العدد 1380 / 2-10-2019
أواب إبراهيم

إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب. حكمة لاتصحّ دائماً، ففي بعض الأحيان يكون الصمت مريباً ومؤذياً لصاحبه، ومؤكّداً للغمز واللمز الذي يدور حوله. هذا تماماً ما يحصل مع رئيس الوزراء سعد الحريري إزاء ما كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز، من أنه في عام 2013 قدّم 15,3 مليون دولار لعارضة أزياء جنوب إفريقية كهدية. وحتى كتابة هذه السطور يتجاهل الحريري التطرق لهذه القضية بشكل مباشر، لا نفياً ولا تأكيداً، ويمارس سياسة التطنيش ، وأنه "بعد كم يوم الناس بتنسى".

سبق للبنانيين أن تقبّلوا صمت الحريري إزاء احتجازه من السلطات السعودية وإرغامه على تقديم استقالته. فما تعرض له كان مسيئاً ومهيناً، ولم يرغب بالتطرق إليه، طبعاً عدا عن أن السعوديين اشترطوا عدم الحديث لإطلاق سراحه. لكن لايمكن أن يتقبل اللبنانيون صمت الحريري وتجاهل قضية العارضة الجنوب إفريقية، ففي ذلك استغباءللبنانيين ولمؤيديه ومناصريه الذين حاروا في كيفية الدفاع عنه. فالقضية ليست بالضرورة مرتبطة بنزوة جنسية، خاصة أن شخصية الحريري لاتوحي بأنه من هذا النوع من الرجال ، علاوة على أن المبلغ المالي يعد باهظاً جداً بالنسبة لخدمات جنسية.

فقد يكون الحريري قد وقع في حب الفتاة فعلاً، وبما أن الحب يعمي القلب والعقل، فمن المنطقي أن يكون أغدق عليها الملايين. احتمال آخر، هو أن يكون الحريري قدم المبلغ المالي نيابة عن شخص آخر طلب منه ذلك. فلا ننسى أن الواقعة حصلت عام 2013، في الوقت الذي لم يكن فيه الحريري رئيساً للحكومة، بل كان يتنقل بين المملكة العربية السعودية وفرنسا ويمارس هواياته، متذرعاً بالمخاطر الأمنية على حياته في لبنان. وليس مستبعداً أن يكون قدم خدمة لأحد أمراء السعودية بتحويل المال للعارضة الجنوب إفريقية نيابة عنه.

المدافعون عن الحريري برزت أنيابهم للدفاع عن زعيمهم، بعضهم نفى صحة الخبر، وبعضهم الآخر تجاوز الخبر ليتساءل عن الجهة التي سرّبته ومصلحتها في الإساءة للشيخ سعد، وبعضهم قال بالفم الملآن: طالما أنه يدفع من جيبه الخاص، فهوّ حرّ فيما يقوم به، و"صحّتين على قلبه". لكن ما فات هؤلاء أن الحريري منذ دخل المعترك السياسي في لبنان لم يعد حرّا في الكثير من الأمور، وبات شخصية عامة، خاصة أنه يصرّ على احتكار تمثيل إحدى أكبر الطوائف اللبنانية، ويرفض مشاركة أحد في هذا التمثيل، وقد مرّت هذه الطائفة بسنوات عجاف مؤخراً، عدا عن الفقر الذي عانت منه مؤسسات الحريري الخاصة .. فأقفل جريدة المستقبل، ويكتم أنفاس التلفزيون، ومصير مشابه يواجه إذاعة الشرق قريباً، كما جرى إنهاء خدمات عشرات الموظفين في تياره، كل ذلك بداعي عدم توفر المال. يحصل ذلك بعد سنوات من عدم تقاضي الموظفين لرواتبهم. فكيف سيكون موقف هؤلاء حين يدركون أن ما أصابهم سببه هدايا بملايين الدولارات أغدقها رب عملهم على عارضة أزياء جنوب أفريقية.

في كل مناسبة يُبدي سعد الحريري استياءه من السياسة في لبنان، ويبدو مفتوناً بالديمقراطية الغربية. لكن فات الحريري أن هذه الديمقراطية لو كانت مطبّقة في لبنان لما سمحت له بتجاهل قضية العارضة الجنوب إفريقية، ولخضع لتحقيق حولها. ولو تبين أن سبب الأموال التي قدمها يعود لعلاقة عاطفية ربطته بها خارج إطار الزواج، فإن ذلك كفيل باستقالته والقضاء على مستقبله السياسي.

نقطة القوة الوحيدة التي يستند إليها الرئيس سعد الحريري، أنه زعيم لطائفة في بلد تعميه الغرائز الطائفية. أبناء الطوائف فيه مستعدون لتجاوز كل نزوات وممارسات الزعيم ، فقط كي لاتشمت بهم الطوائف الأخرى.

أوّاب إبراهيم