العدد 1530 /28-9-2022
أواب ابراهيم

تشييع العلامة القرضاوي ودفنه على أرض قطر شارك فيه آلاف التلاميذ والمحبين، وشارك فيه أيضاً رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية ووزراء آخرون وأشقاء الأمير، كما نعاه العديد من كبار القوم في قطر الذين استقبلوا الراحل واحتضنوه وأكرموا ضيافته طوال أكثر من ستة عقود.

علاقة الشيخ القرضاوي بأرض قطر بدأت عام 1961 حين وصلها "إعارة" ليكون عميداً لمعهدها الديني، حيث عمل على تطويره. وعام 1973 أنشئت كليتا التربية للبنين والبنات لتكون نواة جامعة قطر، فتمّ نقله إليها ليؤسس قسم الدراسات الإسلامية ويرأسه. وعام 1977 تولى تأسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وظلّ عميداً لها حتى عام 1990. كما كان المدير المؤسس لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية بجامعة قطر.

طوال ستة عقود شكلت دولة قطر بمواردها واحتضانها سنداً وداعماً لأفكار الشيخ القرضاوي ومشاريعه. فدعمت فكرته بإنشاء شبكة "إسلام أونلاين" على الإنترنت عام 1998، التي شكلت في إحدى المراحل أهم المصادر للفتاوى والأخبار والقضايا السياسية والاقتصادية والطبية والاجتماعية التي أفادت المسلمين حول العالم. كما كانت داعمة له بفكرة تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عام 2004 والذي بات يضمّ تحتَ لوائه أكثر من 90 ألفاً من علماء المسلمين، سنّة وشيعة وإباضية، ومازال المقر الرئيسي للاتحاد في العاصمة القطرية الدوحة. دولة قطر أنشأت كذلك عام 2008 مركزاً أكاديمياً تابعاً لإحدى جامعاتها أطلقت عليه اسم "مركز القرضاوي للوسطية الإسلامية والتجديد". كما خصَّصت كلية الدراسات الإسلامية جائزةً أكاديمية عالمية، تكريماً للشيخ يوسف القرضاوي، واعترافًا بدوره الريادي في الوسطية الإسلامية والتجديد.

لكن ذروة التقدير والتكريم القطري للشيخ القرضاوي كان بعد إعلان كل من السعودية والامارات والبحرين ومصر عام 2017 حصارها على قطر، واشترطت حتى تفكّ حصارها عدداً من الأمور كان في مقدمها اخراج الشيخ القرضاوي من أراضيها باعتباره "الزعيم الروحي" لحركة الاخوان المسلمين. كان يمكن للدوحة ببساطة أن تطلب من الشيخ القرضاوي بودّ أن يغادر، علّ ذلك يساهم في تخفيف الحصار "الخانق" الذي فرضته الدول الأربعة. لكن حكام الدوحة رفضوا الخضوع، خاصة أن الشيخ القرضاوي يحمل الجنسية القطرية، بل زادوا في إكرام الشيخ واحتضانه. ويحرص أمير قطر في رمضان من كل عام على أن يكون الشيخ القرضاوي في مقدمة العلماء الذين يستضيفهم على مائدة الإفطار في الديوان الأميري، ويصرّ على تقبيل رأس الشيخ في كلّ مرة.

حسن الضيافة والتكريم والتقدير القطري لم يؤثر على مواقف الشيخ القرضاوي أو يدفعه لتليينها. فهو انتقد قطر حين تطلب الأمر الانتقاد، وأدانها حين تطلب الأمر ذلك. فعام 2001 انتقد الشيخ القرضاوي دعوة الدوحة استضافة لقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وفي لقاء في برنامج الشريعة والحياة على قناة الجزيرة عام 2003 سُئل الشيخ القرضاوي عن القواعد الأمريكية في الخليج، فأدانها ورفض إقامة قاعدة أميركية عسكرية على أرض قطر. وعام 2009 انتقد الشيخ رحمه الله استضافة قطر لصحفي دنماركي يعمل بالصحيفة التي نشرت الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

كثيرة هي المطوّلات والمقالات التي كُتبت وستُكتب في الأيام القادمة حول مآثر وفضل وفكر وحكمة ووسطية وعمق وفقه وكتب ومسيرة وحياة الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله. لكن ما كان يحرص الشيخ القرضاوي خلال حياته على الإقرار به، هو أن دولة قطر أكرمته كما لم تكرمه دولة أخرى.

أوّاب إبراهيم