أواب إبراهيم

شاع في الأيام القليلة الماضية الحديث عن «الهاوية». السيد حسن نصر الله حذّر في كلمته قبل يومين بأن لبنان «على حافة الهاوية»، وأن على جميع المسؤولين العمل لكيلا يقع فيها. من جانبه وصف رئيس مجلس النواب نبيه بري الخلاف الحاصل بين السياسيين حول قانون الانتخابات بأنه لعب على حافة الهاوية. مسؤولون آخرون استخداموا عبارات أكثر تهويلاً، كالحديث عن عقد مؤتمر تأسيسي يعيد لبنان إلى زمن الحرب الأهلية.
مما لا شك فيه أن عجز السلطة السياسية عن التوصل إلى قانون جديد للانتخابات سيشكل صفعة جديدة توجه لرئيس الجمهورية، وسيؤكد للبنانيين أن الخلافات والتسويات والمساومات والصفقات التي تتم على حساب المواطن ما زالت على حالها، وأن موجة التفاؤل الكبيرة التي رافقت انتخاب رئيس الجمهورية لم تكن في محلها. لكن هل هذا يعني خطراً داهماً ومشكلة كبيرة للبنان؟! 
في حال عدم التوصل إلى قانون انتخابي جديد يكون المخرج بأحد مسارين، إما التمديد لمجلس النواب الحالي ريثما يتم الاتفاق على قانون انتخابي جديد، أو أن يتم إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين النافذ، وهو الإجراء الطبيعي والمنطقي. يبقى مسار ثالث تزعم كل الطبقة السياسية رفضها له ومحاربته، وهو حصول فراغ في السلطة التشريعية، أي أن تنتهي ولاية مجلس النواب دون إجراء الانتخابات.
بعيداً عن التهويل بالهاوية التي يرعبون اللبنانيين بها، يجب إدراك أن جميع المسارات ستؤدي إلى نتائج متشابهة. ففي حال التمديد لمجلس النواب كل ما سيحصل هو استمرار الأمر على ما هو عليه. وكما مرّ التمديد مرتين في السابق يمكن أن يمر تمديد ثالث رابع وخامس وعاشر، طالما أن اللبنانيين غارقون بهمومهم ومشاكلهم اليومية، ويرزحون تحت كاهل عبء اقتصادي يسحقهم شيئاً فشيئاً. المشكلة الوحيدة هي أن وجوه النواب التي مللنا رؤيتها طوال تسع سنوات سترافقنا سنوات أخرى، والخطابات المموّجة التي تُلقى في مجلس النواب ستبقى هي هي. أما المسار الثاني وهو إجراء الانتخابات بناء على قانون الستين النافذ، فهو مسار شبيه إلى حد كبير بالذي سبقه، فالنتائج التي ستسفر عنها هذه الانتخابات في حال إجرائها ستكون شبيهة إلى حدّ كبير بما أسفرت عنه الانتخابات الأخيرة التي جرت عام 2009، طالما أن القانون أكثري قائم على حكم الأغلبية وتهميش الأقلية ولو كانت تشكل 49%. ربما تتغير بعض الوجوه، ربما ينقص من حصة هذا الزعيم نائب أو اثنان، لكن تقاسم السلطة بين الزعامات سيبقى على حاله. يبقى المسار الثالث، وهو الذي يصوّره البعض على أنه كارثة كونيّة، ويمكن أن يتسبب بانهيار الكيان اللبناني وعودة شبح الحرب الأهلية، وهو أن تقع السلطة التشريعية في الفراغ بعد انتهاء ولاية المجلس الحالي.
هنا لا بدّ من وضع الأمور في نصابها وعدم المبالغة فيها. فماذا لو حصل الفراغ في السلطة التشريعية، ما الذي سيحصل، وما هي مخاطر ذلك؟ لا شيء. سبق للبنان أن خبر الشغور في سدة الرئاسة قرابة سنتين ونصفاً بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، واستمرت حياة اللبنانيين على ما هي عليه كأن شيئاً لم يحصل، بل إن البعض وجد جوانب إيجابية في هذا الشغور، منها تخفيض النفقات عن كاهل الدولة. وحين نضجت التسوية الرئاسية انتخب الرئيس وعادت الأمور إلى نصابها. والأمر نفسه يمكن أن يقع في مجلس النواب. الفراغ التشريعي مشكلة دستورية كبيرة، ولكن فلنضعها في إطارها الطبيعي ولا نبالغ في تقدير خطورتها، فلا نهوّل على اللبنانيين ولا نرعبهم.
يبقى الخيار الدستوري والطبيعي والمطلوب، وهو الاتفاق على قانون جديد وإجراء الانتخابات. تصوّر السلطة أن حصول ذلك سيؤدي لتغيير إيجابي كبير في الحياة السياسية، متناسين أنهم هم أنفسهم الذين يحيكون هذا القانون، وأنهم لن يسمحوا بقانون يؤدي لتراجع زعاماتهم، ولعلّ تعذر الوصول إلى قانون جديد للانتخابات مرتبط إلى حدّ كبير برفض كل طرف اقتراح القانون الذي يقلّل من حجم كتلته النيابية، وهذا يعني أن إجراء الانتخابات على أساس أي قانون جديد، لن تكون نتائجه مختلفة كثيراً عما نعرفه اليوم.
هواوي (جمع هاوية) كثيرة وأكثر خطورة من قانون الانتخابات وقع بها اللبنانيون ونجحوا في تجاوزها، فلا يهوّلن علينا أحد.>