العدد 1378 / 18-9-2019
أواب إبراهيم

أياً كانت التبريرات والأسباب التي يمكن تقديمها، ثمة إجماع على أن النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الرئاسية في تونس شكلت مفاجأة للتونسيين والعالم. ليس فقط في تصدّر شخصيتين مغمورتين السباق الرئاسي بعيداً عن الأحزاب والاصطفافات، بل كذلك في تراجع مرشح حركة النهضة ونائب رئيسها الشيخ عبد الفتاح مورو، وإخفاقه في التأهل للمرحلة الثانية وحلوله في المركز الثالث بنسبة قاربت 13%.

خروج حركة التهضة ومرشحها من السباق الرئاسي أصاب مؤيدي وأنصار النهضة بالإحباط، خاصة الذين يعتبرون أنه آن الأوان للنهضة أن تحصد ما زرعته، وآن لها أن تدخل السلطة من بابها العريض، وأن تمسك بزمام الأمور. لكن مالا يدركه هؤلاء أن حركة النهضة بخروجها من السباق الرئاسي تكون قد جنّبت نفسها وجنّبت معها تونس الدخول في نفق مجهول لا أحد يعرف مآلاته.

خلال السنوات الماضية، أخذ العلمانيون واليساريون والدولة العميقة في تونس وقتاً طويلاً حتى تقبلوا على مضض مشاركة حركة النهضة في الحكم، ولو بدور ثانوي. وكانوا يتحيّنون كل فرصة لانتقاد أداء النهضة، وتحميلها مسؤولية مشاكل وأزمات البلاد. الأمر نفسه تكرر بالنسبة للأنظمة العربية التي تحمل لواء القضاء على حركات الإسلام السياسي. فهم منذ الإطاحة بصديقهم المخلوع زين العابدين بن علي، ودخول حركة النهضة المشهد السياسي، وهم يراقبون ويترصدون، وينتظرون الفرصة المناسبة للإطاحة بتجربة حركة النهضة. فليس مسموحاً بالنسبة لهذه الدول أن تنجح حركة محسوبة على الحركة الإسلامية في إدارة الحكم وتسيير شؤون البلاد. ولو وصل الشيخ عبد الفتاح مورو للرئاسة، لكانت تلك فرصة ذهبية لتنفيذ سيناريو لن يكون بعيداً عما حصل في مصر، مع اختلاف الظروف. سيتم افتعال مشكلات أمنية واقتصادية وسياسية، وستظهر فجأة أنياب ومخالب للعلمانيين واليساريين وكل معارضي النهضة، وستتولى منظومة إعلامية تعظيم المشكلات، وتحميل وزرها لحركة النهضة، وصولاً إلى شيطنة الرئيس والحركة التي ينتمي إليها، تمهيداً لتنفيذ انقلاب ليس بالضرورة أن يكون عسكرياً، فقد يأخذ أشكالاً أخرى تتناسب مع الوضع في تونس.

أخطر ما في هذا السيناريو ليس الإطاحة بالرئيس وحركته، بل الإطاحة بالأمل بأنه يمكن لحركة إسلامية سياسية أن تنجح في إدارة الحكم.

الجانب الإيجابي الآخر من خسارة الشيخ عبد الفتاح مورو للرئاسة، هو الضبابية المحيطة بالمشروع الذي تحمله النهضة. صحيح أنها حركة محسوبة على الإسلام السياسي، وتحديداً الإخوان المسلمين، لكن الحركة قدمت أداء مختلفاً ومغايراً للصورة النمطية المأخوذة عن. فهي تناغمت مع طروحات العلمانيين، فلم تقف في طريقها رغم معارضتها الشريعة الإسلامية، وسعت لتقديم خطاب سياسي مدني بعيداً عن أي نكهة دينية. ويقول العارفون والقريبون من الحركة ان هذا الخطاب ليس تكتيكاً للوصول إلى السلطة، بل بات قناعة حقيقية وراسخة لدى شريحة من قيادات الحركة.

في جلسة مع أحد الأصدقاء التونسيين، حدثني بأسى عن خيبته وخيبة عائلته وكثير من المحيطين به من أداء حركة النهضة. هم ليسوا منتمين لها ولا لأي حركة أخرى، لكنهم يعيشون في بيئة محافظة، وهم انتخبوا حركة النهضة، لأن المشروع الذي يفترض أنها تحمله يتوافق مع قيمهم. يقول صديقي: نحن لم ننتخب حركة النهضة كي تغضّ الطرف عن مشروع المساواة في الميراث بين الذكر والأنثى، ولم نؤيدها كي تدعم مشروع منع تعدد الزوجات، أيّدناها لأننا اعتقدنا أن مشروعها قريب من رؤيتنا للأمور. يتابع فيقول: تسعى حركة النهضة لتقديم نفسها بصورة جديدة "نيو لوك"، لكنها لم ولن تقنع أحداً. ومهما فعلت النهضة ومهما بدّلت من جلدها، فهي ستظل مصنّفة على أنها إسلامية، ولو أشعل راشد الغنوشي أصابعه العشرة شموعاً. ونحمد الله أن الشيخ عبد الفتاح مورو خسر الانتخابات، لأننا نتوقع في حال فوزه أن يقدم المزيد من التنازلات، وهو ما يرفضه كثيرون من الذين سبق أن أيّدوا حركة النهضة. لذلك، أنا وجميع من أعرف نحمد الله أن الشيخ عبد الفتاح مورو خسر السباق الرئاسي.

أوّاب إبراهيم