أواب إبراهيم

يحظى أفراد وضباط الجيوش في بلادنا العربية بهالة خاصة وقدسية مميّزة. لا أحد يعرف مصدر هذه القدسية، لكنها تلازمهم طالما أنهم في صفوف المؤسسة العسكرية. لكن لا يكاد الضابط يتقلد مسؤولية خارج السلك العسكري حتى تنهال عليه سهام الانتقاد والتشكيك ويصبح كغيره من المسؤولين، علماً أنه الشخص نفسه الذي كان قبل فترة منزّهاً ومشهوداً له بالنزاهة والملائكية. فكيف يستوي أن يكون الضابط خلال خدمته فوق الشبهات، وحين يصبح خارج السلك العسكري غارقاً في الشبهات، وهل تحصل عملية تغيير جذرية في شخصية العسكري حين يخرج من صفوف المؤسسة العسكرية وتصيبه الأمراض التي تصيب المجتمع، أم أن هذه الأمراض كان مصاباً بها في السابق. لكن القداسة التي يمنحها العرب للجيوش تمنع الإضاءة على هذه الأمراض وتتغاضى عنها؟
في لبنان أمامنا ثلاثة نماذج لضباط كانوا قادة الجيش، وللمفارقة أنهم جميعاً صاروا رؤساء للجمهورية: ميشال عون وميشال سليمان وإميل لحود. وبما أن العماد ميشال عون صار في سدة الرئاسة، فهذا يعني أن أي إساءة لشخصه أو الحديث عنه بسلبية يعد جرماً يحاسب عليه القانون، وبما أنني لست في وارد التعرض لأي ملاحقة قانونية، فإنني أكتفي بالحديث عن قائدي الجيش إميل لحود وميشال سليمان.
يمكن براحة ضمير ودون أي تجنّ القول إن عهد الرئيس إميل لحود كان الأسوأ في تاريخ لبنان. أنا هنا لا أتحدث عن الحقبة التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما رافق هذه الجريمة من اتهام للرئيس والأجهزة الأمنية التابعة له بالمسؤولية عن الجريمة أو محاولة طمس معالمها، بل أتحدث عن السنوات الست الأولى من حكمه. فرغم أن الحرب الأهلية كان مضى على انتهائها قرابة عقد من الزمن، ورغم أن الوصاية السورية كانت تحكم قبضتها على الوضع اللبناني قبل انتخابه بسنوات، إلا أن الوضع في عهده كان الأسوأ لناحية قمع الحريات ومأسسة الفساد وحماية الفاسدين والمزايدة على الوصاية السورية في تنفيذ رغباتها.
في عهد الرئيس ميشال سليمان كانت الصورة مغايرة وربما مناقضة. فضباط الجيش ومخابراته عادوا إلى ثكناتهم لتأدية ما يفترض أنه دورهم الأساسي في حفظ الأمن والاستقرار وحماية الحدود، لكن الذي حصل هو أنهم عادوا إلى الثكنات لكنهم لم يقوموا بواجبهم كما كان ينتظر منهم، وغرق الرئيس سليمان في محاولة فرض نفسه كطرف حيادي لا ينتمي إلى الفريقين المتخاصمين، وهو الأداء نفسه الذي حرص عليه حين كان قائداً للجيش، فنأى بنفسه عن الانقسام الحاصل رغم أن نأي الجيش تزامن مع إخلال بالأمن الذي يعدّ من واجباته. فجلس ميشال سليمان على مقاعد المتفرجين حين احتلت مجموعة من اللبنانيين وسط بيروت وعطلت الحياة فيه، وعطلت معه عجلة الدولة ومؤسساتها قرابة عام، ولم يبادر بأي خطوة باتجاه حماية الدولة ومؤسساتها. ولعلّ ما حصل في 7 أيار 2008 كان مثالاً فاضحاً على عجز العماد ميشال سليمان، حين استولت ميليشيات مسلحة على العاصمة بيروت ودهمت المنازل والمؤسسات وروّعت اللبنانيين وقتلت منهم، كل ذلك تحت أنظار الجيش اللبناني وقيادته. ويعتبر البعض أن هذا العجز كان بمثابة جواز سفر العماد سليمان للقبول به من قبل قوى 8 آذار للوصول إلى سدة الرئاسة ضمن اتفاق الدوحة، لكن هذه القوى عادت وانقلبت عليه بعد انتخابه رئيساً، خاصة حين تجرّأ على انتقاد الوضع «الأعوج» القائم، وشكل وصفه مثلث «الجيش والشعب والمقاومة» بالقاعدة الخشبية عنواناً لإحباط عهده ورفض التمديد له ومخاصمته.
الرئيسان ميشال سليمان وإميل لحود نموذجان متناقضان رغم أن كلاً منهما جاء إلى السياسة من رأس هرم المؤسسة العسكرية، الأول يتهمه فريق من اللبنانيين بأشنع وأقبح الاتهامات والأوصاف، والثاني يتهمه الفريق الآخر باتهامات أكثر شناعة وقبحاً.