العدد 1442 / 23-12-2020

بعد ثلاث سنوات من المماطلة أصدرت المحكمة العسكرية حكمها بقضية الرشاوى في الكلية الحربية، فحكمت بسجن عدد من المتهمين ومن بينهم ضباط سابقون وتغريمهم بدفع مئات الملايين. هذه القضية كشفت شبكة من الأشخاص كانوا يتلقون مبالغ مالية طائلة مقابل تأمين قبول مرشحين للدخول إلى المدرسة الحربية.

قد يبدو الحكم الصادر مسيئاً لصورة المؤسسة العسكرية، وهو ما دأبت على تجنّبه قيادة الجيش سابقاً بذريعة الحفاظ على هيبة الجيش والحرص على معنويات العسكريين. لكن الواقع هو أن الحكم أكد للبنانيين أن ثقتهم بالمؤسسة العسكرية في محلّها، وأنّ هذه المؤسسة تعمل على تنقية صفوفها من المخطئين ومحاسبة المخالفين من أفرادها. فأبناء المؤسسة العسكرية من ضباط ورتباء وعناصر ليسوا ملائكة، هم بشر يخطئون ويضعفون ويرتكبون المخالفات، وهي أمور يدركها اللبنانيون ويلمسونها كل يوم من خلال احتكاكهم بأفراد الجيش، لكن الجديد هو أن هذه المؤسسة تخلّت عن مكابرتها وإهمالها للأخطاء التي يرتكبها أفرادها، وحرصت على محاكمتهم وإدانتهم وإعلان الحكم للرأي العام كي يدرك اللبنانيون أن لا أحد "فوق رأسه ريشة".

فقد كان بإمكان المؤسسة العسكرية ببساطة أن تقوم بلفلفة الملف بصمت، أو أن تماطل بإجراءاته القضائية، أو أن تقوم بمحاسبة الفاعلين ضمن أطرها التأديبية الداخلية بعيداً عن المحاكمة القضائية العلنية، خاصة أن المحكمة العسكرية تقع تحت سلطة قيادة الجيش. لكن هذه المؤسسة بادرت لإعادة تحريك الملف وصولاً لإصدار الحكم على المدانين. فالحكم الصادر بالإدانة لعسكريين لايشكل إساءة لسمعة المؤسسة العسكرية. على العكس، هو يعطي مؤشراً على حرص قيادة الجيش على تصحيح الأخطاء حين تحصل، ومعاقبة المخطئين من بين صفوفها. فهيبة المؤسسة ليست مرتبطة بخطأ ارتكبه فرد من أفرادها، بل مرتبطة بتقدير واحترام اللبنانيين لهذه المؤسسة لأنهم يدركون بأنها من المؤسسات القليلة ان لم تكن الوحيدة التي تجمعهم حولها. كما أن معنويات العسكريين لن تتأثر بما حصل بل ستتعزّز طالما أن الحساب والعقاب طال المخطئين والمذنبين دون غيرهم.

الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية يجب أن لايبقى يتيماً، بل يجب أن تتبعه أحكام للعديد من الملفات الأخرى التي تدين أفراد من المؤسسة العسكرية، وأن لاتقتصر المحاسبة على إجراءات داخلية تأديبية لايسمع بها اللبنانيين. كما أن ما تقوم به قيادة الجيش من تجرد وشفافية يجب أن لايقتصر عليها، بل يجب أن تنتقل عدواها إلى جهات وإدارات وهيئات أخرى في الدولة، ولعلّ أهمّها القضاء. فالفساد والرشاوى في السلطة القضائية من الأمور المعروفة والشائعة بين الناس، وليس أدلّ على ذلك تصريح وزير الداخلية قبل أسابيع من أن 95% من القضاة فاسدون. صحيح أن هناك قضاة شرفاء نزيهون لكن في المقابل هناك قضاة فاسدون مرتشون يجب محاسبتهم ومعاقبتهم وطردهم من سلك القضاء.

فكما أن أفراد المؤسسة العسكرية بشر يخطئون ويصيبون، كذلك القضاة، بينهم من فاحت رائحة الفساد من مكاتبه، يعرف جميع المراجعين في المحاكم أسماءهم وصفاتهم، والرشاوى التي يتقاضونها والفساد الذي هم غارقون فيه. السلطة القضائية مطالبة بدورها بإجراء عملية تطهير داخلي لصفوفها، بأن تطرد من بينها الفاسدين والمرتشين وأن تحاكمهم. مطلوب من مجلس القضاء الأعلى أن يصدّر القضاة الأكفّاء والنشيطين والنزيهين لتبوّأ المناصب الهامة في القضاء، وأن يقوم بإهمال وتنحية القضاة الفاسدين الذين ما كان لهم دخول سلك القضاء لولا المرجعية السياسية التي يتبعون لها أو الواسطة التي استخدموها.

تطهير صفوف القضاء لن يؤثر في هيبته ولن يسيء لمعنويات القضاة. بل سيعيد ثقة اللبنانيين بالقضاء ويضيء صفحة القضاة الشرفاء بعيداً عن عفن القضاة الفاسدين.

أوّاب إبراهيم