسمية وبالتالي سحبه من كلّ القوى الحزبية تحت أيّ مسمّى، أوجد حالة من الانقسام الذي بات يهدّد بخروج الأمور عن نطاق السيطرة خاصة في ظلّ رفض الثنائي الشيعي لهذا القرار كما رفض الالتزام به، وهو ما يهدّد بدوره بفرط الحكومة وتالياً فرط البلد وتشظّيه بين المكوّنات وهو ما يقدّم خدمة مجانية لـكيان الاحتلال ولسياساته ومخططاته للبنان والمنطقة. قرار الحكومة بات أمراً واقعاً على الرغم من خروج وزراء الثنائي من الجلسة التي ناقشت الورقة وأقرّتها. وحالة الرفض تأخذ منحى تصاعدياً من قبل الثنائي يتمّ التعبير عنه أحياناً في الشارع، وهو ما يهدّد بالخروج عن السيطرة في لحظة تخلٍّ، والبلد بأمسّ الحاجة إلى الأمن والاستقرار والهدوء وموجهة الأطماع الإسرائيلية بمائه وثرواته وأرضه، ولا بدّ أمام هذا المشهد من حلّ أو حالة تحصّن البلد في مواجهة هذا التحدّي الخطير. رئيس الجمهورية وفي خطاب القسم تحدّث عن استراتيجية أمن وطني تأخذ بعين الاعتبار حصرية السلاح وسيادة الدولة على أرضها وقرارها من ناحية، والإفادة من خبرات وكفاءات وسلاح المقاومات على امتداد تاريخ لبنان من ناحية ثانية، وهذه الاستراتيجية تشكّل مدخلاً للحلّ من جهة ولتحصين الدور اللبناني في مواجهة التحدّيات من جهة أخرى، وعليه فإنّ اللبنانيين ينتظرون إطلاق هذه الاستراتيجية أو على أقلّ تقدير إطلاق الحوار حولها، إذ أنّ الدولة محقّة في قرارها حقّ امتلاك وحصرية السلاح والقرار الوطني فوق أرضها وترابها، خاصة في ظلّ الواقع الذي نشأ كنتيجة للحرب الأخيرة في نهاية العام 2024؛ والمعترضون على قرار الحكومة سحب السلاح من دون ضمانات بعدم قيام العدو بشنّ أيّ عدوان جديد على لبنان أو استمراره بانتهاك السيادة اللبنانية من خلال الاغتيالات اليومية التي يقوم بها، محقّون بهذا الطلب في ظلّ غياب الضمانات. من هنا تبرز أهمية استراتيجية الأمن الوطني التي طرحها الرئيس جوزيف عون لضمان حصرية السلاح بيد الدولة من جهة بحيث يكون هذا السلاح في خدمة اللبنانيين جميعاً من دون هواجس أو شكوك لأيّ مكوّن منهم، فيشكّل ضمانة للاستقرار الداخلي على المستوين السياسي والأمني؛ ومن جهة ثانية يكون له دروه في ردع أيّ عدوان على لبنان بحيث يكون جزءاً من قوّة الردع التي يمتلكها الجيش وبقية الأجهزة الرسمية. ومن هنا تبرز الحاجة الماسّة لهذه الاستراتيجية في هذه المرحلة لقطع الطريق على أيّ استغلال من الداخل أو الخارج. غير أنّ إقرار هذه الاستراتيجية يحتاج إلى مشاركة كلّ الأطراف فيها، واقتناعهم بجدواها وأهميتها لخلاص الوطن ونجاته من المكائد التي تُنصب له، أمّا إذا كان هناك من يريد أن ينفّذ أجندات خاصة به بعيداً عن مصلحة لبنان واللبنانيين فإنّ الجهود ستذهب سدى، ولحظة الوصول إلى الفتنة الحالقة لن تكون بعيدة وستقضي على الجميع. بيروت في 13/8/2025

