أواب إبراهيم

أثار احتجاج اللواء جميل السيّد على استخدام رئيس الحكومة لطائرة عسكرية في جولاته الانتخابية ضحك وسخرية كثير من اللبنانيين. فاستغلال المسؤولين لمقدرات الدولة وخزينتها أمر مألوف ومعتاد في المنطق اللبناني، ولا يستدعي أي اعتراض، رغم أنه في البلدان المتحضرة يستدعي تقديم استقالات وإجراء تحقيقات. صحيح أن احتجاج المرشح جميل السيّد خلفيته كيدية، وصحيح كذلك أن السيد يهمل كل الانتهاكات التي يمارسها فريقه السياسي بحق السيادة والقانون وكرامة الدولة، لكن ما قاله صحيح وكان يستدعي التأييد بدل السخرية والتنكيت.
مما لا شك فيه أن القانون النسبي الذي ستجري على أساسه الانتخابات أوسع تمثيلاً وأكثر عدلاً من القانون الأكثري الذي كان سارياً، لكن هذا لا ينفي أن ثغرات وسلبيات كثيرة كانت تتطلب تلافيها وتجنبها. أبرز هذه الثغرات وأفدحها، هو السماح لمن في السلطة بالمشاركة في المعركة الانتخابية، وعدم وجود ما يمنع من الجمع بين النيابة والوزارة. علماً أن القانون الانتخابي نفسه يفرض على رئيس البلدية ونائبه الاستقالة قبل فترة من موعد الانتخابات خشية استخدامهما سلطتهما لمآرب انتخابية، فكيف هو الحال بالوزراء والمسؤولين في الدولة؟!
تخيلوا أن وزير الداخلية المكلف من الدولة بإدارة وتسيير العملية الانتخابية والإشراف عليها هو مرشح للانتخابات، يقضي يومه في عقد لقاءات انتخابية بمطاعم ومقاه ومنازل تنشغل خلالها الأجهزة الأمنية بقطع الطرق وحماية معاليه، في الوقت الذي يكون هو منشغلاً بالترويج لإنجازاته بالوزارة التي يديرها. تخيلوا أن وزير الخارجية المرشح للانتخابات ورئيس أحد الأحزاب التي تخوض معركة انتخابية على مستوى لبنان يشرف على اقتراع المغتربين في الخارج، ويدير هذه العملية من خلال السفراء والقناصل الذين يخضعون لسلطته. تخيّلوا أكثر من ذلك، رأس السلطة يطلب من مجلس الوزراء تخصيص ملايين الدولارات (من ميزانية الدولة وبالتالي جيوب اللبنانيين) لتأهيل وتزفيت طريق يمر في الدائرة الانتخابية التي يخوض فيها الحزب الذي كان يرأسه معركة انتخابية، وأحد أصهاره مرشح فيها، بينما صهره الآخر مرشح في دائرة ثانية، وكل ذلك قبل أيام من موعد الانتخابات، ثم بعد ذلك يتغنى البعض بمبدأ الفصل بين السلطات الوارد في الدستور(؟!).
بعيداً عن النزاهة والشفافية، كيف يمكن لشخص أن يقوم بوظيفتين في آن واحد، قبل الظهر يحضر اجتماع مجلس الوزراء، وبعد الظهر يخطب في مجلس النواب منتقداً أداء الحكومة التي يشارك فيها؟! نحن هنا لا نتحدث عن وزير أو وزيرين، ترشحوا للانتخابات، نحن نتحدث عن أن أكثر من نصف عدد مجلس الوزراء مرشحون، يستغلون مناصبهم الوزارية والسلطات والصلاحيات التي تمنحها إياهم لحشد الناخبين وتأييدهم. 
يفرض القانون الانتخابي سقفاً محدداً للإنفاق على الحملات الانتخابية، وهذا الإنفاق يشمل كل ما تتطلبه الحملة الانتخابية من مصاريف، بينما لا يخضع المسؤولون في السلطة لهذا السقف، وبالتالي بإمكان الرئيس أو الوزير أن يطلّ كل يوم علينا كي يخبرنا عن إنجازاته، بإمكانه أيضاً أن يخصص الملايين من صندوق وزارته للمناطق التي يخوض فيها الانتخابات، وكل ذلك تحت سقف القانون.  
النزاهة لا تتحقق بالفصل بين الوزراة والنيابة فقط، بل بتشكيل حكومة من شخصيات مستقلة غير حزبية تكون مهمتها الرئيسية الإشراف على إجراء الانتخابات، فحزب الله كان سـبّاقاً الى الفصل بين الوزارة والنيابة، رغم عدم وجود نص في القانون يلزمه بذلك. لكن ذلك لم يمنع استغلال السلطة، فقدّم وزير الشباب والرياضة، عضو في الحزب، إلى بلدة برجا منحة بقيمة 100 مليون ليرة عبر وساطة حليفه المرشح للانتخابات اللواء علي الحاج(!!). 
في الألعاب الرياضية، يفرض القانون أن لا يكون الحكم والقضاة المساعدون له ينتمون لأحد الفرق المتنافسة. هذا لا يعني التشكيك بنزاهة الحكام والقضاة، ولكن تبرئة لصفحتهم، وإبعاداً لهم عن نزعات الهوى. فإذا كان هذا الحرص مطبقاً في ألعاب الرياضة، فكيف لا يكون في السياسة التي تتحكم برقاب البلاد والعباد، والتي تفوح منها رائحة الفاسدين؟!