العدد 1559 /19-4-2023
أواب ابراهيم

قبل ثلاثين عاماً، أبعد العدو الإسرائيلي 415 مقاوماً فلسطينياً إلى منطقة مرج الزهور جنوب شرق لبنان، بعد اعتقالهم على خلفية أسر جندي إسرائيلي. معظم المبعدين كانوا من حركة حماس (398 شخص) والبقية من حركة الجهاد الإسلامي (17 شخص).

قضى المبعدون في العراء سنة كاملة كانوا خلالها موقفاً واحداً، وصفاً واحداً، ورجلاً واحداً. كان الشهيد عبد العزيز الرنتيسي الناطق الرسمي باسمهم، فيخرج أمام عشرات الكاميرات ليدلي بتصريح يتناقله العالم. طوال عام كامل كانت كلمة المبعدين واحدة، حتى عندما كانوا يختلفون فيما بينهم، كانوا يخرجون للعالم بموقف واحد. المرة الوحيدة التي حصل فيها خلاف ظهر للعالم، كانت حين قرر المبعدون من حركة الجهاد تنظيم مسيرة لإحياء يوم القدس العالمي في يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان 1993، تناغماً مع دعوة الإمام الخميني في طهران. يومها لأول مرة يحصل ارتباك في صفوف المبعدين. فالغالبية الساحقة منهم رفضت تنظيم المسيرة التي لا أساس لها لا في الشرع ولا في أدبيات وتاريخ نضال الشعب الفلسطيني. طوال ساعات الليل شهدت خيام مرج الزهور اجتماعات بين قيادات المبعدين (وكان من بينهم إسماعيل هنية وكان حينها من قيادات الصف الثاني) وأعضاء حركة الجهاد لثنيهم عن تنظيم المسيرة التي ستعطي العالم انطباعاً بانحيازهم إلى جانب إيران، وهو أمر يرفضونه ويحرصون على استقلال قرارهم ووجهة بوصلتهم. لكن مبعدي حركة الجهاد لم يستجيبوا وعاندوا ونظموا مسيرة هزيلة في اليوم التالي شارك فيها 15 شخصاً، وكشفوا للعالم الانقسام بين المبعدينٍ. نقطة أول السطر.

قبل أيام أحيت حركة حماس في قطاع غزة يوم القدس العالمي بمهرجان حاشد تحدث فيه قائد الحركة في القطاع يحيى السنوار. السنوار دأب في الآونة الأخيرة في كلّ إطلالة إعلامية على توجيه جزيل الشكر والامتنان لإيران وحزب الله و"محور المقاومة" على الدعم الذي يقدمونه لحركته. فتثور بعد كل إطلالة زوبعة من الانتقادات وفي بعض الأحيان الشتائم للسنوار وحركته ومن بين المنتقدين والشاتمين محبون ومؤيدون ومناصرون لحركة حماس التي يعيث في بلادها "محور المقاومة" الفساد ويساند الأنظمة المجرمة فيقتل ويعتقل ويشرّد. السنوار أضاف في إطلالته الأخيرة توجيه الشكر لـ"سوريا الأسد"، على ما قدمته لحركته، رغم أن آخر دعم قدمه النظام السوري كان قبل أكثر من عشر سنوات، وقبل أن يرتكب الأسد جرائم ومجازر بحق شعبه والفلسطينيين في مخيم اليرموك بدمشق. لكن السنوار حفظ أفضال الأسد القديمة، وأصرّ على شكر نظام يكاد لا يخلو بيت في سوريا إلا وتسبب له بقتل أو اعتقال أو تشريد.

هي واحدة من اثنتين: إما أن التشكرات التي يحرص السنوار على تقديمها عند كل إطلالة إعلامية هي استجابة لطلب مسؤولين في "محور المقاومة"، في هذه الحالة تكون مصيبة. فهذه التشكرات تُفقد حماس مؤيديها ومناصريها وحاضنتها الشعبية الواسعة، ويُخشى من أن الاستمرار في هذا الأداء سيجعل حماس منعزلة وحيدة في محيطها العربي والإسلامي (السني)، وهذا لن يكون من مصلحة حماس، وكذلك "محور المقاومة" (الشيعي). وإما أن السنوار يتطوّع من تلقاء نفسه لتوجيه هذه التشكرات بمناسبة ومن دون مناسبة، بشكل بات يعتقد البعض أنه يتعمّد الإساءة واستفزاز جماهير مؤيدة ومناصرة لحركته، مع ما يستتبع ذلك من انتقادات وردود واستياء، وقد قيل "رحم الله امرأ ذبّ الغيبة عن نفسه".

رحم الله الشهيد القائد عبد العزيز الرنتيسي ومن رحل من مبعدي مرج الزهور، وحفظ الله المبعدين الأحياء ومنهم قائد حماس إسماعيل هنية وألهمه ومن معه الهداية والصواب.

أوّاب إبراهيم