العدد 1423 / 29-7-2020

عاد كابوس فيروس كورونا ليطلّ من جديد على اللبنانيين، بعد أسابيع ظنّ خلالها اللبنانيون أنهم اجتازوا مرحلة الخطر. هذه المرة يعود الفيروس بشكل أكثر شراسة، فأعداد الإصابات تضاعفت، والوفيات باتت يومية، ورقعة انتشار الفيروس لم تعد محصورة بل تزداد اتساعاً. عودة الفيروس للانتشار لايعود فقط لفتح المطار وقدوم المغتربين، بل أيضاً للامبالاة اللبنانيين (عائدين ومقيمين)، وتهاونهم في اتخاذ الإجراءات الوقائية لمنع انتشار العدوى. هذا التهاون تقابله السلطة بتهاون أكبر، وإصرار على عدم اتخاذ قرارات أو إجراءات احترازية حرصاً على استمرار العجلة الاقتصادية، وعلى قدوم المغتربين ومعهم دولاراتهم من الخارج.

حتى وقت قصير كان يُمكن أن يُضرب المثل بالتجربة اللبنانية في مواجهة فيروس كورونا. فرغم الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة كانت أعداد الإصابات بالفيروس مقبولة، كما كانت جهود وزارة الصحة في تتبّع الإصابات منطقية، وكانت شريحة واسعة من اللبنانيين تلتزم الإجراءات الوقائية. لكن من الواضح أنه في الآونة الأخيرة "فلت الملق"، وأن النتائج الإيجابية التي تحققت في مواجهة الفيروس في المرحلة الماضية ستبقى من الماضي.

مقابل التجربة اللبنانية في مواجهة فيروس كورونا تبرز تجربة دولة قطر. هذه الدولة التي تُشبه لبنان من حيث المساحة، لكن أداءها في مواجهة الجائحة كان مغايراً بشكل كامل. والاختلاف لايرجع فقط لقدرات قطر المالية، بل لأمور متاحة بين أيدي اللبنانيين.

دولة قطر منذ اليوم الأول لم تُكابر ولم تدفن رأسها في الرمال، بل اتبعت الشفافية والصراحة في كشف أعداد الإصابات مهما بلغت، وعملت على تعزيز قطاعها الطبي ورفده بالكوادر البشرية والقدرات اللوجستية، مستفيدة من جهود آلاف المتطوعين، الذين عملوا سوياً لمواجهة الجائحة.

خلال أسابيع قليلة تزايدت أعداد الإصابات بالفيروس في قطر بشكل مخيف، خاصة في أوساط العمالة الوافدة التي يصعب محاصرة الفيروس بينها. الأعداد المتزايدة للإصابات لم تُصب أحداً بالهلع، فالجميع كان يدرك أن هناك سلطة تبذل ما بوسعها لمواجهة الفيروس، والجميع كان يثق بكل ما تقوم به هذه السلطة. خلال أسابيع قليلة اقتربت أعداد الإصابات اليومية من ألفي إصابة، واستمرت الأعداد على هذا المستوى قرابة شهر، وكانت نسبة الإصابات في قطر الأولى عالمياً نسبة لعدد السكان، لكن المفارقة كانت أن أعداد الوفيات كانت الأدنى على مستوى العالم. هذه النتيجة لم تدفع الدولة للانهيار والصراخ، بل لبناء خطة وآلية بدأت بمكاشفة المواطنين والمقيمين بالأعداد الحقيقية للإصابات، ورعاية طبية لكل مُصاب تبدأ من نقله إلى حجر صحي خاص في كثير من الحالات يكون فندق 5 نجوم، ويتمّ تأمين العناية الطبية ووجبات الطعام، كما تُجرى فحوصات لجميع أفراد عائلته وكل من خالطهم في الأيام التي سبقت الإصابة، كل ذلك دون أن يدفع المصاب قرشاً واحداً.

جميع وزارات ومؤسسات الدولة سخّرت جهودها لمواجهة الفيروس، فأقفلت جميع المرافق الاستهلاكية باستثناء ما هو ضروري كالمستشفيات والصيدليات والسوبرماركت. صدر قرار بتعطيل المدارس فلم نسمع احتجاجاً من الهيئة التعليمية ولا من ذوي الطلاب. صدر قرار بالعمل عن بُعد للموظفين في القطاعين العام والخاص والجميع التزم. صدر قرار بإقفال المساجد، لم نسمع من يرفع صوته معترضاً، على العكس واكبت القرار حملة توعوية من وزارة الأوقاف. تم إلزام جميع المقيمين في قطر بتنزيل تطبيق هاتفي يرصد حركتهم والأشخاص الذين يخالطونهم، مما ساهم في تتبع حالات العدوى بعد اكتشاف إصابة أحدهم، لم يشكُ أحد من انتهاك خصوصيته.

اليوم بدأ سكان قطر (مواطنون ومقيمون) يحصدون ثمار ما قامت به السلطة. فبعدما اقتربت الأعداد من ألفي إصابة يومياً، باتت اليوم تقل عن ثلاثمائة إصابة، والعدد في تناقص يومي، ومن المتوقع أن يصل لحدوده الدنيا في نهاية شهر آب، ليبدأ العام الدراسي الجديد بداية أيلول وقد تمّت محاصرة الوباء والسيطرة عليه.

ما قامت به دولة قطر لمواجهة فيروس كورونا لم يكن معجزة، بل ساهم فيه عاملان اثنان: سلطة استنفرت جهودها وطاقاتها لمواجهة الفيروس، ومجتمع رافق السلطة في إجراءاتها والتزم بها، لأنه يثق بهذه السلطة ويدرك أنها تسعى لتأمين سلامته. هذان العاملان يفتقدهما لبنان، ففي لبنان سلطة مهترئة منشغلة بالمناكفات والفساد والسرقة والنهب، ومجتمع سلبي يبحث عن الأزمات والأخطاء ليسخر من سلطته لأنه لايثق بكل ما تقوم به، ولا يُلام على ذلك.

أوّاب إبراهيم