العدد 1519 /6-7-2022

انتشرت في الأيام الماضية مقاطع مصورة لتجمّع آلاف الأطفال (صبية وبنات) من كشافة المهدي التابعة لحزب الله في عدد من المناطق اللبنانية وهم ينشدون نشيداً تمّ إطلاقه حديثاً حمل عنوان "سلام يا مهدي". النسخة الأصلية للنشيد باللغة الفارسية عنوانه "سلام فرماندة"، وهو يحكي عن "القائد المهدي" الذي ينتظر بعض إخواننا الشيعة ظهوره. وتمّت ترجمة النشيد وإنشاده وتصويره في مختلف الدول العربية وغير العربية التي يتواجد فيها مسلمون شيعة. ويقول البعض بأنّ تأليف النشيد وانتشاره تمّ بتوجيه المرشد الإيراني.

كلمات النشيد بنُسَخِه المختلفة تتضمّن إشادة بالمهدي المنتظر وشوق المنشدين للقياه وإصرارهم على انتظاره. أما النسخة اللبنانية فقد أضافت لما سبق إعلان الولاء لمرشد الثورة في إيران، وإشادة بقائد الحرس الثوري الراحل قاسم سليماني والقائد العسكري لحزب الله عماد مغنية وآخرين.

من خلال متابعة النشيد والمقاطع المصوّرة التي رافقت انتشاره يمكن التوقف عند بُعدين اثنين، بُعد سياسي وآخر ديني. في البعد السياسي لابد من الإشارة إلى خطورة ما تضمنّه النشيد من أفكار، تسفّه الانتماء الوطني وتهمله، لصالح الانتماء لمحور ودولة وقائد لاعلاقة لهم بلبنان ومصالحه. وبذلك فقد أكد آلاف الأطفال الذين أنشدوا النشيد ومعهم جمهور عريض من حزب الله على الصورة النمطية التي ألصقها البعض بهم، وهي أنهم قوم لا انتماء لهم للبنان، وأن مرجعيتهم تعود لإيران وزعيمها، والمصلحة الوحيدة التي يعملون من أجلها هي مصلحة المحور الذي ينتمون إليه. وهي صورة نمطية تكشفت الأحداث أنها واقعية تدلّل عليها أدبيات حزب الله وأداؤه ومسيرته منذ تأسيسه.

لكن الوقفة الأهم، هي عند البُعد الديني للأنشودة، خاصة أن انتشار المقاطع المصوّرة لها أثار ردود فعل متفاوتة، لاسيما مشهد تجمّع آلاف الفتيات الصغار المحجبات اللواتي كنّ ينشدن بحماس، ويرفعن أيديهنّ ويذرفن دموعهن تأثراً وحماسة. فمن الواضح أن هذا المشهد لم يعجب بعض اللبنانيين الذين اعتبروا أنه لايعكس صورة الشعب اللبناني ولا يشبههم. وهنا يقفز سؤال بسيط: من هو الوكيل الحصري لتمثيل اللبنانيين وإعطاء الصورة التي يريدونها. من الذي منح فريقاً من اللبنانيين الحقّ بالتحدث نيابة عن جميع اللبنانيين وتمثيلهم، وتقديم صورة نمطية في الشارع والإعلام قوامها أن اللبنانيون منفتحون ومتحررون وأن العري بالنسبة لهم شيء طبيعي، وأنهم لايستسيغون الحشمة والحجاب. ومن لايمشي بهذا الركب لايعكس صورة اللبنانيين. من الذين قالوا أن جميع اللبنانيين يرضون بالصورة النمطية المسيئة، التي يغذّيها أداء شريحة من اللبنانيين في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. من الذي قال بأن الفتيات اللواتي يعكسن صورة لبنان هنّ السافرات المتبرجات المتمايلات. فكما أن صورة المحجبات اللواتي ظهرن في نشيد حزب الله لم يعجب كثيرين، أيضاً صورة العاريات التي تملأ وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً لا تعجب الكثير من اللبنانيين. وكما أن بعض اللبنانيين سكتوا عن العري والانحلال الأخلاقي وتفلّت شريحة من اللبنانيين، على الآخرين أن يلتزموا الصمت إزاء لبنانيات أخريات اخترن الحشمة وارتداء الحجاب وهنّ يمثلن اللبنانيين أيضاً.

انتقادات كثيرة يمكن توجيهها لحزب الله في أدائه السياسي والعسكري، ومساندته أنظمة قمعية، وإساءته لدول عربية، وحرف وجهة سلاحه في بعض الأحيان لأماكن لا علاق لها بالمقاومة. لكن انتقاد أدائه لايجب أن يتوسّع ليصل إلى انتقاد التزام مناصريه ومؤيديه بالحشمة واللباس الشرعي الإسلامي. لأن ذلك يعني أن مشكلة البعض مع حزب الله مرتبطة الدين الإسلامي، وهذا أمر يجب الانتباه إليه جيداً. فاستنكار ما يقوم به حزب الله في السياسة لايجب أن يعمي قلوب البعض ويجعلهم يستنكرون التزامه الإسلامي.

أوّاب إبراهيم