أواب إبراهيم

في مثل هذه الأيام قبل تسع سنوات، انتقل قادة القوى اللبنانية المتناحرة إلى فندق الشيراتون في العاصمة القطرية الدوحة، برعاية قطرية مباشرة، وعربية وإقليمية غير مباشرة. القرار القطري كان واضحاً، لن تغادروا فندق الشيراتون قبل التوصل إلى اتفاق ينهي ثمانية عشر شهراً من الأزمة السياسية، شهدت بعض محطاتها أحداثاً دامية. وهكذا كان، فعاد المختصمون على متن طائرة الخطوط الجوية القطرية بعد أن نالوا الحد الأدنى مما كانوا يطالبون به. فتم الاتفاق على انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وكان سليمان حينها شخصية وسطية مستقلة على مسافة واحدة من المتخاصمين، قبل أن يغير حزب الله وحلفاؤه رأيهم، بعدما ارتكب الرئيس الجرم المحرم بانتقاد سلاح الحزب. تضمن اتفاق الدوحة كذلك التوصل لقانون الانتخابات النيابية. أما البند الأخير في الاتفاق، فنال حزب الله مراده بتشكيل حكومة يملك فيها الثلث الذي يعتبره ضامناً لعرقلة ما لا يريد. 
من حيث الشكل، فارق كبير بين الوضع الراهن والوضع الذي كنا عليه عام 2008، فعلى رأس السلطة في لبنان رئيس يطلق عليه محبّوه وصف «القوي» و«بيّ الكل»، ورغم عدم التوصل لقانون انتخابات جديد والفترة الزمنية المتاحة باتت «محشورة»، يبقى قانون الستين نافذاً وسارياً ومتاحاً لإجراء الانتخابات على أساسه في ظل قبول مختلف الأطراف به رغم ادعائهم خلاف ذلك. أما الحكومة، فلم يعد الثلث المعطل هاجساً لحزب الله، بعدما انقلبت الموازين منذ تسع سنوات وحتى يومنا هذا، وتمدّد الحزب وتوسّعت اهتماماته ليصبح الشأن اللبناني قضية تفصيلية على لائحة اهتماماته. والأهم هو أن لبنان -رغم البؤر المشتعلة من حوله- يحافظ على قدر كبير من الاستقرار الأمني والسياسي، وإن كان يشهد انفلاتاً أمنياً مجتمعياً غير مسبوق، فكل يوم نسمع عن حوادث قتل وسرقة وانتحار وإيذاء نتيجة خلافات فردية أو عائلية أو تنافس بين شبان على خطب ودّ فتاة.
هذه الأجواء الإيجابية والاسترخاء الأمني الذي يشهده لبنان لايعني بالضرورة أن الأمور تمام، وكل شي عال العال. فربما يكون الاسترخاء ناتجاً من عدم توافر طرفين متصارعين كما كان عليه الحال عام 2008، وهذا الواقع ربما لايعود إلى وعي الأطراف التي كانت متناحرة، ولا إلى تصالحها وتوافقها حول مختلف القضايا، بل -على الأرجح- يعود إلى انتصار طرف على الآخر، وتحقيق كل ما كان يسعى إليه، في مقابل إخفاق الطرف الآخر، ما يرجح ذلك هو أن القضية الخلافية الأساسية التي تمحور حولها الصراع الذي أدى لاتفاق الدوحة، هو التسابق على النفوذ والاستحواذ على الحكم في لبنان، سواء في موقع الرئاسة أو في مجلس النواب أو الحكومة، أو حتى في الإدارات والمناصب الأخرى، كما حصل حين أقالت الحكومة رئيس جهاز أمن المطار. ويذكر اللبنانيون أن الصراع على كرسي وزاري واحد أدى لإسقاط الحكومة، وتعطيل وسط بيروت لأكثر من عام، انعكست صراعات دموية في الشارع، أعادت إلى الأذهان شبح الحرب الأهلية، بينما الواقع اليوم مختلف.
فالرئاسة الأولى آلت إلى العماد ميشال عون، الذي رشّحه حزب الله منذ بداية الحديث عن الانتخابات الرئاسية. والحكومة الموصوفة بأنها حكومة وحدة وطنية تشارك فيها الأطراف الرئيسية، وأغلبية أعضائها ينتمون إلى فريق حزب الله وحلفائه بعد استحداث موضة جديدة عنوانها حصول رئيس الجمهورية على حصة خاصة به من الوزراء، بالإضافة إلى الحصة التي نالها حزبه، أما بالنسبة إلى قانون الانتخابات الذي ما زال عقدة في طريق استقرار الأمور، فقد فرض حزب الله كما حصل في محطات كثيرة سابقة، إرادته على بقية القوى لناحية اعتماد النسبية الكاملة عوض الأكثرية التي كانت سارية. في حين أن الطرف الآخر الذي يفضل القانون الأكثري، رضخ من جديد وقبل بمبدأ النسبية. والمشكلة القائمة حالياً هي بين الحزب وحلفائه، وليست خصومه الذين اعتادوا في الآونة الأخيرة الرضوخ والاستجابة لكل ما يطلب منهم.
الخلاصة النهائية، لاخوف على الأمن والاستقرار في لبنان، فالوضع ممسوك، طالما أن طرفاً يفرض شروطه، والطرف الآخر يستجيب لها، وبالتالي فلا مكان للصراع والتنافر.<