اواب ابراهيم

لن أنضم إلى قائمة المشككين في رواية الأجهزة الأمنية حول إحباط العملية الانتحارية التي كان يعتزم أحد الأشخاص تنفيذها في أحد مقاهي منطقة الحمرا ببيروت، رغم منطقية الكثير من الأسئلة التي ما زالت تنتظر توضيحات رسمية، بل سأتحلى بحسن النية وأفترض صحة الرواية الرسمية التي تم تقديمها، إضافة إلى التسريبات التي فاقت أهميتها الرواية الرسمية، رغم أن التسريبات نفسها يشوبها التناقض.
بادئ ذي بدء لا بدّ من رفع القبعة للأجهزة الأمنية التي نجحت بإحباط العملية الانتحارية، ليس فقط لأنها بذلك حمت لبنان واللبنانيين من مجزرة دموية محققة، بل كذلك لأن العملية شكلت مؤشراً على عودة التعاون بين الأجهزة الأمنية، ولا سيما مخابرات الجيش وفرع المعلومات بعد قطيعة شعر خلالها اللبنانيون بأن كل جهاز أمني يتبع حزباً أو جماعة أو طائفة.
كما تعوّدنا عليها، تحرص الأجهزة الأمنية عقب كل إنجاز تقوم به بإصدار بيان رسمي تقدم فيه روايتها، ودرجت العادة أن تكون الرواية مقتضبة وتفتقد الكثير من التفاصيل و«السوسبنس»، وهو ما اعتاد اللبنانيون تعويضه من خلال التسريبات التي تسبق وتلي البيان الرسمي، هذا التسريب الذي يتولاه ضباط وعناصر الأجهزة الأمنية الذين يوزعون معلومات يفترض أن تكون سرية للصحفيين ووسائل الإعلام، فتتسابق الأخيرة في ترويج السيناريوهات التي ترغب الأجهزة الأمنية في إشاعتها دون أن تتحمل مسؤولية تبنّيها. ورغم أن هذا النمط قديم ومتواصل، إلا أن وزيري الدفاع والداخلية لم يجدا حتى اليوم داعياً للتحقيق في مصادر التسريبات ومعاقبة المسربين.
 بالعودة إلى حادث مقهى الكوستا، فمن خلال التسريبات تبيّن أن الانتحاري المفترض شاب في مقتبل العمر، لبناني الجنسية، كان يعمل ممرضاً في أحد مستشفيات مدينة صيدا، وهو كان يعتزم متابعة تعليمه الجامعي. وهذا يعني أن المعني ليس من شريحة اليائسين المحبطين الذين سلكوا هذا الطريق بسبب ما آلت إليه أوضاعهم. لكن استناداً إلى التسريبات إياها، فقد قال الانتحاري المفترض خلال التحقيقات الأولية معه إنه غير نادم على ما فعل، وسيكرر المحاولة إذا سنحت له الفرصة مرة أخرى!!
من الواضح أن الدولة اللبنانية سخّرت كل إمكاناتها وأجهزتها الأمنية لمواجهة المخاطر الإرهابية التي تحدق بالبلد، من خلال رصد ومتابعة المشتبه بهم. لكن هل من عاقل في هذه الدولة فكر في أن الطريق الأجدى والأكثر فاعلية لمواجهة المخططات الإرهابية يكون بتفكيك صواعقها من عقول ونفوس أصحابها؟! هل من رشيد في هذه الدولة حاول أن يبحث في الأسباب التي دفعت شاباً في مقتبل العمر، لديه وظيفة محترمة ومتعلم، أن يسعى لتفجير نفسه بهدف قتل من حوله؟ نجحت الأجهزة الأمنية هذه المرة في إحباط التفجير، لكن من يضمن نجاحها في المرات القادمة؟! ألا يستحق الأمر مراجعة من يعنيهم الأمر والبحث في كيفية تسلل الفكر الإرهابي إلى عقول شبان يعيشون حياة كريمة بين أهلهم؟ فلطالما كان لبنان بيئة رافضة لأي فكر إرهابي، ما الذي تغيّر اليوم حتى صار هذا الفكر يحط رحاله بيننا ويلقى قبولاً من جانب البعض، ولا أحد يضمن أن هذا البعض سيبقى بعضاً؟
نحمد الله على نجاح إحباط تفجير مقهى الكوستا، ونسأل الله السلامة دائماً، لكن لعلّها تكون مناسبة لإعلان النفير، والسعي لمواجهة فكرية وأخلاقية مع المخططات الإرهابية. وهذا لايكون فقط بتعليمهم وتثقيفهم وإفهامهم وتفنيد مزاعم الإرهابيين، بل كذلك وهذا الأهم، من خلال احتضان من تمّ تضليلهم ورعايتهم، وأن يكون التعامل معهم أسوة ببقية اللبنانيين، فلا يتم التشدد معهم والتضييق عليهم وملاحقتهم وسجنهم وتعذيبهم لارتكابهم هفوات أو مخالفات، في مقابل تساهل وتغاضٍ وتجاهل لجرائم يرتكبها آخرون. أما في حال استمرار الغبن والظلم اللاحق بفريق من اللبنانيين، فإن على الدولة بأجهزتها المختلفة أن تتحضر لمواجهة محاولات انتحارية أخرى.