لبنان .. بين سحب السلاح واستراتيجية الأمن الوطني!
العدد 1675 /6-8-2025

د. وائل نجم لم تتمكذن الحكومة في اجتماعها يوم الثلاثاء في قصر بعبدا من التوصل إلى اتفاق أو إلى قرار بخصوص البند الذي كان في صدارة جدول أعمالها وهو حصرية السلاح بيد الدولة وفرض سيادتها على كامل أراضيها، أو بمعنى آخر بند سحب أو نزع السلاح من أيدي ما سوى الجيش وقوى الأمن الداخلي ومؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية الأخرى، وهذا يطال بشكل أساسي فصائل المقاومة اللبنانية وفي طليعتها حزب الله، وسلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان. والحقيقة أنّه من حقّ الدولة أن تفرض سيادتها على كامل أرضها وأن تحفظ هذه السيادة، وأن تحمي مواطنيها، وأن يكون قرارها نابعاً عن قناعة مؤسساتها والذين يشغلون هذه المؤسسات، ولا جدال ولا مراء في ذلك. ومن حقّها أيضاً أن تحتكر السلاح وتمنع انتشاره وتفلّته وما يحدثه ذلك من فوضى واضطراب وعدم استقرار على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية. ولكّن الحقيقة ايضاً أنّ مطلب حصرية السلاح أو بالأحرى نزعه وسحبه من فصائل المقاومة هو مطلب أمريكي إسرائيلي بالدرجة الأولى، والجميع في لبنان بات يعلم أنّ دفتر الشروط الذي يتضمّن سحب السلاح قد حمله المبعوثون الأمريكيون إلى لبنان من زمن "هوكستين" إلى زمن "بارّاك"، جميعهم طالب بسحب السلاح من المقاومة تحت عنوان قيام الدولة من أجل مساعدة لبنان على النهوض واستعادة عافيته الاقتصادية والمالية، وبحجة أنّ انتشار السلاح بأيدي غير الأجهزة العسكرية والأمنية الرسمية "خلق" أو أوجد دويلة داخل الدولة راحت تهيمن على الدولة وتملي عليها شروطها وسياساتها حتى أنّ "الدويلة" احتكرت قرار الحرب والسلم نيابة عن الدولة التي يجمع عليها اللبنانيون ولكنهم يختلفون على "الدويلة". قد يكون هذا العنوان صحيحاً إلى حدود معيّنة في ظل الممارسات التي شهدها لبنان خلال العقدين الأخيرين على أقلّ تقدير، فقد تعطّلت الاستحقاقات الدستورية أكثر من مرّة، وجرى تغيير مسارات ومناخات البلد أكثر من مرّة، وتمّ تجاوز نتائج الانتخابات أكثر من مرّة، ويمكن الحديث عن كثير من القضايا والأمور التي أعطت هذه الانطباعات، وكان يتمّ إرجاع كلّ ذلك إلى قضية السلاح خارج الدولة ومؤسساتها. لكنّ الصحيح أيضاً أنّ استحضار هذه الممارسات والعناوين يتمّ على قاعدة "كلام حقّ يراد به باطل". فاليوم يتمّ الضغط على لبنان وعلى مؤسساته وقياداته في مسألة سحب السلاح انطلاقاً من مصلحة "إسرائيل" وليس استجابة لقيام دولة جدّية حقيقية في لبنان، إذ أنّ مصلحة كيان الاحتلال تقضي بتجريد الجميع في المنطقة (دول وشعوب وقوى سياسية وغيره) من أيّ شكل من أشكال أو عنصر من عناصر القوّة، حتى يتمّ لهذا الكيان إحكام السيطرة والتحكّم بهذه المنطقة ومنها لبنان. أمام هذا التحدّي يكون الجميع في لبنان أمام مسؤولية الحفاظ على عناصر القوّة المتوفّرة للبنان وليس لفئة منه، دون التفريط بها أو التخلّي عنها، وبموازاة ذلك استعادة قرار الحرب والسلم ليكون بيد الدولة ومؤسساتها الدستورية التي يجمع اللبنانيون عليها. بمعى آخر، لبنان في هذه المرحلة بحاجة إلى التوصل إلى استراتيجية أمن وطني تحدّث عنها رئيس الجمهورية في خطاب القسم، تأخذ بعين الاعتبار خبرة كلّ القوى التي انخرطت في يوم من الأيام في مواجهة الاحتلال، وتستفيد من تنظيم السلاح المتوفّر حالياً ليكون جزءاً من قوّة الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية، ومن دون الإخلال بالتركيبة المتوازنة في المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية. لا شكّ أنّ الوصول إلى هذه المعادلة المتوازنة ليس سهلاً في ظلّ تعنّت البعض في الداخل، وضغط البعض من الخارج، وتوهّم البعض في إمكانية قلب المعادلات لصالح إنتاج صيغ جديدة على حساب الوطن ومكوّناته، ولكّنه أيضاً ليس مستحيلاً إذا صفت النوايا واستشعر الجميع حجم الخطر المحدق باللبنانيين جميعاً. بيروت في 6/8/2025

الحلول المنتظرة
العدد 1674 /30-7-2025

د. وائل نجم عندما انتُخب الرئيس جوزيف عون رئيساً للجمهورية استبشر اللبنانيون خيراً وظنّوا أنّ رحلة خروج من الأزمة التي عضفت بهم خلال السنوات الماضية قد بدأت فعلاً، خاصة وأنّ خطاب القسم كان واعداً لناحية الأزمة السياسية والأمنية والاقتصادية والقضاء وكلّ شيء، غير أنّ رياح الواقع لم تكن موافقة لتوجهات العهد، وبالتالي بدأت مرحلة جديدة من المراوحة في ظلّ تداخل الأمور والمواقف والمصالح والأهواء والتحدّيات. تجاوز العهد مسألة انتخاب أول حكومة وكان ذلك بمثابة الانجاز الأول، غير أنّ هذه الحكومة التي استبشر الناس بها خيراً أيضاً بدأ عملها يتعثّر وبدأت تواجه أزمات كثيرة تحتاج إلى حلول وهي بيعدة المنال، ولعلّ التحدّي الأول الذي كان وما زال ينتظر الحكومة هو تحدّي الانتخابات النيابية المقبلة، وهي لم تفلح حتى الآن في إحداث أيّ تعديل في قانون الانتخاب يعيد له بعضاً من التوازن، ويؤمّن بعضاً من عدالة التمثيل المفقودة، والتي يعترف بها الجميع، هذا فضلاً عن الإخفاق في حلّ الأزمة الاقتصادية ومسألة منع الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة والحفاظ على السيادة، وغيرها. مسألة السلاح وهو الموضوع الساخن الذي يجري البحث فيه والمفاوضات حوله مع المبعوث الأمريكي الخاص، وقد أخفقت كلّ المحاولات للتوصّل إلى اتفاق بخصوص السلاح سواء لناحية سحبه وتسليمه كما يطالب بذلك المبعوث الأمريكي وهو مطلب إسرائيلي، أو كما يطالب بعض اللبنانيين لحصره بيد الدولة على قاعدة امتلاك الدولة لقرار الحرب والسلم؛ أو لناحية وضع استراتيجة للأمن الوطني تأخذ بالاعتبار تجربة "المقاومات" على تنوّعها وتعدّدها بحيث يتمّ الإفادة من سلاح المقاومات وخبرتها وتجربتها ويكون ذلك في كنف الدولة وفي ظلّها. ما زال الجدل حول السلاح قائماً كما لو أنّ لبنان لم يمرّ في تجربة خلال الحرب الأخيرة ونتائجها، وهو بحدّ ذاته ما يهدّد مستقبل البلد وينهي الحلم بإقامة دولة حقيقية يتساوى فيها المواطنون وتحفظ فيها السيادة ويتم عبرها الدفاع عن لبنان بوجه أيّ مخطط طامع بخيراته وثرواته وأرضه. والجدل حول هذه النقطة وهذا الملف قد يجعل لبنان يضيّع فرصة مهمّة وحقيقية للخروج من أزمة من أعقد الأزمات وتشكّل خطراً وجودياً على مستقبله. ثمّ هناك مسألة القضاء والعدالة. استبشر الناس خيراً في الحديث عن استقلالية القضاء ودوره في إرساء العدالة وتأمين حقوق الناس، غير أنّ شيئاً لم يتغيّر عن السابق، ما زالت وثائق الاتصال حاضرة وتقود المواطنين إلى السجون على الرغم من حديث رئيس الحكومة عن وقفها ووقف العمل بها. إطلاق سراح الموقوفين دون محاكمات، خاصة الموقوفين الإسلاميين الذين مضى على توقيف بعضهم أكثر من عشر سنوات من دون محاكمة، كيف سيؤمن هؤلاء بعدالة القضاء وكيف سيثقون بالدولة؟ خاصة وأنّ الممارسة التي كانت قائمة سابقاً ما زالت مستمرة، فهناك من تمّ توقيفهم على أبسط الأشياء، بل ربما أحياناً على الشبهة، أو ربماً انتقاماً منهم لدور ما لهم في مرحلة سابقة، فيما يطلق غيرهم أبواق الفتنة التي تهدّد السلم الأهلي والأمن الاجتماعي ولكن مع ذلك لا تتمّ مساءلتهم أو محاسبتهم على ما يبدر منهم ويهدّد الوطن وأمنه. للأسف على مستوى القضاء وتأمين العدالة لكلّ اللبنانيين ما زال غائباً، وهذا بدوره يهدّد الحكومة والعهد والدولة، وهناك ما يستغلّ هذا الملف لإثارة مخاوف بعض المكوّنات اللبنانية من أجل إعادة إثارة تحالفات لا تخدم سوى كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى إلى تقسيم المنطقة وإثارة الفتن فيها بحيث يصبح سيّدها المطلق على الجميع. وعلى سيرة إثارة المخاوف والهواجس يبدو أنّ البعض ممن يتقن هذه اللعبة عاد إليها من جديد علّها توقظ هواجس ومخاوف متوّهمة لدى البعض فقط من أجل النجاة من استحقاقات باتت داهمة ومُلّحة. ننتظر الحلول لعلّ ذلك يُخرج الوطن من أزماته، ولكن يبدو أن الأمور بدأت تعود إلى المربع الأول بفعل حسابات خاصة وفئوية من دون أيّ اعتبار لمصلحة الوطن ومكوّناته، ويبدو أنّ هناك من لا يريد الحلول، بل يريد استمرار الأزمة حتى ولو كان الأمر على حساب الوطن ولحساب أعدائه المتربّصين به سوءاً على الحدود. بيروت في 30/7/2025

