العدد 1384 / 30-10-2019

إحدى الإشكاليات التي رافقت الحراك اللبناني الذي بدأ قبل أسبوعين، إصرار المتظاهرين الغاضبين في الشارع على رفع شعار "كلّن يعني كلّن"، قاصدين بذلك الطبقة السياسية دون استثناء أحد. لم يحددوا حزباً ولا جماعة ولا زعيماً بعينه، وهذا جعل الطبقة السياسية تعتبر نفسها غير معنية بالشعار، إلا حزب الله وجمهوره الذي استفزّه شمول الحزب، فتجاوز عن كل إيجابيات الحراك، وبدأ حراكاً معاكساً وصدامياً للتظاهرات الشعبية.

لحزب الله رواية تستحق التفكير. فلم يُعرف عن أحد من قياديي أو وزراء أو نواب الحزب اتهامات بالضلوع في الفساد. فالحزب لم يدخل السلطة منذ زمن بعيد، فهو كان شريكاً في السلطة منذ العام 2008، وصار السلطة نفسها عام 2016. هذا لاينفي براءة الحزب من الفساد على الإطلاق، فقد يكون داخل أطر الحزب الداخلية، لكن أثره لم يصل للمال العام، وبالتالي لاعلاقة للبنانيين به.

كل هذا صحيح، لكن ما هو صحيح أيضاً، هو أن حزب الله يتحمل مسؤولية كبيرة في حال الفساد الذي وصلت إليه السلطة والذي انعكس ترد في الأوضاع الاقتصادية. في القوانين الجنائية هناك مسؤولية تقع على عاتق من امتنع عن القيام بواجبه، وهي تسمّى "فعل امتناع". هذه المسؤولية لاتقع لارتكاب صاحبها جرماً، بل لأنه امتنع عن القيام بواجب موكل إليه. ويقدم رجال القانون أمثلة على ذلك، بالطبيب الذي يمتنع عن تقديم العلاج المناسب للمريض فتسبب بوفاته، أو رجل الإطفاء الذي امتنع عن إطفاء الحريق مما أدى لوقوع ضحايا، أو المنقذ البحري الذي يمتنع عن إنقاذ غريق. هنا تماماً تكمن مسؤولية حزب الله، فوجود الحزب في السلطة، وإدراكه على مدى السنوات والعقود الماضية لمكامن الفساد والهدر والرشوة وامتناعه عن القيام بأي فعل لمواجهته جعله شريكاً في ما آلت إليه الأمور.

قبل قرابة عامين، رفع السيد حسن نصرالله راية مكافحة الفساد، وضرب على صدره معلناً أن المعركة المقبلة لحزب الله بعدما نجح في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والجماعات التكفيرية على حد تعبيره، ستكون في مواجهة الفساد والسرقة، وأن هذه المعركة قد تكون أصعب من المعارك السابقة. تفاءل اللبنانيون خيراً بكلام نصرالله يومها، لكن منذ ذلك الحين لم يلمس اللبنانيون أي أثر لهذه المعركة. على العكس، استشرى الفساد، وزادت السرقات، وتدهورت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية حتى وصلت مستوى غير مسبوق.

على منبر مجلس النواب قبل أشهر، أطل نائب حزب الله السيد حسن فضل الله الذي تم تكليفه بملف مكافحة الفساد في الحزب، وأعلن أن بحوزته وثائق وأدلّة لو تمّ الكشف عنها لزجّت برؤوس كبيرة في السجن. توقّع اللبنانيون أن هذا الإعلان هو تدشين مرحلة جديدة من الكشف عن الفاسدين، وبدء معركة محاسبتهم واستعادة الأموال المنهوبة منهم، لكن إعلان النائب بقي يتيماً ولم يتبعه أي إجراء آخر، وبات النائب فضل الله محور تندّر بين اللبنانيين.

هذا لايعني أن مسؤولية حزب الله تقتصر فقط في امتناعه عن مواجهة الفساد وكشف الفاسدين. فللفساد وجوه أخرى ليست بالضرورة أن ترتبط بسرقة أو رشوة أو نهب. فقد يكون الفساد تعطيلاً لتشكيل الحكومة لأكثر من عام بسبب الإصرار على حقائب بعينها، وقد يكون الفساد عرقلة انتخاب رئيس للجمهورية وتعطيل عمل مجلس النواب بسبب التمسك بمرشح للرئاسة دون غيره، وقد يكون الفساد احتلالاً لوسط بيروت لأكثر من عامين لإرغام الآخرين على منح ثلث عدد مجلس الوزراء، لامتلاك القدرة على تعطيل قرارات المجلس، وقد يكون الفساد فرطاً لعقد الحكومة بعد اختلاق ملف أطلقوا عليه اسم "شهود الزور".

أوّاب إبراهيم