العدد 1493 /29-12-2021

منذ بدأت العلاقة بين حركة حماس وإيران، والأخيرة لا تألو جهداً لاستمالة الحركة لصفها، والسعي لاستغلال مكانتها وحضورها وشعبيتها لدى الجماهير. هذه الجهود كانت دائماً تصطدم بإصرار الحركة على استقلاليتها، والعمل لتحقيق مصلحة شعبها وأمتها، لا مصلحة الآخرين. لذلك، مرت العلاقة بين الجانبين بفترات حرارة وفترات برود. لكن المنعطف الأكثر بروداً كان في خروج حركة حماس من سوريا بعد أشهر من اندلاع الأزمة فيها. حالة الجفاء أراد رجال طهران تجاوزها، لأن استمرار مقاطعة أكبر وأهم وأقوى مقاومة تواجه العدو الإسرائيلي، يضع طهران في موقف حرج وهي التي تنادي صباح مساء بالوقوف إلى جانب فلسطين والفلسطينيين، ويكشف عن خواء الشعارات التي ترفعها. فكان المخرج بالعزف على وتر تحميل فريق أو شخص في الحركة مسؤولية خروج حماس من سوريا وتبرئة الآخرين. وعملت على مقاطعة هذا الفريق والضغط عليه ومحاصرته، وتسعى لإفشال جولاته وزياراته، فيما تفتح أحضانها وجيوبها لآخرين. لكن الحقيقة التي تدركها إيران جيداً لكنها تطمس رأسها في الرمال حيالها، هو أن قرار خروج الحركة من سوريا لم يكن قرار فريق ولا قرار شخص، بل قرار اتُّخذ بالإجماع من قيادة الحركة مجتمعة، بمشاركة قطاع غزة والضفة الغربية وقيادة السجون بالإضافة لقيادة الخارج. وعليه، فإن محاولة إيران التصنيف والتمييز بين قيادي وآخر، والترحيب والتهليل لاستقبال فريق ومقاطعة ومحاصرة فريق آخر هو مخرج ساذج لاستعادة الحرارة مع الحركة. طبعاً بالإضافة لمساعيها التي لم تتوقف يوماً لمحاولة شقّ صفوف حماس، واستمالة ضعاف النفوس لصالحها بعيداً عن مصالح الحركة. وبالمناسبة فإن هذه المساعي هو ديدن "الإخوة" في إيران وحلفائها ليس مع حركة حماس فقط، بل مع جميع أصدقائها وخصومها، وربما الأصدقاء أكثر من الخصوم. فاختراق الصفوف وشراء الذمم والإسقاط لعبة يتقنها رجال إيران جيداً، وربما لم تسلم جماعة أو حركة أو حزب في لبنان أو فلسطين أو العراق من مساع طهران للاختراق والاستمالة. يبدعون بنسج العلاقات الخلفية، يحترفون التسلل، ويمتازون بتجاوز القيادات الشرعية المنتخبة.

بعيداً عن السقوط الأخلاقي والشرعي والسياسي لهذا الأداء، فإن ما تقوم به إيران وحلفاؤها بمحاولة اختراق حركة حماس والسعي لإيجاد شرخ أمر يمكن فهمه وتشخيصه. فليس أفضل لإيران، من اختراق واستمالة والهيمنة على قرار أهم وأقوى وأكبر حركة مقاومة "سنيّة" تحظى باحترام وتعاطف من الملايين على امتداد العالمين العربي والإسلامي. فهم هذه المساعي وإدراك مراميه يجب أن يدفع حركة حماس، للحرص أكثر من أيّ وقت مضى على رصّ الصفوف والتماسك، وأن يكونوا يداً واحدة، وموقفاً واحداً، وسنداً لبعضهم، وذوداً عن بعضهم في مواجهة محاولات التفريق، ورفض أي تسليم أو خضوع للتمييز في التعامل مع قيادة الحركة.

فحماس هي واحدة لاحماسات وستظل كذلك. حماس الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي والمهندس إسماعيل أبو شنب. حماس كتائب القسام بقادتها إبراهيم المقادمة وصلاح شحادة ويحيى عياش وعماد عقل وآخرين. حماس المقاومين في غزة، والمنضالين في الضفة، والأسرى الصابرين في السجون، والمؤيدين والمناصرين والجماهير في الخارج. هي حماس التي عجز العدو الإسرائيلي عن شقّها واختراق صفوفها، وما عجزت عنه "إسرائيل" لن تكون لقمة سائغة أمام "سيد" من هنا أو "حاج" من هناك. وإذا ظهر ما يوحي ببعض التباين، فإن معظمه صدر من فريق حريص على الحركة وغيور على مصالحها، مضلَّل (بفتح اللام). هذا الفريق سرعان ما ستتكشّف أمامه الحقيقة، وسيُدرك أن حرصه وغيرته الصادقتين تم استغلالهما من بعض المضلِّلين (بكسر اللام).

أوّاب إبراهيم