مفارقات!
العدد 1673 /23-7-2025

شهد الأسبوعان الأخيران تطوّرات خطيرة في سورية تمثّلت بشكل رئيسي بما حصل من أحداث واشتباكات في محافظة السويداء جنوب سورية كادت تُخرج الأمور عن نطاق السيطرة

مشاريع مشبوهة ومراهنات تكشف المستور
العدد 1672 /16-7-2025

د. وائل نجم قديماً قيل : "يا ربّ اعطني وقت ضيق حتى أعرف العدو من الصديق". كان هذا القول وترجمته العملية بمثابة مختبر لمعرفة الأصدقاء من الخصوم والأعداء، فالأصدقاء لا يتخلّون ولا ينهزمون لمصالحهم الخاصة، بل يظهرون صداقتهم ووفاءهم في أحلك الأوقات وأدقّها، أمّا الأعداء فإنّهم يستغلّون لحظة الضعف والضيق ليظهروا وجههم القبيح وحقيقتهم المخفيّة، ويكشّرون عن أنيابهم ويكشفون نواياهم الحقيقية تجاه من كان يظنّهم أصدقاء أو مقرّبين. واقع الحال في سورية ولبنان خلال الأيام الأخيرة كشف حقيقة البعض وأظهر الوجه الحقيقي لهم عندما أدخلوا أنفسهم في مختبر معرفة الأصدقاء من الأعداء. الشعب السوري الذي عانى الأمرّين خلال العقدين الأخيرين ودفع فاتورة باهظة الثمن من أجل أن يتحرّر من نظام طاغٍ مستبد، ومن أجل أن يقيم دولة حقيقية لكلّ السوريين، ومن أجل أن يحافظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً وحضارة، اكتشف أنّ هناك من لا يريد لسورية أن تكون واحدة، ولا أن تكون قوية، ولا أن تكون لكلّ السوريين، ولا أن تنعم بالأمن والاستقرار، ولا أن يكون فيها دولة ونظام ومؤسسات؛ اكتشف الشعب السوري أنّ هناك من يريد أن يبني أمجاده على حسابهم، ومصالحه الخاصة الضيّقة حتى على حساب الذين يتحدّث باسمهم ويدّعي العمل لتأمين مصالحهم؛ اكتشف الشعب السوري أنّ لدى البعض، ممن يدّعون زوراً الانتماء إلى سورية، مشاريع مشبوهة ونوايا مبيّتة تريد تقسيم سورية خدمة لأجندات خارجية وطمعاً ببعض المال والمنصب، أو ربما جراء حقد دفين في صدورهم أظهروه في هذه اللحظة التاريخية. أحداث محافظة السويداء في سورية كشفت أنّ بعض المتزّعمين الذين صادروا قرار المحافظة في لحظة ضعف أو ربما في سياق خطة أعدّت سلفاً، لم يعودوا يخفون نواياهم وأجنداتهم التي جاهروا بها بطلب الحماية الدولية وهي تعني بالدرجة الأولى طلب الحماية من عدو الأمّة التاريخي كيان الاحتلال الإسرائيلي، من أجل التفرّد بالمحافظة والتحكّم بمصير أهلها ومستقبلهم، ومن أجل أن تكون الخطوة الأولى في مشروع تقسيم سورية، وتالياً المنطقة كلّها، وهو مشروع إسرائيلي صهيوني بامتياز. لقد كشفت أحداث السويداء أنّ هذا البعض لا ينتمي إلى العروبة ولا يمت لها بصلة، وربما لا يمتّ إلى السويداء بصلة لأنّ أهلها وأبناءها المعروفيين معروفون بانتمائهم العروبي الخالص والصادق للعروبة والإسلام، وهم متمسّكون بتاريخهم الناصع الذي سجّل دورهم في مقارعة حملات الفرنجة التي أرادت النيل من هذا الشرق العربي الإسلامي. على مدى بضعة أشهر بعد إسقاط النظام المخلوع في كانون الأول من العام 2024، رفض أصحاب المشاريع المشبوهة كلّ الصيغ التي ترمي إلى بناء سورية من جديد. رفضوا الحوار، ورفضوا الدستور، ورفضوا الانضمام لمؤسسات الدولة، ورفضوا دخول قوات الأمن إلى المحافظة، ورفضوا كل الاقتراحات التي تقدّمت بها الحكومة من أجل أن تكون المحافظة كبقية المحافظات السورية الأخرى، بل أكثر من ذلك اتهموا الحكومة بالإرهاب، وقوات الأمن والجيش بالميليشيات، ومنعوا المحافظ من القيام بدوره، وأثاروا الناس على الحكومة على اعتبار أنّها مقصّرة في تأمين المستلزمات الأساسية للعيش الكريم وهم يدركون أنّ الحكومة ورثت من النظام المخلوع أرضاً محروقة، ومارسوا البلطجة و"الإرهاب" على كلّ من رفض ممارساتهم من أبناء المحافظة، ونشروا الفوضى فيها، ودخلوا في فتنة هوجاء أخيراً مع شركائهم من أبناء المحافظة من المكوّنات الأخرى، وعندما تدخّلت الدولة بمؤسساتها الأمنية والشرطية لوضع حدّ لحالة الفوضى وإنهاء الاقتتال الذي أزهق أرواح العشرات من أبناء المحافظة، اتهموا الجيش وقوى الأمن الداخلي بارتكاب الجرائم، وجاهروا بطلب الحماية الدولية، وهي في الحقيقة طلب التدخّل الإسرائيلي، حيث لبّتهم طائرات الاحتلال وقصفت منتسبي الجيش وقوى الأمن فارتقى منها الشهداء. أليس هناك أوضح من حقيقة هؤلاء الذين لا يريدون خيراً لسورية وشعبها؟! لقد كشف هؤلاء عن وجوههم الحقيقية وعن نواياهم الخبيثة في خدمة أعداء الأمّة والوطن. أمّا في لبنان فإنّ اللحظة كشفت أيضاً عن حقيقة البعض ممن جاهر بطلب المساعدة من الاحتلال، وممن حرّض على الفتنة، وممن تاجر على مدى السنين الماضية وراح يتقلّب من مكان إلى مكان حتى استقرّ هذه المرّة في أحضان قذرة معروفة. هذا البعض لا يدرك أنّه يجرّ لبنان بمواقفه وعنترياته الجوفاء ومراهناته المفضوحة إلى مستنقع الفتنة الذي لا يريده أحدّ، ولا يخدم أحداً سوى الاحتلال ونواياها. هذا البعض ارتضى أن يكون بندقية مؤجّرة مقابل الكسب المالي حتى لو كان على حساب دماء "رفاق السلاح". بيروت في 16/7/2025

