أواب إبراهيم

حلّ لبنان في المرتبة 125 في مؤشر الأمان العالمي وفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2017، الذي يشمل 136 دولة. وهذا يعني أن عشر دول فقط تقدّمت على لبنان في فسادها، بينها دولة عربية واحدة هي مصر. في المقابل تفاخر أجهزتنا الأمنية بأنها نجحت في منع تسلل الجماعات الإرهابية إلى لبنان وتقود حرباً استباقية عليها. لم يكن منتظراً أن يحل لبنان في المراتب العشرة الأولى للنزاهة والشفافية، لكن استقراره في قعر اللائحة إلى جانب دول هي الأشد فقراً وبؤساً في العالم، كنيجيريا وكولومبيا وكينيا والهندوراس، يدفع كل لبناني للخجل من الهوية التي يحملها.
جرت العادة أن معظم الخلافات بين اللبنانيين (الفردية) تتم بالهوبرة والبهورة والصراخ وربما تبادل الشتائم، يترافق كل ذلك مع حركات تهديدية بالأيدي والأصابع. أما إذا تطورت الأمور دون أن يتدخل أحد المتفرّجين الذي يصور ما يحصل بهاتفه الذكي، فربما يحصل تدافع يتطور إلى عراك.. إلى أن يتطوع أحدهم للتدخل فينهي الخلاف بين المتخاصمين بتبويس اللحى وعبارة «ازرعها بذقني». هذا الوضع كان هو السائد والمعتاد، بل إنه كان محل تندّر وطرفة بين اللبنانيين. لكن من الواضح أن الأمر لم يعد كذلك. ففي كل يوم تطالعنا نشرات الأخبار عن حصيلة ضحايا اليوم من قتلى وجرحى، والخسائر المادية التي مني بها المواطنون جراء المشاحنات الفردية. 
ربما يظن البعض أن تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي ظلم لبنان في المرتبة التي وضعه فيها، لكن الوقائع تدعم هذه المرتبة وتعزّزها، فالخلاف على كوب «نسكافيه» يتسبب بسقوط قتيلين، ونزاع بين طلاب مدارس في الجنوب يستدعي أن تدخل شلّة من الزعران إلى المدرسة حاملين السكاكين، فيطعنون من يصادفون وجوده من طلاب، والتنافس بين مراهقين على اهتمام فتاة يستحق إعلان حرب شوارع بين المتنافسين، والخلاف على أفضلية مرور يستدعي تحطيم سيارات وإطلاق نار... آخر حلقات هذا المسلسل كان المشهد الذي استيقظ عليه اللبنانيون قبل يومين، حين قطع سائقو الشاحنات مجهولي الهوية والهوى، الطرق الدولية الواصلة بين الجنوب وبيروت، وأعمال البلطجة التي مارسوها بحق المعترضين من اللبنانيين الذين لا يريدون أكثر من الوصول إلى أعمالهم.
تكمن الخطورة إزاء ما يحصل في أن الدولة ليست عاجزة عن فعل شيء، بل لا تريد فعل شيء وهي غائبة عن السمع. وقد ثبت للبنانيين أن السلطة حين ترغب بممارسة صلاحياتها القمعية تحت راية حفظ الأمن تضرب بيد من حديد، وقد شهدنا ذلك في محطات كثيرة، كقمع تحركات المجتمع المدني التي نظمت تظاهرات احتجاجية وسط بيروت صيف عام 2015 حين تم الاعتداء على المتظاهرين وسحلهم واعتقالهم، أو الحرب الاستباقية التي تقول الأجهزة الأمنية إنها باتت تحترفها في مواجهة الجماعات الإرهابية.
شهد لبنان في مراحل كثيرة انفلاتاً أمنياً، لكن دائماً كان الانفلات نابعاً من خلافات سياسية أو مشاحنات طائفية، أو صراعات عقائدية. لكن ما نشهده اليوم هو انفلات أمني مبني على تفسخ اجتماعي، يساهم فيه غرق الشباب بتعاطي المخدرات والحبوب المهلوسة، وبطالة حقيقية ومقنّعة وفراغ يسود السواد الأعظم من اللبنانيين، لاسيما الشباب الذين يتم استخدامهم وقوداً لصراعات القوى السياسية، وأيضاً الضحالة والانحدار الذي تقدمه وسائل الإعلام لمشاهديها. يبقى المساهم الرئيسي في التهتك الحاصل هو تقاعس الدولة عن القيام بواجباتها في تطبيق القانون ومحاسبة المخلين، أو فلنقل الاستنسابية في تطبيق القانون ومحاسبة المخلين. فتجدها تصب كل سطوتها وفائض القوة الذي تشعر به على مواطنين بعينهم وقضايا بعينها، بينما تغض الطرف عن ما يقوم به آخرون. ألا تدرك دولتنا العليّة الغارقة بخلافات أطرافها حول قانون الانتخاب أن من أمن العقوبة أساء الأدب؟ لماذا ينشط وزير الداخلية القبضاي لمحاربة الإرهاب ولايتحرك لمواجهة المخدرات التي تنهش مجتمعنا؟ لماذا لا أحد يهتم بشبان الأحياء المتجمعين في كل زاوية حول محل النسكافيه، يقضون يومهم في الجدال حول مباريات كرة قدم؟
تحّديات كثيرة تواجه لبنان، معظم هذه التحديات تجد من يهتم بها ويواجهها، باستثناء الوضع الاجتماعي المتردي الذي وصل إليه اللبنانيون، والذي بات قنبلة موقوتة لا أحد يملك ساعة تفجيرها.>
أوّاب إبراهيم