العدد 1487 /17-11-2021

بقيت خمسة أيام، 4 أيام، 3 أيام، يومان فقط للمغتربين اللبنانيين كي يسجّلوا أسماءهم في قوائم الناخبين للانتخابات النيابية المقبلة. اهتمام شعبي وإعلامي غير مسبوق بتسجيل المغتربين تحضيراً للانتخابات التي لم يعد يفصل اللبنانيين عن موعدها المفترض إلا أشهر قليلة. استحقاق يعلّق عليه كثيرون في الداخل والخارج آمالاً كبيرة للتغيير وإزاحة السلطة الحاكمة، أو على الأقل تقليم أظافرها وتشكيل كتلة نيابية نظيفة، لا تأتمر بتوجيهات الحزب ولا الزعيم، لا تسعى للسرقة ولا النهب، لا تعرف الفساد، ولا تبتغي إلا مصلحة اللبنانيين.

الاهتمام الكبير بتسجيل الناخبين مؤشر إيجابي للتغيير ينشده كثيرون، لكن هذه الإيجابية تكون منطقية أكثر إذا كان هناك اهتمام مقابل بتوفير مرشحين للانتخابات تصبّ لمصلحتهم أصوات اللبنانيين الذين يسعون للتغيير. فإذا شهدت الانتخابات إقبالاً كثيفاً على الاقتراع، لكن لم يتوفر مرشحون يحملون مشروع التغيير فعبثاً تكون الانتخابات. فالأحزاب والزعامات سيعيدون إنتاج أنفسهم وسيجددون ثقة الناس بهم. لذلك إلى جانب الاهتمام بتسجيل أسماء الناخبين، يجب أن يكون هناك اهتمام بتأمين مرشحين تصبّ لهم أصوات الناخبين. فالمشهد إذا بقي على حاله لايبشر بأن الانتخابات النيابية ستُحدث تغييراً كبيراً في صورة الطبقة السياسية، التي تتهمها شريحة واسعة من اللبنانيين بالفساد والمسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في لبنان.

فما يتوفر أمام اللبنانيين حالياً أصناف متعددة للمرشحين للانتخابات النيابية ليس من بينها من يحمل الخير للبنان وأهله. الصنف الأول، هم مرشحو الزعامات الطائفية والأحزاب السياسية. هؤلاء المرشحون لن تهتم قواعدهم الشعبية بكفاءاتهم وشهاداتهم ونظافة كفهم. هم مجرد أسماء أو أرقام يختارهم الزعيم أو الحزب لتمثيله في الندوة البرلمانية، وجرت العادة أن يشكل هؤلاء الأغلبية الساحقة من مجلس النواب، وما يجب العمل على تغييره في الانتخابات المقبلة.

الصنف الثاني من المرشحين هم المتموّلون سواء كانوا ضمن قوائم الأحزاب أو مستقلين. هؤلاء سيوزّعون "فريش دولار" على من يصفق لهم، ويستأجر محالهم وسياراتهم وأصواتهم، لكنهم لن يصلوا إلى الندوة البرلمانية. ربما جيوبهم ملآنة، لكن رؤوسهم فارغة.

الصنف الثالث وهو الجديد هذه المرة هم مرشحون يُطلقون على أنفسهم كلمات فضفاضة غير مفهومة. مرشحو الثورة أو مرشحو المجتمع المدني، أو مرشحين مستقلين، أو اختصاصيين. تحت هذا الصنف توجد تصنيفات تفصيلية. صنف يتبع لسفارات خارجية يتلقى الدعم المالي والإعلامي والسياسي منها، مهمته تنفيذ أجندات الجهة التي تدعمه.

صنف ينتمي لأحزاب اليسار أو منشقين عن اليسار، يدركون أن الإفصاح عن هويتهم اليسارية ستنفّر الناس منهم، فكان المخرج بالتلطّي تحت عباءة الثورة والمجتمع المدني لخوض الانتخابات. صنف هم من السلطة لكنهم نجحوا في اختراق صفوف الثورة والمجتمع المدني، ويقدّمون أنفسهم كمستقلين مهمتهم الحقيقية ليست الفوز بل تشتيت الصفوف والأصوات. صنف لاينتمي لأحزاب ترشحهم، ولايملك مالاً ليصرفه، لكنه يطمح بدخول العمل السياسي بدافع شخصي، يجد في نفسه مواهب وقدرات لا أحد يقدرها، لكنه لم يجد منصة تقدمه للناس، فلم يجد كرسياً يجلس عليه إلا من خلال الادعاء بأنه من الثوار أو من المجتمع المدني. هذا الصنف يتحدث بكلام كبير ويطلق شعارات برّاقة أحياناً كثيرة دون أن يفهم معناها.

يبقى الصنف الأهم. هو الصنف الفاخر نظيف الكف المتعلم المثقف، صاحب الخبرة واليد البيضاء. هذا الصنف لن تجد صورته في الشوارع وعلى واجهات الأبنية، وهو لن يتمكن من استئجار محل أو سيارة ولن يدفع لقاء صوت انتخابي، وربما لن يكون مرشحاً للانتخابات بسبب عدم قدرته على دفع رسمها المالي، أو أنه لا يريد خوض الانتخابات رغبة بعدم تلويث نفسه بأدران السياسة. هذا الصنف، هو من يجب على اللبنانيين البحث عنهم ومساندتهم وتشجيعهم على الترشح للانتخابات النيابية ومنحهم أصواتهم. لأنه من خلال هؤلاء فقط يمكن أن يحصل التغيير.

أوّاب إبراهيم