برّاك .. الدبلوماسية الناعمة والأهداف الخشنة!
العدد 1671 /9-7-2025

برّاك .. الدبلوماسية الناعمة والأهداف الخشنة! مختلفاً في كلّ شيء كان المبعوث الأمريكي إلى لبنان، توم برّاك، عن سابقته مورغان أورتاغوس إلّا في الأهداف ذاتها التي حملها كلّ منهما، وهي جزء أساسي من وظيفتهما في لبنان والمنطقة. فحيث كانت أورتاغوس أكثر صراحة ووضوحاً في أدائها، وأكثر فضاضة في تعبيرها عن الهدف الذي تريد الوصول إليه، وهي بالمناسبة تشبه إلى حدّ بعيد رئيسها ترامب، وصل خلفها توم برّاك إلى بيروت في جولته الثانية واعتمد لغة أكثر نعومة، وخطاباً أكثر لطافة، وانتهج سياسة ناعمة هادئة غاب عنها الصخب والضوضاء، لكنّها كانت تحمل في ثناياها الهدف ذاته الذي حملته من قبل أورتاغوس. لا يهمّ ما حملته ورقة الردّ اللبناني على مقترحاته، المهمّ أن يكون الردّ متجاوباً مع تلك المقترحات وهي في حقيقتها الشروط ذاتها التي كانت أورتاغوس حملتها بقسوة إلى المسؤوليين اللبنانيين. لقد صرّح أنّه معجب بالرئيس نبيه برّي، ولكنّه في الحقيقة لا يهمّه كيفية إدارة الرئيس برّي للملفات، ما يهمّه هو تجاوب برّي مع مقترحاته لناحية نزع السلاح بشكل أساسي. لقد أعطى انطباعاً بأنّه غير مهتم بالشأن اللبناني، وأنّ ما يعيشه لبنان حالياً هو مسؤولية اللبنانيين، غير أنّه أراد أن يتنصّل من مسؤولية بلاده حيال التزاماتها ورعايتها لاتفاق وقف الأعمال العدائية بما يتيح للإسرائيلي فرصة ارتكاب المزيد من الاعتداءات والمجازر من دون الشعور بأدنى مسؤولية عن عواقب ذلك. لقد ألمح برّاك إلى أنّه على استعداد للتفريق بين حزب الله العسكري وحزب الله السياسي في موقف يظهر في الشكل أنّه يدوّر الزوايا بحثاً عن حلول، ولكنّه في جوهره يهدف إلى دقّ إسفين بحيث تصبح الفكرة واقعاً داخل الحزب أو في بيئته أو أقلّه على الساحة الوطنية. المبعوث الأمريكي توم برّاك اعتمد دبلوماسية هادئة ناعمة ولكنّها تخفي أهدافاً خشنة وقاسية، وقد يكون من الصعوبة اكتشاف خشونة وخطورة هذه الأهداف وبشكل سريع، بل ربما يحتاج الأمر إلى وقت طويل حتى يتمّ اكتشاف ذلك، وقد تكون الأهداف التي يعمل على الوصول إليها غير تلك التي يفكّر بها أيٌّ منّا وهو يقرأ هذه السطور، قد تكون أهداف هذه الدبلوماسية الناعمة أعمق واعقد مما نتخيّل ومما نتوقع، وقد تذهب بعكس الاتجاهات التي نظنّها أو نعتبر برّاك وغيره من المبعوثين يعمل عليها. بهذا الاعتبار فإنّ برّاك من أبرز المبعوثين الأمريكيين الذين يصلون إلى لبنان، بل إلى المنطقة، وهو ليس مجرد دبلوماسي عادي وسفير لبلاده في أنقرة، بل هو أكبر من ذلك، وعلينا أنْ نتذكّر أنّ برّاك من طبقة رجال الأعمال الناجحين الذين يشاطرون الرئيس ترامب نجاحاته، ويشتركون معه، وربما مع الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية في صناعة ورسم مستقبل العالم ومنه المنطقة العربية الإسلامية الذي اعتبرها عميد الدبلوماسية الأمريكية، هنري كيسنجر، ذات يوم أنّها قلب العالم وأنّ من يسيطر على قلب العالم يسيطر على العالم، ولذلك أشار برّاك إلى أنّ قطار المنطقة انطلق مع أو من دون لبنان، وما على اللبنانيين سوى الركوب من أجل الوصول إلى المحطة التي رسمها وقرّرها لهم سيّد البيت الأبيض سيّد العالم الآن. وربما لن نستطيع أن نستوعب هذه الدبلوماسية وهذا النهج ولا الأهداف التي تحملها إلاّ إذا استوعبنا وأدركنا ما تريده السياسة الأمريكية في المنطقة في المرحلة المقبلة، ولكن ذاك حديث آخر يأتي لاحقاً. د. وائل نجم

