الشيخ نزيه مطرجي

إن للتاجر الصَّدُوق مَنزِلةً رفيعة يتسابقُ إلى بلوغِ شَرَفها المؤمنون، قد بَشَّر بها النبي صلى الله عليه و سلم في قوله: «التّاجر الصَّدُوق الأمين مع النبيِّين والصِّدِّيقين والشُّهداء» رواه الحاكم والتِّرمذي.
إن التجارة خَدَّاعةٌ غَرَّارة، تُغري صاحبها بالطَّمع، وتسوقُه إلى الجَشع! وتجعل خَوْفَ التاجر مثل أمعاء الذي يأكل ولا يشْبَع!
خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الـمُصلّى يوماً فرأى الناس يتبايعون فقال: «يا معشَر التُجّار! فاستجابوا ورَفعوا أعناقهم وأبصارَهم إليه، فقال: إن التُجار يُبْعثون يومَ القيامة فُجاراً، إلاّ من اتّقى الله وبَرَّ وصَدَق» رواه الترمذي.
إن المؤمن مأمور بأن لا يَضُرَّ بإخوانِه، وبأن يُحبَّ لهم ما يُحبُّ لنفسه، وأن يستويَ عنده دِرهمه ودِرهمُ أخيه، وأن لا يترُكَ النُّصح لكلِّ مُسلم؛ فينبغي عليه أن لا يتكبَّر بالثناء على سِلعته، وأن لا يُبالِغ في الإطناب، وعليه أن يَتَحفَّظ في الحَلِف.
لقد نهى الشارعُ البائعَ عن الحَلِف والإكثار منه، فقال النبي صلى الله عليه و سلم: «إيّاكم وكثرةَ الحلف فإنه يُنَفِّقُ ثم يَمحَق» رواه مسلم، أي أنه يُروِّج السِّلَع، ثم يُسبِّبُ نقصَ الكَسب والمال! فإن كان البائع الذي يَبني أمْرَه على الحَلِف صادقاً فقد جعلَ اللهَ تعالى عُرضةً لأَيْمانِه، وأساء في ذلك، إذ الدُّنيا أحقَرُ من أن يقصُدَ ترويجها بذِكْر اسمِ الله من غير ضرورة، وفي الخَبَر: ويلٌ للتاجر من: لا والله، وبلى والله! وإن كان يحلِف كاذباً فإنه يُحدِثُ أمراً خطيراً، ويوقعُ شراً مُستطيراً.
لقد نبَّه  النبيّ صلى الله عليه و سلم إلى خُطورة هذا الفُجور حين قال لأصحابه: «إن التُّجارَ هم الفُجّار! قالوا: يا رسول الله! أليسَ قد أحلَّ الله البَيع؟ قال: بلى ولكنهم يَحْلِفون فيَأثَمون، ويُحدَّثون فيَكذِبون» رواه أحمد. والله تعالى يقول: {إن الذين يشترون بعَهْدِ اللهِ وأَيْمانِهم ثمناً قليلاً أولئكَ لا خَلاقَ لهم في الآخرة} آل عمران-77.
إن اليمين الكاذبة في التجارة هي من كبائر الإثم، وهي يمينٌ غَموسٌ، ليس لها كفارة عند أكثر الفُقَهاء لِعِظَم وِزرِها، فهي تَغمِسُ صاحبَها في الإثم! وقد شدد النبي صلى الله عليه و سلم على مقترفها النَّكير، وألحَّ عليه بالتحذير فقال: «ثلاثةٌ لا يَنظُر الله إليهم يومَ القيامة: المنّان والـمُسْبِل إزاره (بداعي الخُيَلاء) والـمُنفِقُ سِلعته بالحلِف الكاذب» رواه مسلم.
نَدَب النبي صلى الله عليه و سلم التُّجار إلى الإكثار من البَذْلِ والإنفاق في وجوه الخير، لأن الغالبَ عليهم التَّهالكُ على تَرويجِ السِّلع بما يُنَفِّقُها لهم من أيْمان اللغْو، والأَيمان الكاذبة، فهُم يحتاجون إلى محوِ السَّيِّئات بالحسنات، وصقلِ القلوب بالصَّدقات، فقال: «يا مَعشَر التَجار! إن البَيع يَحضُرُه اللَّغوُ والكذِب، فشوبوهُ بالصَّدَقة» رواه أبو داود.
لقد غاضَ في زماننا الصِّدق، وفاضَ الكذب، واتَّسَعت المساوِفُ بين التاجر الأمين الصَّدُوق، وبين التاجر الخائن الكَذوب، ولقد طال بالكذب الرِّضاع، فمتى يكون الفِطام؟ فلا يَنْبُذَنَّك بالحُطَمة هذا الحُطام؟!
وما ثمَّ دواءٌ من هذا البلاء إلا بأن نُهِلَّ بالدخول في سُنَّة الهادي الرسول عليه الصلاة والسلام.
ألا فَلْيَحذَر التاجرُ كثرة الحلِف فإنه مَدعاةٌ إلى الخسار! فلْيتَّقِ شرَّ الكذب فإنه آفة التُّجار!