العدد 1559 /19-4-2023

تسعة عشر عاما مرت على رحيل القائد الاستثنائي والطبيب الثائر، عبد العزيز الرنتيسي، لكن كلماته وإرثه المقاوم ظل حاضراً وحياً في الذاكرة الفلسطينية، وهو الذي خط طريق المقاومة بدمائه وتضحياته لتكون نبراسا يضيء الطريق لمن خلفه من الأبطال والمجاهدين.

"إن عدونا لا يفهم إلا لغة واحدة، هي لغة الحراب”، "وإن ألفي قذيفة من كلام لا تساوي قذيفة من حديد”، "وإن الطريق الوحيد الذي يفهمه العدو هو طريق الرشاش”، كلمات الرنتيسي هذه ظلت حية في الذاكرة الوطنية لشعبنا الفلسطيني الذي يخوض مواجهة مفتوحة مع الاحتلال الصهيوني لم تتوقف.

واستشهد أسد فلسطين الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، بقصف طائرات الاحتلال الحربية لسيارته بمدينة غزة، حيث ارتقى شهيداً، رفقة اثنين من مرافقيه.

وُلِد القائد الدكتور عبد العزيز علي عبد الحفيظ الرنتيسي في 23/10/1947 في قرية يبنا الواقعة بين عسقلان ويافا، ولجأت أسرته بعد حرب 1948 إلى قطاع غزة، واستقرت في مخيم خانيونس للاجئين وكان عمره وقتها ستة شهور.

التحق بمدارس وكالة الغوث واضطر للعمل أيضاً وهو في هذا العمر ليساهم في إعالة أسرته الكبيرة التي كانت تمرّ بظروف صعبة.

أنهى دراسته الثانوية عام 1965، وتخرّج من كلية الطب بجامعة الإسكندرية عام 1972، ونال منها لاحقاً درجة الماجستير في طب الأطفال، ثم عمِل طبيباً مقيماً في مستشفى ناصر في خانيونس عام.

والرنتيسي متزوّج وأب لستة أطفال (ولدان وأربع بنات).

شغل الدكتور الرنتيسي عدة مواقع في العمل العام منها عضوية هيئة إدارية في المجمع الإسلامي، والجمعية الطبية العربية بقطاع غزة (نقابة الأطباء)، والهلال الأحمر الفلسطيني.

وعمِل في الجامعة الإسلامية في غزة منذ افتتاحها عام 1978 محاضراً يدرّس مساقاتٍ في العلوم وعلم الوراثة وعلم الطفيليات.

مسيرة جهادية مشرفة

اعتقل عام 1983 بسبب رفضه دفع الضرائب لسلطات الاحتلال، وفي 5/1/1988 اعتُقِل مرة أخرى لمدة 21 يوماً.

أسّس مع سبعة آخرين من قيادات الإخوان المسلمين في قطاع غزة تنظيم حركة المقاومة الإسلامية "حماس” عام 1987.

اعتقل مرة ثالثة في 4/2/1988 حيث ظلّ محتجزاً في سجون الاحتلال عامين ونصف على خلفية المشاركة في أنشطة معادية للاحتلال الصهيوني، وأطلق سراحه في 4/9/1990، واعتُقِل مرة أخرى في 14/12/1990 وظلّ رهن الاعتقال الإداري عاما.

أُبعِد في 17/12/1992 مع 416 شخصٍ من نشطاء وكوادر حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى جنوب لبنان، حيث برز كناطقٍ رسمي باسم المبعدين الذين رابطوا في مخيم العودة بمنطقة مرج الزهور لإرغام الكيان الصهيوني على إعادتهم.

اعتقلته قوات الاحتلال الصهيوني فور عودته من مرج الزهور وأصدرت محكمة صهيونية عسكرية حكماً بالسجن حيث ظلّ محتجزاً حتى أواسط عام 1997.