حول مواقف المفتي وسُنّة لبنان
العدد 1670 /2-7-2025

فاجأ مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الوسطين السياسي والرسمي بالمواقف التي أطقلها من مسجد محمّد الأمين في بيروت، وأعاد التأكيد عليها من طرابلس وتناول فيها دور دور المسلمين السُنّة في الدولة، وحضورهم فيها، وضمانتهم لها، وشدّد على أن لا دولة من دون السُنّة، ولا يقبل أيّ تهميش لهم أو تجاوز لدورهم وحقوقهم أو الاعتداء عليهم. والحقيقة أنّ الأجواء التي يعيشها لبنان، بالشكل على أقلّ تقدير، لا توحي أنّ هناك تجاوزاً على دور وحضور المسلمين السُنّة في الدولة، بل ربما هذه المرحلة، شكلاً، توحي أنّها أفضل بكثير من كثير من المراحل السابقة، فلماذا يلجأ المفتي إلى إطلاق هذه المواقف؟ ثم يعيد التأكيد عليها كما لو أنّه أراد أن يقول إنّها ليست مواقف عابرة في لحظة انفعال، والمفتي لا يُصدِر مواقف إنفعالية، إنّما هي لتصحيح مسارات حتى لا تتكرّس وتصبح من الأعراف التي تحكم البلد. المفتي دريان يلتقي مفتي المناطق دورياً، ويترأس المجلس الإسلامي الشرعي شهرياً، ويلتقي الوفود الشعبية باستمرار ومن كلّ المناطق، وهؤلاء ينقلون له الهموم والقضايا اليومية التي يعيشها الناس، والهواجس التي تسكنهم، والتطلعات التي يريدونها للبنان بلداً مستقراً يتساوى فيه المواطنون وفق منطق الموطنة الحقيقية؛ كما ينقلون له شكاوى الناس من محاولات الإقصاء والتهميش التي يتعرّضون لها، خاصة في المواقع والمناصب الإدارية، وإلصاق تهم الفساد برموزهم وشخصياتهم وفتح ملفاتهم وتقديمهم للمحاكمة وحدهم فحسب، في حين أنّ الفساد على المستويات كافة مستشري ومعروف من قبل الكبير والصغير. والمفتي دريان يعرف جيّداً أنّ هذه المشاعر المختلطة، وهذه الهواجس المتعدّدة، وهذه الشكاوى المتكرّرة تكبر ككرة نار في نفوس الناس، وهي يمكن أن تنفجر بالبلد في أيّة لحظة، خاصة إذا وجدت من يغذّيها ويحرفها عن مسارها الطبيعي ويضعها في إطار الاستغلال والاستثمار "الخبيث" بحيث يُقدّم هذا المكوّن الضامن لوحدة البلد واستقراره، المنادي بقيام دولة المؤسسات فيه، على أنّه مكوّن "إرهابي" ويريد القضاء على البلد، وعلى الشراكة الحقيقية التي قام عليها. الجميع في لبنان يتابع في الإعلام كيف يتمّ الحديث والترويج والتحذير من عودة نشاط المجموعات "الإرهابية" التي يراد لقصها بطريقة غير مباشرة بهذا المكوّن الأساسي؛ والجميع يتابع كيف يتمّ التركيز على تطبيق القوانين والأنظمة على هذا المكوّن فحسب، فيما الأمور تكاد تكون من دون ضوابط ولا قيمة لقانون أو نظام حيالها عندما تتصل بغيرهم!. الجميع يتابع كيف تتمّ التوقيفات والملاحقات لأفراد ورموز السُنّة على أبسط المسائل، فيما يسْرح ويمْرح غيرهم كما لو أنّنا في شريعة غاب، ولضرب بعض الأمثلة على ذلك يمكن الحديث عن عدم الالتزام بالقرارات التي أصدرها رئيس الحكومة بوقف العمل بوثائق الاتصال الموروثة عن زمن الوصاية الأمنية لعدم قانونيتها، وهي بالمناسبة كانت وما زالت سيفاً مسلطاً على رقاب أبناء هذا المكوّن بشكل أساسي، كما لو أنّه يراد شيطنة أبناء هذا المكوّن ودفعهم إلى الخروج على الدولة. مثال آخر يتصل بملف محاكمة الموقوفين الإسلاميين الذي مضى على بعضهم عشر سنوات في السجن من دون محاكمة فقط لوجود وثيقة اتصال بحقّه. وأمثلة أخرى وعديدة تتصل بمواقعهم في الإدارة حيث يتمّ ملء الشواغر الإدارية بغيرهم ومن ثمّ تتحوّل المسألة إلى عُرْف. المفتي أراد من خلال هذه المواقف التأكيد على التمسّك بالدولة بموازاة التأكيد على حفظ التوازن من ناحية وتشكيل صمّام أمان لها وللمكوّن على حدّ سواء، فلا يسقط هذا المكوّن في فخ الدفع نحو التطرّف واليأس من الدولة وبالتالي الخروج عليها، ولا تسقط الدولة أيضاً في فخ الاستمرار في هذا النهج الذي لا يبني دولة مؤسسات ومواطنة حقيقية وهو ما يريده البعض لها كي تبقى ساحات مفتوحة ومشرّعة على كلّ الاتجاهات وخادمة لمشاريع طموحة تريد الاستغلال والاستثمار في كلّ شيء. وبهذا المعنى فإنّ مواقف المفتي جاءت لتصويب البوصلة وإعادة تصحيح بعض المسارات وفي ذلك خير للبنان كلّه. د. وائل نجم

