العدد 1445 /13-1-2021

يعيش العالم هذه الأيام "على إجر واحدة" يترقب نهاية ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومغادرته البيت الأبيض بفارغ الصبر. فالعالم كله يتخوّف من مفاجآت قد يُقدم عليها ترامب في آخر أيامه، خاصة أنه مهووس بدخول التاريخ، ولا فرق بالنسبة إليه إن كان هذا الدخول من باب الإنجازات والانتصارات أو من باب التسبب بأزمات وحروب وكوارث. وكما قال أمين عام حزب الله، نعيش في زمن مجنون اسمه ترامب يحوز حقيبة إطلاق القنابل النووية.

لم يشعر الشعب الأميركي بخطورة وعته وسفه رئيسهم إلا مؤخراً، فطوال السنوات الأربع الماضية كان قسم كبير من الأميركيين سعيد بالمؤشرات الإيجابية التي حققها ترامب على المستوى الاقتصادي والتي كان لبعض الدول العربية فضل كبير في تحقيقها، بعدما أغدقت عليه مئات مليارات الدولارات وعقدت معه صفقات تجارية وعسكرية بحاجة ودون حاجة فقط كي تكسب رضاه وتشتري سكوته. بداية الصحوة الأمريكية على سُفه ترامب بدأت مع جائحة كورونا والتخبّط الذي اتّسم به أداء الإدارة الأميركية وعلى رأسها ترامب في معالجة الأزمة، وانتهاجه سبيل المكابرة والسخرية من خطورة الجائحة والاستهزاء بإجراءات السلامة للحدّ من انتشار الفيروس، والتركيز على مسؤولية الصين في التسبّب به، في الوقت الذي كانت مؤشرات الإصابة بالفيروس في الولايات المتحدة بارتفاع ومعها أعداد الوفيات.

فشل الإدارة الأميركية في الحدّ من انتشار فيروس كورونا كان عاملاً مهماً في سقوط ترامب في الانتخابات الأميركية، لكن ترامب لم يتّعظ، بل واصل مكابرته ونزقه وعجرفته، فرفض نتائج الانتخابات، واتهم القائمين عليها ومعهم وسائل الإعلام بالتزوير، رغم سقوط كل الطعون التي تقدم بها لإعادة فرز الأصوات لكنه ظلً مصراً على أنه الفائز. استمر تقبّل الأميركيون لتصرفات ترامب وصبروا عليها على اعتبار أنها أيامه الأخيرة في موقع الرئاسة وقريباً سيصبح صفحة من التاريخ، لكن ما لم يستطع الأميركيون تقبّله وتجاوزه هو ما قام به ترامب قبل أيام من حشد مؤيديه وتحريضهم على اقتحام مبنى الكونغرس لتعطيل جلسة التصديق على نتائج الانتخابات، لتتسبب المواجهات بسقوط عدد من القتلى والجرحى وفوضى عمّت مبنى الكابيتول، وتسجيل سابقة في تاريخ الولايات المتحدة بالإساءة للسلطة التشريعية التي يفاخر بها الأميركيون أمام العالم بأنها معقل الديمقراطية.

قدّم ترامب في سنوات حكمه لأكبر وأقوى دولة على الأرض نموذجاً فاشلاً للديمقراطية، وذريعة سيستخدمها كلّ رافض للديمقراطية. فترامب وصل إلى الحكم بطريقة حرّة ونزيهة وبأصوات أغلبية الأميركيين، لكن أداءه لم يكن لمصلحة الأميركيين وشكل تهديداً لكل العالم، وكشف أن خيار أغلبية الأميركيين كان خاطئاً وأن مصلحة الشعوب لا تتحقق بالضرورة من خلال الديمقراطية وحكم أغلبية الشعب. فأغلبية الشعب وربما كل الشعب قد يندفع لأسباب عاطفية أو دينية أو اجتماعية، أو بفعل تعرّضه لضغوط في ظروف محدّدة أثّرت على صوابية حكمه فاختار شخصاً غير مناسب ليكون في سدة الحكم، ومنحه بذلك صلاحيات ونفوذ لايستحقه.

الأغلبية ليست دائماً على حق، وفي أحيان كثيرة قد تكون خيارات الأغلبية خاطئة. فإذا كان الشعب الأميركي الذي يفترض أن يكون واع وراشد لحقوقه وواجباته أخطأ في انتخاب رئيس بلاده، فهل نستغرب حال خيارات أغلبية شعوبنا الأقل وعياً ورشداً وإدراكاً، التي تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية، وتمّ حشرها في خنادق مذهبية طائفية، تحكمها جماعة فاسدة تسوقها أينما تريد كيفما تريد لتحقيق ما تريد بعيداً عن مصلحة هذه الشعوب، وهل نلوم أغلبية شعوبنا لخياراتها الخاطئة التي تواصل اتخاذها رغم إدراكها لفساد من تقوم باختياره؟!.

أوّاب إبراهيم