الشيخ نزيه مطرجي

ما في الخلق داءٌ أكبر عند الله مَقتاً، وأشدُّ في الناس فَتكاً من النفاق! إنه انحراف خطير ووَبالٌ مُستطير، إذا ما أصاب الأمةَ كان كالنار التي تأكُل الأخضرَ واليابِس وتَجعل رُبوع البلاد دَوارس!
حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من فتنة المنافقين، وأَشفَقَ على أمته من ظُهور أهلِ النفاق فيهم، فقال: «إني لا أتخوَّفُ عليكم مُؤمناً ولا مُشركاً، فأما المؤمن فيُحجُزه إيمانه، وأما المشرك فيقْمَعُه كُفره، ولكن أخاف عليكم مُنافقاً عالِم اللسان يقول ما تعلَمون، ويعملُ ما تُنكِرون» رواه الطبراني والبزار.
فالمنافق الـمُخالط أشدُّ خَطراً على أهل الإيمان من العَدُوِّ المحارب، لأنه يقوم بالهدم والإفساد من الداخل وهو آمِنٌ مُستأمِن، لا تُلاحِظُه العُيون ولا تَكشِفُه المدارك والعُقول. إن الجواسيس الذين يلبسون أثواب الصُّحبةِ والصداقة هم شرٌّ من الجيوش الـمُحاربة لأنهم يمكرون من مواقع الأمن والأمان، أما العدوّ فإنه يحارب من مواقع الحذر والخَطر!
إنَّ عَبْدَ الله بْنَ أُبَيّ بن سلول الذي كان يعيش في أكْنافِ المسلمين، ويحضر صلاة الجماعة مع المسلمين ما عدا الصلاة الثقيلةَ على المنافقين وهي صلاةُ الفجر والعِشاء، هو أشدُّ خطراً وأعظمُ ضرراً من صناديد قريش كأبي جهْل وأبي لهب!
إن السامريَّ الذي كان من أشياعِ موسى عليه السلام وفي عِداد جيشه الذي أَغرى بني إسرائيل فأخْرَج لهم عِجْلاً جسداً له خُوار، ودعاهم إلى عبادته، هو أشدُّ بأساً وعداءً من عابِد الحجر الفرعوني.
ولِعِظَم خَطَرِ النِّفاق الذي يَتهدَّد الأُمَم ويأتي بُنيانَها من القواعد، قد أفاض القرآن الكريم في بَيان صِفات المنافقين وظواهِرهم السُّلوكِية الشّاذَّة في سورةِ البقرة والنساء، وفي سورة التوبة الفاضِحة حتى عرَّى المنافقين من كُلِّ أَرْدِية الخِداع التي يتَستَّرون بها، ونَزَع عن وُجوههم أقنعة الزَّيف التي يحجبون بها نِفاقهم.
ومما يوجِب التأمُّلَ أن كلام الله في أوائل سورة البقرة جاء عن المؤمنين في ثلاث آيات، وعن الكافرين الصُّرَحاء في آيتين، وأما عن صفات المنافقين فقد جاء في ثلاث عشرة آية! وذلك يدلُّ على مخاطر كيدهم ومَكرهم وهم مخالطون مُداخلون! وقد أوضَحَت السنة الـمُطَهّرة لنا علامات المنافقين، فهم يتحدثون فيكذبون، ويقولون ولا يفعلون، ويعِدون فيخلِفون، ويُؤتَمَنون فيَخُونون، ويُخاصِمون فيَفجُرون، ويجعلون التَّقِية دِينَهم وشعِيرتهم في علاقاتهم ومُعاملاتهم؛ ومن علاماتهم أنهم يتَّخِذون وَجهَين ولسانين!
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم عُقوبة مَن يكون ذلك في قوله: «تجدون شرَّ الناس يوم القيامة ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه» متفق عليه. ويقول: «مَن كان له وجهان في الدنيا كان له لسانان من نار يوم القيامة» رواه أبوداود.
ومن أماراتهم أنهم يُشِيعُون السِّيئات، ويدفنون الحسنات، فكلما رأوا سيئة أذاعوها لأن من طباعهم أنهم يطلبون العيوب ويفضحون السوءات. يقول الشاعر:
          إن يسْمعوا ريبة طاروا بها فرَحاً      عنّي وما سمعوا من صالحٍ دفنوا
إن على أهل النفاق أن ينتظروا أشد صنوف العذاب الأليم بما يتوافق مع كُفرِهم وكثرة غَوائلهم، وأذِيَّتِهم بالمسلمين.
يقول ابن عمر رضي الله عنه: «إن أشدَّ الناسِ عذاباً يوم القيامة ثلاثة: المنافقون، وتصديق ذلك: {إنَّ المنافقينَ في الدَّرْكِ الأسْفلِ من النارِ ولَنْ تَجِدَ لهُم نَصيراً} النساء-145، ومَن كفر من أصحاب المائدة، وآل فرعون.
فحذار أن تهبَّ عليك رياحٌ تحمِل بُذُورَ الشِّقاق وجراثيمَ النِّفاق، ولو كانت آتيةً من مَواقِع الأمْن والأمان من قائدك أو أستاذك أو مؤدِّبِك، أو مُخالطِك أو شريكِك.. كي لا تصبح في زُمرة المنافقين الذين يستبدلون الدنيا بالدين والضلالَ باليقين.. فيا غوثنا من هذا السَّقام! ويا ويلَنا من هذا الداء العَقام!>