لماذا هذا الصمت اللبناني الرسمي والشعبي على العدوان الاسرائيلي على إيران ؟
العدد 1669 /25-6-2025

تبدو الساحة اللبنانية هادئة جدا على غير عادتها في الأحداث الكبيرة التي كانت تعصف في المنطقة والعالم ، ولا سيما فيما يتعلق بالمواجهة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية واسرائيل والتي توقفت بعد اعلان الرئيس ترامب وقف إطلاق النار بين ايران واسرائيل بعد مرور12 يوم من المواجهات بين الطرفين. هذا الوضع لايعتبر مفهوما بالنسبة الى لبنان واللبنانيين خصوصا ان ايران لها امتدادات كبيرة على الساحة اللبنانية لا تشمل فقط حزب الله وحركة أمل بل تشمل أيضا فصائل واحزاب لبنانية وفلسطينية كثيرة على طول الساحة اللبنانية ، ومع ذلك فإن ردود الفعل على ضرب إيران من قبل اسرائيل وأميركا خجولة جدا وفي اضيق نطاق ، وحتى حزب الله الحليف الرئيسي لإيران يكتفي فقط ببيانات الإدانة والاستنكار للعدوان الأميركي_الاسرائيلي على ايران ، ولم يقم حتى بتظاهرة شعبية في الضاحية او بيروت استنكارا لهذا العدوان. وهنا يطرح السؤال التالي : لماذا هذا الصمت اللبناني الرسمي والشعبي على العدوان الاسرائيلي على ايران ؟ البداية اولا من الموقف الرسمي اللبناني الذي عبر عنه رئيسا الجمهورية والحكومة جوزاف عون ونواف سلام. بعد القصف الأميركي للمنشآت النووية الإيرانية في اصفهان وفوردو وناطنز وهو التطور الأبرز في الحرب القائمة بين ايران واسرائيل صدر عن الرئيسين عون وسلام بيان جاء فيه : أجرى رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، اتصالاً برئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، تم خلاله البحث في التطورات الخطيرة التي تمر بها المنطقة، وانعكاساتها المحتملة على لبنان. وقد جرى الاتفاق على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة بين الجانبين، والعمل المشترك لتجنيب لبنان تداعيات هذه الأوضاع، وتغليب المصلحة الوطنية العليا، والحفاظ على وحدة الصف والتضامن الوطني. وسبق ذلك البيان موقف لافت للرئيس عون بعد القصف الأميركي لايران قال فيه : أكّد رئيس الجمهورية جوزاف عون أنّ "لبنان قيادة وأحزاباً وشعباً، مدرك اليوم، أكثر من أي وقت مضى، انه دفع غالياً ثمن الحروب التي نشبت على أرضه وفي المنطقة، وهو غير راغب في دفع المزيد ولا مصلحة وطنية في ذلك، لاسيما وأن كلفة هذه الحروب كانت وستكون أكبر من قدرته على الاحتمال". وهذا الموقف للرئيس عون من الحرب بين ايران واسرائيل لايختلف كثيرا عن موقف معظم القيادات اللبنانية ، حتى ان حزب الله الحليف الرئيسي لإيران اكتفى ببيان دان فيه العدوان الاميركي الاسرائيلي على ايران وجاء فيه إن : «العدوان الأميركي الهمجي الغادر على المنشآت النووية السلمية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والذي يكشف الوجه الحقيقي للولايات المتحدة الأميركية كأكبر تهديد للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، ويشكّل انتهاكًا سافرًا للقانون الدولي والإنساني واتفاقيات جنيف وميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر استهداف المنشآت النووية واستخدام القوة ضدّ دولة ذات سيادة، ويُعدّ تصعيدًا جنونيًا وخطيرًا غير محسوب، يُنذر بتوسيع دائرة الحرب ويدفع المنطقة والعالم نحو المجهول إذا لم يوضع له حدّ، ولم تتخذ المواقف الرادعة له» ، وأضاف بيان حزب الله : " أنّ أميركا هي الراعي الرسمي للإرهاب ولا تعترف لا بمواثيق دولية ولا قوانين إنسانية ولا تعهدات ولا التزامات". وأكّد " تضامننا الكامل مع الجمهورية الإسلامية، قيادةً وشعبًا»، داعياً «الدول العربية والإسلامية والشعوب الحرة في العالم إلى الوقوف إلى جانب الجمهورية الإسلامية في مواجهة العدوان الأميركي والإسرائيلي" . أما باقي القوى والاحزاب اللبنانية فقد اكتفت اما بالصمت او بإصدار مواقف ادانة خجولة للضربة الأميركية على المنشأت النووية في ايران. فما هو السبب في هذه المواقف الخجولة من العدوان الاميركي الاسرائيلي على ايران ؟ هناك عدة أسباب منها : - التغير في موازين القوى في المنطقة بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان في شهر ايلول 2024 ، والذي ادى الى اضعاف قدرات حزب الله ، فضلا عن المتغير الأبرز في المنطقة وهو سقوط النظام السوري على يد المعارضة السورية ، وهو ما ادى الى قلب موازين القوى في المنطقة رأسا على عقب . - وصول قيادة سياسية جديدة الى رئاسة الجمهورية والحكومة في لبنان بعيدا عن سلطة ونفوذ حزب الله تحظى بدعم دولي وعربي ، تريد بناء لبنان جديد ومختلف عن السابق. - وجود جو شعبي عام في لبنان يقول لقد اكتفينا من الحروب على ارضنا ، خصوصا بعد العدوان الإسرائيلي الاخير على لبنان والذي ادى الى دمار كبير في الجنوب والبقاع ، وكذلك في الضاحية الجنوبية لبيروت. بالخلاصة لبنان واللبنانيين رغم رفضهم للعدوان الاسرائيلي _ الاميركي على ايران ، وإدانتهم لهذا العدوان الا انهم لا يريدون الدخول مجددا في مواجهة مع اسرائيل ، وهذا يفسر ردود الفعل اللبنانية الرسمية والحزبية وحتى الشعبية على المواجهة بين اسرائيل وايران. فهل تغير لبنان واللبنانيين أم أن المنطقة دخلت في الشرق الأوسط الجديد ؟ بسام غنوم

