العدد 1394 / 8-1-2020

قبل سنوات، تطلّب من قيادة حركة حماس سبع ساعات لصياغة بضعة أسطر شكلت موقفها الرسمي حول الأحداث في سوريا. فقيادة الحركة التي كان يرأسها خالد مشعل حينذاك، أدركت أن كل كلمة تكتب يجب أن توزن بميزان الذهب، ولها دلالاتها وخلفياتها ومعانيها، خاصة تجاه قضية مهمة ومفصلية ومعقدة وإشكالية كالأحداث السورية.

قبل أيام اغتالت الولايات المتحدة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. العالم كلّه يدرك حساسية وأهمية الدور الذي كان يقوم به سليماني في دعم المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح وان تحدثت معلومات عن تراجع كبير في كمية المال والسلاح في السنوات الأخيرة، وكذلك دوره في توجيه ميليشيات الحشد الشعبي في العراق، وإدارة الميليشيات التابعة لإيران في سوريا، ودعم الحوثيين في اليمن، بالإضافة لملفات أخرى كثيرة. هذه الأدوار رسمت حول اسم سليماني علامات كثيرة، وتناقضت المواقف تجاهه، خاصة أن شريحة مقدّرة من العراقيين والعرب يعتبرون أن دور سليماني في العراق هو توسيع النفوذ الإيراني والهيمنة على القرار فيه والسيطرة عليه. كما أن شريحة مقدّرة من السوريين وكثير من العرب يتهمون سليماني بدعم ميليشيات مسلحة في سوريا ارتكبت المجازر واستهدفت المدنيين وحاصرت ودمرت العديد من المدن والبلدات السورية وساند نظاماً استبدادياﹰ في مواجهة شعب لم يكن يريد أكثر من الحرية.

حركة حماس بخلاف عادتها تجاه القضايا الهامة والإشكالية، أعلنت بعد ساعات قليلة من جريمة اغتيال قاسم سليماني بياناً رسمياً نعت فيه "الشهيد" قاسم سليماني، وحرص قياديوها في قطاع غزة خاصة على الإطلالة عبر وسائل الإعلام التي تدور في فلك طهران، ليؤكد كلّ على طريقته وكيفما أسعفته لغته ومصطلحاته ومفرداته وثقافته على إدانة واستنكار اغتيال سليماني، والتعبير عن الحزن الكبير لفقدان شخصية داعمة للمقاومة الفلسطينية. كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس، لم تكتفِ ببيان الحركة الرسمي، بل حرصت على الانفراد ببيان آخر نعت فيه "القائد المجاهد الحاج قاسم سليماني" وتقدمت بأحر التعازي إلى "الإخوة في الجمهورية الإسلامية في إيران بفقد هذا القائد الكبير". كل هذا حصل ولم يكن قد مرّ على جريمة الاغتيال 24 ساعة. هذا المسار توّجه رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية بمشاركته على رأس وفد من الحركة في التشييع بطهران، وألقى كلمة في حفل التأبين واصفاً قاسم سليماني بأنه "شهيد القدس".

سلسلة المواقف الدافئة والمتسارعة التي عبرت عنها حركة حماس تجاه اغتيال سليماني ومن ورائه السلطات الإيرانية كان ملفتاً لأنظار محبي الحركة وأنصارها ومحيّراً لهم في آن، وقد تنوّعت المواقف والآراء تجاهه، لكن يمكن تقسيم المواقف إلى التالي:

فريق لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب. هذا الفريق نصّب نفسه منظّراً لكل ما يجري من أحداث، سواء كان يفهم فيها أو لايعرف عنها شيئاً، يلعب بهاتفه الذكي، يوزّع فلسفاته النظرية التي يستحيل تطبيقها على كل ما يدور من حوله. هذا الفريق اعتبر أن حماس ارتكبت خطيئة لا تغتفر، وخسرت مصداقيتها، وفقدت ما تبقى لها من رصيد في الشارع العربي والإسلامي (حسب وصف هذا الفريق). فريق آخر هو ذاك المحبّ الذي يبعث الأمل دائماً، حيث يوزّع طاقة إيجابية على من حوله. يلتزم هذا الفريق بمقولة أن "أهل مكة أدرى بشعابها"، وله ثقة تامّة بأن قيادة حركة حماس قامت بما يجب، ولا يكلّف نفسه عناء تقييم ما قامت به، ويتكفّل بالدفاع عن كل مواقفها، معتبراً أن تحمّل المسؤولية يستدعي الإقدام على خطوات قد لا تلقى التأييد والتصفيق من القواعد الشعبية. فريق ثالث، يقترب من الذي سبقه بالثقة والإيجابية، وهو مع إدراكه بأن الظروف والضغوط والتضييق والحصار الذي تعاني منه حركة حماس يفرض عليها مدّ جسور التواصل مع الجميع، لكنه يعتقد كذلك أنه كان الإمكان أفضل مما كان، وأنه كان يمكن ببعض الحكمة والتأنّي وحسن الإدارة تجاوز بعض الاشكاليات التي وقعت فيها الحركة.

أوّاب إبراهيم