العدد 1412 / 6-5-2020

قرار عنصري بغيض وظالم ومقيت أصدرته السلطات اللبنانية قبل أيام قضى باستثناء الفلسطينيين الذين يحملون وثيقة لبنانية من لوائح القادمين إلى لبنان، على متن الرحلات المخصصة للمغتربين في ظل جائحة كورونا. هذا القرار كما الكثير من القرارات التي سبقته ،والتي تقطر عنصرية وظلماً انعكس حملة غاضبة من فلسطينيين ولبنانيين على وسائل التواصل الاجتماعي. الملفت أن القرار الصادر عن الأمن العام اللبناني والذي اعتقد البعض أنه صدر خطأ ودون دراسة، عاد وأكد عليه المجلس الأعلى للدفاع في اجتماعه الأخير برئاسة رئيس الجمهورية وحضور معظم أركان الدولة "باقتصار العودة على معيار الأفضلية والأولوية للبنانيين حصرا".

بدأت القصة مع شاب فلسطيني اتصلت به السفارة اللبنانية في أبو ظبي، أبلغته بورود اسمه على لائحة المسافرين على متن الطائرة المخصصة للعودة، وتوجّه إلى المطار وختم جواز سفره كبقية المسافرين، لكن على باب الطائرة أوقفه عنصر الأمن العام اللبناني وعامله –كما قال صاحب القصة على صفحته على الفايسبوك- باحتقار وغلظة وقلّة أدب ومنعه من المغادرة على متن الطائرة.

الراجح هو أن ما حصل مع الشاب خطأ إداري وتنفيذي مرتبط بعدم تبلّغ السفارات القرار باقتصار العائدين على اللبنانيين، وهو ما تسبب بالمشكلة في المطار وربما في مطارات أخرى، طبعاً إذا تجاوزنا طريقة تعامل عنصر الأمن العام مع الشاب، والتي تتطلب من المسؤولين التحقيق به ومتابعته.

بالعودة إلى القرار الظالم والعنصري واللا إنساني، وأدرك أن ما سأقوله لن يعجب كثيرين، لكن ما قامت به الدولة اللبنانية هو ما قامت وتقوم به كل دول العالم، وهو السلوك الطبيعي والمنطقي للدول تجاه مواطنيها ورعاياها سواء أعبجنا ذلك أم لم يعجبنا. فكل الدول تهتم بمواطنيها فقط وتسعى لتأمين عودتهم دون بقية خلق الله. ومن غير المنطقي مطالبة الدولة بأن تسعى لتأمين عودة من هم ليسوا لبنانيين، خاصة أن أعداد الراغبين بالعودة أكبر بكثير من قدرة الدولة على استقبالهم، في ظل جائحة كورونا والإجراءات والفحوصات التي يتطلبها استقبالهم، وبالتالي كان القرار بإعطاء الأولوية للبنانيين دون غيرهم. هذا الواقع يدفعنا لبحث المشكلة الأساسية والجوهرية التي يجب الوقوف عندها، وهي لماذا يتم التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين الذين يحملون وثائق لبنانية كأجانب؟.

الجواب: نعم للأسف الدولة اللبنانية لا تعتبر اللاجئين الفلسطينيين مواطنين، وترفض منحهم الجنسية اللبنانية بذرائع ثورية شعبية تتعلق بالتمسك بحق العودة إلى فلسطين، في حين أن الحقيقة ترتبط بمشكلة طائفية ديمغرافية مفادها أن السلطة لاتريد تعميق الفارق بين المسلمين والطوائف الأخرى إذا ما تم تجنيس الفلسطينيين، هذا بالإضافة طبعاً إلى أن شرائح مقدّرة من اللبنانيين -وبعضهم في السلطة- يصنّف الفلسطينيين في خانة الأعداء.

بناء على هذا الواقع مؤسف، شهدنا وسنشهد قرارات كثيرة من السلطة اللبنانية غير إنسانية وغير منصفة وظالمة وعنصرية، كمنع الفلسطينيين من تملّك منازلهم التي اشتروها بعرق جبينهم، ومنعهم من مزاولة عشرات المهن والأعمال، وإلزامهم الحصول على إجازة عمل أسوة بالعمال الأجانب. الفارق هو أن العمال الأجانب يعملون سنوات معدودة في لبنان ثم يعودون من حيث أتوا، في حين أن الفلسطيني وُلد ونشأ وتربى ودرس وعمل وتزوج وأنجب في لبنان، وليس له بلد آخر يذهب إليه، ويعرف عن لبنان وأهله أكثر من كثير من اللبنانيين، رغم كل ذلك هو غير مواطن ويُعامل معاملة الغريب، في حين أن لبنانيين آخرين لايتحدثون العربية، ويفخرون بولائهم لدولة أخرى، ولايشعرون بأي انتماء للبنان، لكنهم رغم ذلك مواطنون في الصفوف الأولى.

أوّاب إبراهيم