حول احتمالات توسّع الحرب الإيرانية الإسرائيلية!
العدد 1668 /18-6-2025

مفاجئة كانت الضربة الإسرائيلية لإيران فجر يوم الجمعة؛ الجميع كان يعتقد أنّ الضربة قادمة ولكن الجميع كانوا يعتقدون أنّها بعد الأحد الذي كانت مقرّرة فيه جلسة سادسة للمباحثات الإيرانية الأمريكية في مسقط بعُمان، غير أنّ الإسرائيليين خالفوا كلّ التوقعات، وبالاتفاق الكامل مع الأمريكيين وبشكل غادر شنّوا هجومهم على منشآت ومواقع وقيادات إيرانية قبل أكثر من 48 ساعة من موعد المباحثات المقرّرة. ما الذي دفع الإسرائيليين إلى ذلك؟ كثيرة هي الإجابات عن هذا السؤال، بدءاً من استعجال فتح الحرب، مروراً بتوريط الولايات المتحدة وجرّها إلى هذه الحرب والقلق من التوصل إلى اتفاق أمريكي إيراني، وصولاً إلى الحديث عن بداية اكتشاف إيران لخطط ومشاريع "إسرائيل" للداخل الإيراني، خاصة في ضوء الحديث الأخير عن تمكّن إيران من نقل معلومات ضخمة من داخل كيان الاحتلال إلى إيران فيما عُدّ قبل حوالي أسبوعين خرقاً إيرانياً استخبارياً كبيراً لكيان الاحتلال. وماذا عن هدف كيان الاحتلال من هذه الحرب، واستعجال فتحها؟ أيضاً كثيرة هي الإجابات عن هذا السؤال. بدءاً من الهدف المعلن في التخلّص من المشروع النووي الإيراني على اعتبار أنّه غير سلمي ويشكّل تهديداً لكلّ المنطقة، مروراً بالتخلّص من قدرة إيران النووية والصاروخية، وصولاً إلى إسقاط النظام في إيران، وختاماً تغيير وجه المنطقة أو كما يحلو لنتنياهو أن يسمّيها "الشرق الأوسط". وهل نجحت "إسرائيل" في ضربتها النوعية الافتتاحية؟ الحقيقة أنّها سدّدت لإيران ضربة نوعية قويّة فضلاً عن مفاجئتها بها. فهي تمكّنت من ضرب بعض المنشآت النووية في أكثر من موقع بغض النظر عن حجم الدمار الذي لحق بهذه المنتشآت، وهي اغتالت قادة عسكريين من الصفّ الأول، وهي كادت تُفقد الشعب الإيراني ثقته بقيادته من خلال الحديث عن خرق هذه القيادة أمنياً، وكادت الأمور تخرج عن السيطرة عبر انفلات الشارع المعارض الذي يتطلّع إلى التخلّص من هذه القيادة. غير أنّ إيران تمكّنت خلال ساعات قليلة من استيعاب الصدمة والمفاجأة وامتصاصها، والانتقال من موقع المتلقي إلى موقع الفاعل، أو من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، وبدأت الردّ الصاروخي الواسع الذي بدأت معه تستعيد زمام المبادرة وربما أيضاً تكتب النهاية التي ستكون عليها هذه الحرب. وهل هناك من احتمالات لتوسّع هذه الحرب؟ هذه الحرب بالنسبة لطرفيها هي حرب وجود. بالنسبة لـ "إسرائيل" التي فشلت في حربها على قطاع غزة حتى الآن، تعتبر أنّ خسارة حربها مع إيران تشكّل تحدّ لوجودها وبقائها، لأنّ ما يشاهدها ويعيشه المستوطنون لم يروا مثله من قبل، وهم بدأوا فقدان الثقة بكيانهم وجيشهم مع الساعات الأولى لـ "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر / تشرين الأول 2023 ويخسرون ما تبقّى من هذه الثقة الآن، وبالتالي فهذه الحرب بالنسبة لهم حرب وجود. بالنسبة لإيران فإنّ هذه الحرب تشكّل تحدّياً وجودياً للنظام، ولذلك فهو مستعد لاستعمال الأوراق التي يمتلكها كافة من أجل عدم خسارة هذه الحرب. وبهذا المعنى فإنّ كلّ طرف من طرفي المواجهة مستعد لفعل أيّ شيء من أجل عدم خسارة الحرب، ومن هنا تأتي احتمالات مدّ أمدها واحتمالات توسّعها أيضاً. كلّ طرف منهما له حلفاء فضلاً عن أنّ نتيجة هذه الحرب فعلاً سترسم وتقرّر مصير المنطقة، وهي منطقة بالمناسبة تتمتّع بموقع استراتيجي حاكم على مستوى العالم، وتتمتّع بثروات نفطية وغازية هائلة، وبالتالي فإنّها محل ومحط اهتمال كلّ دول العالم، ولذلك فإنّ هذه الدول ستكون مستعدة للتدخّل فيها بمقدار مصالحها أو التهديدات التي ستنشأ عن أيّ شكل جديد فيها. والملاحظ حتى الآن أن "إسرائيل" فشلت في تحقيق هدفها المعلن وغير المعلن، ودخلت مرحلة استنزاف صعبة لا تقوى على الصمود أمامها لفترة طويلة، ولذلك بدأنا نسمع عن تدخّل أمريكي قد يكون خلال الساعات أو الأيام المقبلة، وهو بدوره قد يجرّ تدخلاً غير مباشر من دول أخرى وهدفه استنزاف الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً. وما هي أبرز انعكاساتها؟ لعلّ أبرز انعكاس لهذه الحرب يتلخّص في فقدان التوازن النسبي للنظام الإقليمي القائم حالياً. بمعنى آخر، أي أنّ المنطقة قد تقع تحت نفوذ وهيمنة الطرف الذي يمكن أن يفوز في هذه الحرب، وهذا بدوره سينعكس على مستقبل المنطقة ودور حكوماتها وشعوبها. د. وائل نجم

