العدد 1495 /12-1-2021

ثارت ثائرة سعد الحريري وابن عمه وآل بيته والجماهير الغفيرة التي اعتادت التصفيق له غضباً من قائد القوات اللبنانية سمير جعجع بعد تغريدة اعتبر فيها القاعدة الشعبية السنية حليفاً له. غضب الحريري وصحبه سببها وقاحة جعجع وتجرّئه على الاقتراب من حظيرة الطائفة السنية التي وضع الحريري وجماعته من حولها سياجاً مكهرباً لايُسمح لأحد الاقتراب منه إلا بإذنهم.

المفارقة أن هذا الغضب والاستياء من كلام جعجع حصل بالتزامن مع ترقّب اللبنانيين أن يتفضّل عليهم الحريري بإعلان موقفه من المرحلة القادمة: هل سيخوض الانتخابات النيابية المقبلة، هل سيخوضها بنفسه أم سيدعم شخصيات قريبة منه، هل قرر اعتزال العمل السياسي والخروج من المشهد والتفرّغ لإنقاذ ما تبقى من شركاته المفلسة، هل سيواصل انتظار الرضى السعودي ليعود إلى اللعبة السياسية؟ كل هذه الأسئلة المفصلية مازال اللبنانيون ومؤيّدو ومناصرو وجمهور تيار المستقبل ينتظر من يتفضّل بها عليهم لإعلامهم بمصير قيادة أكبر طائفة في لبنان. لكن مقابل هذا التخلّي والإهمال والاستهتار بأبناء الطائفة فإن الحريري وصحبه استشاطوا غضباً لأن جعجع أتى على ذكر الطائفة السنية. فالسنّة حسب الحريري وصحبه حق حصري للشخ سعد أو من ينتدبه، ولا يحقّ لأحد الاقتراب منهم، أو الإشارة إليهم، أو الحديث عنهم.

كثيرة هي الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون كل يوم، وهي تزداد عمقاً وتضييقاً على رقابهم، فالفقر والعوز بات يشمل غالبيتهم، وبات الكثير منهم عاجز عن تأمين المتطلبات الأساسية ليس للعيش الكريم بل للعيش فقط. فصار التيار الكهربائي ضيفاً عزيزاً، وربطة الخبز من الكماليات، والانتقال بالسيارة رفاهية، واللحمة ثراء، وكم من عوائل تنام دون عشاء لعدم توفر ما يأكلون، وكم من أطفال باتوا خارج المدرسة لعجز ذويهم عن تأمين كلفتها، وكم من آباء وأمهات لاينامون ليلاً أرقاً وتفكيراً بتأمين قوت اليوم التالي. كل هذا الواقع البائس صحيح، وهو يشمل جميع اللبنانيين من جميع المناطق وعلى اختلاف طوائفهم، لكن الطائفة السنية إضافة للهموم والأزمات المعيشية والاقتصادية التي يعاني منها الجميع، فإنها تعيش عصر الانحطاط الذي لم يسبق أن مرت به منذ تأسيس لبنان قبل مئة عام.

قبل أسابيع قامت الدنيا ولم تقعد بعد تصريح أحد النواب بأن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط قام بتهريب 500 مليون دولار خارج لبنان لاستخدامها في الاهتمام بأبناء طائفته ومساندتهم وإعانتهم على تحمّل الانهيار الاقتصادي، وهو فعلاً ما يقوم به جنبلاط في مناطق نفوذه منذ بدأ الانهيار الاقتصادي. بعيداً عن قانونية وأخلاقية ما قام به جنبلاط، لكنه يعكس اهتماماً ورعاية واحتضاناً لأبناء طائفته في الوقت الذي هم بأمس الحاجة فيه للمساعدة والسند والدعم. فالناس في لبنان لا ينتخبون فلاناً ويختارونه زعيماً وممثلاً عنهم بسبب لون عيونه أو طوله الفارع أو وسامة محيّاه. الزعيم هو الذي يكون قريباً من أهله، يعيش مع ناسه، يبذل ما يستطيع للتخفيف عنهم، يتحدث بلسانهم، يدافع عن مصالحهم، لا يتخلّى عن تحمّل المسؤولية و"يشمّع الخيط"، ليعيش في مكان لا أحد يدري عنه، يكتفي بتغريدات لا علاقة لها بالواقع، وظيفتها أن تنتقد خطاب فلان أو الإشادة بفضل هذه الدولة أو تلك المملكة التي تمعن باللبنانيين تضييقاً وحصاراً.

هي ليست المرّة الأولى التي يتخلّى زعيم السنّة عن جماعته، فهذا ديدنه منذ تربّع على عرش الطائفة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري رحمه الله وطيّب الله ثراه، لكن مغادرته هذه المرة وتخلّيه عن أهله وناسه يبدو فجّاً ووقحاً في الوقت الذي يعاني فيه اللبنانيون أسوأ أوضاع مروا بها، وهم بحاجة لأي دعم أو مساندة مهما كان بسيطاً ولو قشة تقيهم الغرق. الأكثر فجاجة ووقاحة حين يستاء الزعيم وقومه فقط لأن زعيماً آخر تحدث عن أبناء طائفته.

أوّاب إبراهيم