بقلم: أواب إبراهي

يتابع كثير من اللبنانيين خلال شهر رمضان المبارك برنامج «الصدمة» الذي تعرضه قناة MBC. فكرة البرنامج -لمن لايعرف- تقوم على وجود كاميرا خفيّة تصور ردّة فعل المارة على حادث إنساني محدد يتم صنعه. مرة تكون القصة تتعلق بمعاملة الزوجة لحماتها بالخشونة والجفاء، ومرة أخرى بطرد بائع لطفل يتوسل لباساً يقيه البرد، ومرة ثالثة لشاب يقوم بالتحرش بفتاة، وهكذا.. وكل حلقة من حلقات البرنامج تستعرض ردات فعل الناس في أكثر من قطر عربي. والصدمة التي تمت عنونة البرنامج على أساسها تقوم على شعور الناس بالصدمة مما يجري حولهم، فتتنوّع ردود أفعالهم، بين من يتجاهل الأمر، ومن يحاول التدخل بلطف، ومن يتدخل بشكل عنيف.
كل ما سبق كان ضرورياً للتمهيد لإحدى حلقات البرنامج التي عُرضت قبل أيام. يقف أحد الممثلين متظاهراً أنه صاحب بسطة لبيع الملابس في الشارع، وينادي مروّجاً لبضاعته على أنها الأجود والأرخص، فيبدأ بعض المارة  بالوقوف متفحصين الملابس المعروضة، حينها يخبر البائع الزبون أن هذه الألبسة ذات جودة عالية، وهي صناعة «إسرائيلية»، هنا يفترض أن تقع الصدمة. كان متوقعاً رصد علامات الاستنكار والغضب والاستياء من الزبائن، لكن الصدمة كانت عكسيّة، فمعظم الزبائن تعاملوا مع الأمر بشكل عادي، ولم تصدر عنه ردود فعل نافرة، بل إن بعضهم شكلت معرفتهم بأن الألبسة إسرائيلية دافعاً إضافياً لتفحصها وقياسها. ولم نشهد ردات فعل سلبية إلا حين قام ممثل آخر بالتشاجر مع البائع لأنه يبيع بضاعة إسرائيلية، حينها انتبه البعض لخطورة الأمر، بينما تولى آخرون إقناع الممثل الآخر بعدم أهمية ما يقول، وأن زمن الصراع مع «إسرائيل» انتهى، وأنه لا فائدة من المقاطعة الاقتصادية..
رغم أن ما سبق يندرج ضمن برنامج تلفزيوني تعرّضت مشاهده للقص والتحوير والتعديل، لكن الخلاصة الخطيرة التي يجدر التوقف عندها، هي أن شريحة واسعة من شعوبنا العربية لم تعد تجد في الاحتلال الإسرائيلي عدواً يستحق المقاطعة والرفض والاستنكار، وهو أمر لم نكن بحاجة لبرنامج تلفزيوني لإدراكه ولمس خطورته. فقد بات واضحاً أن العدو الإسرائيلي لم يعد يحتلّ قائمة الأعداء بالنسبة إلى كثير من الأنظمة العربية، بعدما أجرت تعديلات جوهرية على هذه القائمة، وربما انتقلت «إسرائيل» من لائحة الأعداء إلى لائحة الحلفاء. ما يؤكد ذلك هو قول رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتن ياهو «إن هناك تغييراً حصل في العلاقات بين إسرائيل ودول العالم العربي، وباتت هذه الدول تعدّ تل أبيب شريكة وليست عدوة»، معتبراً أن عدد الدول العربية التي ناصبت إسرائيل العداء منذ تأسيسها، آخذ في الانخفاض. ووصل به الأمر لإبداء رغبته بزيارة المملكة العربية السعودية دون أن نسمع أي ردة فعل مستنكرة أو مستهجنة لهذه الرغبة.
هذا وضع الأنظمة، فهل الشعوب أفضل حالاً؟ قطعاً نعم، لكن هذا لا يعني أن الأمور على ما يرام. فأزمات المنطقة وبؤرها المشتعلة أدّت لاهتزاز كبير في الصورة، فأشكل الأمر على كثيرين، ولم يعودوا يميّزون بين العدوّ والصديق.
هذا التداخل مبرّر ومفهوم، في ظل تجييش إعلامي تقوده الأنظمة تجاه أعداء بعينهم، وإهمال أعداء آخرين. التداخل يتحقق كذلك بعدما أغرقت بعض قوى المقاومة نفسها في وحول أزمات المنطقة، وهي باتت تجاهر صراحة بأن هناك مخاطر وتهديدات تتقدم على الخطر الذي تشكله «إسرائيل». ضبابية الرؤية تخطت الشعوب لتصل إلى مواقف رسمية تصدر عن هيئات وأحزاب وجمعيات باتت تساوي بين الخطر الذي تشكله «إسرائيل» ومخاطر أخرى. 
كيف لا تقع الشعوب بالحيرة، وهي تصحو من النوم فتجد دولاً عربية أعلنت الحرب على جارتهم الصغيرة، فيحاولون إخضاعها من خلال محاصرتها برّياً وبحرياً وجوياً. يريدون منها التخلّي عن قرارها وسيادتها، وإلا فالويل والثبور وعظائم الأمور. كيف لانقع بالحيرة ونحن نتابع حجم الحقد والضغينة والحسد والتآمر الذي تمارسه بعض الدول العربية بحق أخواتها؟ كيف يمكن التمييز بين الصديق والعدوّ، ونحن نجد دولة عربية تسعى لتجويع وخنق شعب عربي، ومن يعتبره البعض عدواً يسعى لتخفيف الحصار وتقديم العون والغذاء للمحاصرين؟!>