بقلم: أواب إبراهيم

دون سبب وجيه، عادت إلى الواجهة معاناة الموقوفين الإسلاميين في السجون اللبنانية، فأعلن مئات الموقوفين الإسلاميين الإضراب عن الطعام، في محاكاة للإضراب الذي بدأه الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، وتزامن ذلك مع تحركات في الشارع نشطت في الآونة الأخيرة، يقودها ذوو الموقوفين بدعم ومساندة من هيئات وجمعيات إسلامية رغم قِدم مظلمة الموقوفين الإسلاميين، إلا أن الحديث عن العفو العام لم يبدأ معهم. فالأمين العام لحزب الله أشار في كلمة له قبل أشهر إلى أن العمل جار مع الجهات المعنية للوصول إلى مخرج قضائي ينهي الملاحقات القضائية بحق مئات المطلوبين من أبناء منطقة البقاع المتهمين بجرائم مختلفة، أبرزها الاتجار بالمخدرات. يومها استبشر أهالي الموقوفين خيراً، فهم يدركون أن كل المكتسبات التي يجنيها طرف لا بدّ أن تستفيد منها أطراف أخرى، وإذا كان العفو العام سيشمل السارقين والقتلة وتجار المخدرات من أبناء منطقة البقاع، فمن المنطقي والأولى أن يشمل مئات الموقوفين الذين يعانون في السجون منذ سنوات دون صدور أحكام تدينهم. فالعفو العام الذي صدر عام 1991 شمل جميع اللبنانيين من جميع الطوائف، والعفو العام الذي صدر عام 2005 شمل إطلاق سراح سمير جعجع (المسيحي) في مقابل إطلاق سراح موقوفي أحداث الضنية ومجدل عنجر (المسلمين). 
مظلمة الموقوفين الإسلاميين ليست جديدة ولا طارئة، فهي تزيد على ثلاثة عقود، وقد تشكلت منذ سنوات طويلة لجنة أهالي الموقوفين الإسلاميين مؤلفة من عدد من المحامين والحقوقيين، وكذلك أهالي الموقوفين اعتادوا القيام بجولات متواصلة على الفعاليات السياسية والدينية والقضائية، سعياً لرفع المظلمة عن الموقوفين وتخفيف الإجراءات التعسفية بحقهم والتسريع بمحاكمتهم. لكن لا حياة لمن تنادي، فكل ما كانت تجنيه هذه اللجنة  هو فنجان الشاي الذي يُقدم لهم، مع كلام معسول بالتضامن والأسى لما يعانيه الموقوفون، دون أي مسعى حقيقي لتطبيق القانون ورفع الغبن اللاحق بالموقوفين، ووقف سياسة الانتقام والحقد التي تمارس بحقهم. لكن الجديد هذه المرة، أن الطبقة السياسية انتبهت لمأساة الموقوفين، وبدأت تتعاطى مع المسألة بطريقة مختلفة، فعيّن وزير الداخلية مستشاراً خاصاً لمتابعة الأمر، كما نشطت الفعاليات الشعبية المطالبة بإصدار عفو عام عن الموقوفين. وقد انضم مؤخراً مفتي الجمهورية إلى هذا الاهتمام، فطالب في كلمة ملفتة له قبل أيام بإقرار قانون العفو العام لإنهاء مظلمة الموقوفين الإسلاميين، مطالباً بعدم استثناء أحد منهم، الأمر الذي فُهم منه شمول الشيخ أحمد الأسير. يأتي هذا الموقف رغم أن لجنة أهالي الموقوفين قامت بعشرات الزيارات لسماحته، وكان في كل مرة يؤكد لهم وقوفه إلى جانبهم، وأنه سينقل هواجسهم للسياسيين، لكن شيئاً من هذا لم يقع.
الوزير السابق أشرف ريفي، وكما في كل الاستحقاقات المشابهة، ركب -كعادته- الموجة، فأصدر بياناً حمّل فيه السلطة المسؤولية عما يجري في سجن رومية، مطالباً بتسريع محاكمات الموقوفين الإسلاميين. علماً أن ريفي تقلّد مناصب كانت تسمح له بتقديم الكثير للموقوفين الإسلاميين لكنه لم يفعل، سواء حين كان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي وكان سجن رومية تحت إدارته، وكان بإمكانه حينها تطبيق القانون في منع التعذيب ومنح الموقوفين حقوقهم، أو حين كان وزيراً للعدل ويملك حينها تحريك القضاء للإسراع بالمحاكمات وإخلاء سبيل من لم تثبت عليه التهم. وعوض ذلك، يصبّ جهده على إصدار البيانات وتحميل المسؤوليات للآخرين.
السؤال الآن، ماذا عدا وما بدا حتى بات الاهتمام بالموقوفين الإسلاميين جدياً وحقيقياً، وما الذي تغيّر، فالمظلمة قديمة، والانتهاكات التي تعرض لها -وما زال- الموقوفون الإسلاميون ما زالت على حالها، والمؤكد أن الطبقة السياسية لم تصب بصحوة ضمير مفاجئة دفعتها إلى التحرك لإنهاء مظلمة الموقوفين الإسلاميين، فما الذي يختبئ وراء هذه النخوة المفاجئة? وهل يكون إصدار عفو عام يشمل الموقوفين الإسلاميين والمطلوبين رافعة للقوى السياسية ترفع أسهمها في الانتخابات النيابية؟!>