كان أول من اعتُقل من قادة الحركة بعد إشعال حركته الانتفاضة الفلسطينية الأولى في التاسع من ديسمبر 1987، ففي 15/1/1988 جرى اعتقاله 21 يوماً بعد عراكٍ بالأيدي بينه وبين جنود الاحتلال الذين أرادوا اقتحام غرفة نومه فاشتبك معهم لصدّهم عن الغرفة، فاعتقلوه دون أن يتمكّنوا من دخول الغرفة.

خرج الدكتور عبد العزيز الرنتيسي من المعتقل ليباشر دوره في قيادة حماس التي كانت قد تلقّت ضربة مؤلمة من السلطة الفلسطينية عام 1996، وأخذ يدافع بقوة عن ثوابت الشعب الفلسطيني وعن مواقف الحركة، ويشجّع على النهوض من جديد.

ولم يرقْ ذلك للسلطة التي اعتقلته بعد أقلّ من عامٍ من خروجه من سجون الاحتلال وذلك بتاريخ 10/4/1998 وذلك بضغطٍ من الاحتلال كما أقرّ له بذلك بعض المسؤولين الأمنيين في السلطة وأفرج عنه بعد 15 شهراً بسبب وفاة والدته وهو في المعتقلات الفلسطينية.

أعيد للاعتقال بعدها ثلاث مرات ليُفرَج عنه بعد أن خاض إضراباً عن الطعام وبعد أن قُصِف المعتقل من قبل طائرات العدو الصهيوني وهو في غرفة مغلقة في السجن المركزي في الوقت الذي تم فيه إخلاء السجن من الضباط وعناصر الأمن خشية على حياتهم، لينهي بذلك ما مجموعه 27 شهراً في سجون السلطة الفلسطينية.

تمكن الدكتور الرنتيسي من إتمام حفظ كتاب الله في المعتقل وذلك عام 1990 بينما كان في زنزانة واحدة مع الشيخ المجاهد أحمد ياسين، وله قصائد شعرية تعبّر عن انغراس الوطن والشعب الفلسطيني في أعماق فؤاده، وهو كاتب مقالة سياسية تنشرها له عشرات الصحف.

في مواجهة الموت

وضع الاحتلال الرنتيسي على رأس قائمة الاغتيالات لما شكله من حالة ثورية ونضالية واسعة، إلا أن تهديدات الاحتلال المتواصلة لم ترهبه، فقد ترجمت كلماته حبه للشهادة، وتحديه الأسطوري لقادة الاحتلال.

تعرض قائد حركة حماس في قطاع غزة الدكتور عبد العزيز الرنتيسي لثلاث محاولات اغتيال، قال عقب إحدى هذه المحاولات في رسالة تحدٍ واضحة: "ليفلعوا ما يشاؤون، ليقصفوا سياراتنا، بيوتنا، ليغتالونا، ولكن نعاهد الله ثم نعاهدكم أن نمضي قدمًا في مسيرتنا حتى نحرر ثرى الوطن من دنس الصهاينة الغاصبين”.

في الرابع والعشرين من آذار (مارس) 2004، وبعد يومين على اغتيال الشيخ أحمد ياسين، اختير الدكتور الرنتيسي زعيماً لحركة "حماس” في قطاع غزة، خلفاً للشيخ المجاهد أحمد ياسين.

وفي رده على تهديدات الاحتلال باغتياله قال الرنتيسي خلال مقابلة صحفية: "هل نحن خائفون من الموت! إنه الموت سواء بالقتل أو بالسرطان، نحن جميعًا ننتظر آخر يوم في حياتنا، لن يتغير شيء، سواء كان بالأباتشي أو بالسكتة القلبية، الموت واحد.. وأنا أفضل الأباتشي”.

وإلى أقصى ما تمنّاه، ولطالما ردد الشهيد القائد الدكتور أنه يفضل الشهادة بطائرات "الأباتشي” الصهيونية، بدلاً عن الموت بمرض، فكان له ما أراد.

ففي تاريخ 17/4/2004 طائرات حربية صهيونية من النوع التي أرادها القائد الرنتيسي، استهدفته وعدد من مرافقيه، فاستشهد مع اثنين من مرافقيه، ليخرج قطاع غزة عن بكرة أبيه يودع القائد المجاهد المؤسس في زفاف مهيب يليق به وبجهاده.