سوهام المصري

توفي مساء يوم الخميس 20/10، في العاصمة الأردنية عمان، الشيخ المحدث شعيب الأرناؤوط عن عمر ناهز الـ88 عاماً. وأقيمت صلاة الجنازة على الشيخ الأرناؤوط بعد صلاة يوم الجمعة في مسجد الفيحاء بالشميساني في عمان.
ولد الشيخ شعيب بن محرم الألباني الأرناؤوطي في مدينة دمشق سنة 1928، ونشأ نشأة دينية خالصة، تعلم في خلالها مبادئ الإسلام، وحفظ أجزاء كثيرة من القرآن الكريم، ولعل الرغبة الصادقة في الفهم الدقيق لمعاني القرآن الكريم وإدراك أسراره، هي من أقوى الأسباب التي دفعته إلى دراسة اللغة العربية في سن مبكرة، فمكث ما يربو على السنوات العشر يختلف إلى مساجد دمشق ومدارسها القديمة، قاصداً حلقات اللغة في علومها المختلفة، من نحو وصرف وأدب وبلاغة وما إلى ذلك.
وتتلمذ الشيخ في علوم العربية على كبار أساتذتها وعلمائها في دمشق آنذاك، منهم الشيخ صالح الفرفور، والشيخ عارف الدوجي، اللذان كانا من تلاميذ علامة الشام في عصره الشيخ بدر الدين الحسني الشيخ سليمان الغاوجي الألباني، فقرأ عليهم أشهر مصنفات اللغة والبلاغة العربية؛ منها: شرح ابن عقيل، و(كافية) ابن الحاجب، و(المفصل) للزمخشري، و(شذور الذهب) لابن هشام، وأسرار البلاغة و(دلائل الإعجاز) للجرجاني.
بعد هذه الرحلة الطويلة مع العربية، اتجه الشيخ لدراسة الفقه الإسلامي، فلزم أكثر من شيخ يقرأ عليه كتب الفقه، ولا سيما تلك المصنفة في الفقه الحنفي، مثل: (مراقي الفلاح) للشرنبلالي، و(الاختيار) للموصلي، و(الكتاب) للقدوري، وحاشية ابن عابدين. استغرقت دراسته للفقه سبع سنوات أخرى، تخللها دراسة أصول الفقه، وتفسير القرآن، ومصطلح الحديث، وكتب الأخلاق، وكان قد جاوز الثلاثين.
ولمس الشيخ - في أثناء دراسته للفقه - القصور الواضح في معرفة صحيح الحديث من سقيمه، وذلك جعله يدرك أهمية التخصص في علم السنة ليتسنى تحقيق كتبها، ومن ثم تمييز صحيحها وضعيفها، فعقد العزم على الاضطلاع بهذه المهمة الصعبة، فترك لأجلها مهنة تدريس اللغة العربية التي كان يزاولها منذ سنة 1955م، وفرّغ نفسه للاشتغال بتحقيق التراث العربي الإسلامي.
وكانت بدايته الأولى في (المكتب الإسلامي) بدمشق سنة 1958م، حيث رأس فيه قسم التحقيق والتصحيح مدة عشرين عاماً، حقق فيها أو أشرف على تحقيق ما يزيد على سبعين مجلداً من أمهات كتب التراث في شتى العلوم. ثم بدا له أن ينتقل إلى العمل مع مؤسسة الرسالة في مكتبها بعمان سنة 1982 م، ليترأس من جديد قسم تحقيق التراث التابع لها.
ولعل ما كتبه بشار عواد معروف في مقدمته لكتاب «سير أعلام النبلاء» في معرض حديثه عن تحقيق الكتاب، يجلي نواحي مهمة من طبيعة العمل الذي نهض به الشيخ الأرناؤوط في قسم تحقيق التراث بالمؤسسة.
ومن أبرز تحقيقات الشيخ شعيب:
شرح السنة للبغوي 16 مجلداً.. روضة الطالبين للنووي، بالاشتراك مع الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، 12 مجلداً.. (مهذب الأغاني) لابن منظور، 12 مجلداً.. المبدع في شرح المقنع لابن مفلح الحنبلي، عشرة مجلدات.. زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي، بالاشتراك مع الشيخ عبد القادر الأرناؤوط تسع مجلدات.. سير أعلام النبلاء للذهبي 25 مجلداً.. سنن الترمذي 16 مجلداً.. سنن النسائي 12 مجلداً.. سنن الدارقطني خمسة مجلدات.. مسند الإمام أحمد بن حنبل خمسين مجلد.. تاريخ الإسلام للذهبي بالتعاون مع بشار عواد.
رحم الله الشيخ شعيب، فقد كان سريع البديهة، طيّب المعشر، لطيف الصحبة من خلال سكني معه في شقة واحدة وخلال عملنا في المكتب الإسلامي، فهو لا يضيع دقيقة واحدة بدون انتاج، من أعمال التحقيق أو قراءة القرآن أو العمل المنزلي. يكفي أن استشهد بكلام الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله حين قال: هل عرفت فلاناً؟ قال: نعم. قال: هل أكلت معه؟ قال: لا، قال: هل سافرت معه؟ قال: لا، قال: هل سجنت معه قال: لا، قال: إذن لم تعرفه.. وقد عرفت الشيخ يقيناً في كل هذه المواقع. رحم الله الشيخ شعيب وأسكنه فسيح جنانه.