حول اليونيفيل ودورها في جنوب لبنان
العدد 1667 /11-6-2025

حول اليونيفيل ودورها في جنوب لبنان يعود تاريخ انتشار قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) في جنوب لبنان إلى العام 1978 حيث جاءت إنفاذاً لقرار مجلس الأمن 425 ولتنفيذه والإشراف على انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب بعد اجتياح تلك القوات لمنطقة جنوب الليطاني فيما عُرف في حينه بـ "عملية الليطاني"، وتأمين السلام لسكان المنطقة، ومنذ ذلك الحين وتنتشر اليونيفيل في المنطقة الحدودية لكنها لم تؤمّن السلام الحقيقي لسكان المنطقة الحدودية، ولم تمنع الاعتداءات الإسرائيلية عليهم، ولم تقف دون اجتياح قوات الاحتلال لكلّ الجنوب وصولاً إلى بيروت في العام 1982. بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز من العام 2000 وبموجب قرار جديد لمجلس الأمن هو القرار رقم 1701 جرى تعزيز قوات اليونيفيل في الجنوب وزيادة عديدها من خمسة آلاف جندي إلى 15 ألف جندي من عدة دول أبرزها فرنسا، إيطاليا وأسبانيا؛ كما جرى تعديل مهامها بحيث صارت مكلّفة تنفيذ وتطبيق القرار 1701 ومنع السلاح والمظاهر المسلحة في المنطقة التي تنتشر فيها جنوب الليطاني، ومنع الاعتداءات والخروقات الإسرائيلية على لبنان كونها مكلّفة بالتحقق من وقف الأعمال العدائية، غير أنّها لم تمنع تلك الاعتداءات بل كانت تكتفي بإحصائها ورفع تقارير فيها، ولم تحل أيضاً دون عودة المقاومة لتجديد بنيتها العسكرية في المنطقة الحدودية، غير أنّها ظلّت تقوم بدورها الروتيني بتسيير دوريات في تلك المنطقة، والقيام أحياناً بإجراءات التفتيش والبحث عن مخابئ سلاح أو قواعد عسكرية بالتنسيق الكامل مع الجيش اللبناني؛ وقد حاولت حكومة الاحتلال الإسرائيلي إدخال تعديلات على مهامها أكثر من مرّة وتمكّنت من ذلك في آب من العام 2022 حيث انتزعت من مجلس الأمن تعديلاً أُعطيت بموجبه اليونيفيل حقّ تسيير الدوريات وإجراء عمليات البحث والتفتيش مع أو من دون الجيش اللبناني، وهو الشيء الذي أدّى إلى العديد من المواجهات مع شبّان من الأهالي في أكثر من بلدة جنوبية. وبعد الحرب الأخيرة التي عُرفت بحرب الإسناد، وبعد الاتفاق الذي جرى بين لبنان وحكومة الاحتلال على وقف الحرب، استند الاتفاق إلى القرار 1701 وبالتالي عن اليونيفيل ودورها ومهامها في صلبه. راحت اليونيفيل منذ بضعة أشهر تقوم بعملية تعقّب لأيّ تحرك ذي طابع عسكري في جنوب لبنان، ومارست في بعض الأحيان دورها في عملية البحث والتفتيش عن أسلحة وقواعد عسكرية تحت أرضية أو فوق أرضية، بتنسيق مع الجيش اللبناني أو من دون تنسيق مع الجيش، وهو ما أدّى إلى حصول مواجهات يومية مع شبّان ينتمون إلى حزب الله أو يدورون في فلكه تحت مسمّى الأهالي؛ غير أنّ هذه القوات لم تمنع ولم تحل دون قيام قوات الاحتلال بالاعتداءات اليومية على الجنوب وكان آخرها قبل كتابة هذا المقال استهداف جندي في الجيش اللبناني مع والده وشقيقه في بلدة شبعا الجنوبية ما أدّى إلى استشهاد الجندي ووالده وجرح شقيقه؛ كما وأنّها لم توقف الخروقات الإسرائيلية اليومية للأجواء اللبنانية، ولم تمكّن سكان القرى الحدودية من العودة إلى منازلهم المهدّمة أو بنائها، فضلاً عن أن تؤمّن لهم الاستقرار فيها. غير أنّها ظلّت تشكّل في المقابل عنصراً مزعجاً لقوات الاحتلال الإسرائيلي لا يتيح له حريّة الحركة الكاملة في الجنوب فضلاً عن إحصائه اليومي لانتهاكات الاحتلال تزويد مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بها. اليوم ومع اقتراب التجديد لليونيفيل في آب المقبل يجري الحديث عن عدم التجديد لهذه القوات، وقد كشفت وسائل الإعلام الإسرائلية عن رغبة لدى الحكومة الإسرائيلية الحالية عن ذلك، وأشارت أيضاً إلى اتفاق مع الإدارة الأمريكية عليه، وقد نقت الإدارة الأمريكية ذلك. في مقابل تمسّك لبناني رسمي بالتجديد لليونيفيل عبّر عن رئيس المجلس النيابي نبيه برّي أكثر من مرّة، ومحاولة لبنانية شعبية وغير رسمية بجعل سقف تحرك اليونيفيل محكوماً بالتنسيق الكامل مع الجيش اللبناني وعدم الذهاب إلى حريّة الحركة الكاملة لأنّ من شأن ذلك جعل المنطقة الحدودية تحت سيطرة إسرائيلية غير مباشرة. لكن بعيداً عن الأمنيات والرغبات يبدو إلى الآن أنّ دور ووظيفة اليونيفيل لم ينته بعد، وأنّ الحديث الإسرائيلي عن رفض التجديد لها يقع في إطار الضغط لتعديل دورها وحضورها بحيث تتحوّل إلى أداة كاملة وطيّعة بيده، وليس الهدف منه انسحابها لأنّ حصول ذلك يعني مسألة واحدة فقط هي التصعيد العسكري المفتوح الذي قد لا يكون له سقف. د. وائل نجم

12345678910...