العدد 1475 /25-8-2021

من إيجابيات الأزمات الكثيرة التي يعاني منها اللبنانيون أنها جعلتهم يستشعرون نعم الله التي لاتُحصى التي كانوا يرفلون بها دون الشعور بقيمتها. فرغم أن التيار الكهربائي لم يكن يوماً دائماً في لبنان، لكن كان يسنده المولد الكهربائي. في حين أنه اليوم صار ضيفاً غالياً على اللبنانيين، لم يعد يسنده شيء بعدما باتت تغذية المولد الكهربائي أكثر سوءاً من تغذية التيار، بالإضافة للكلفة العالية التي تترتب على كاهل اللبنانيين والتي يعجز معظمهم عن تحملها.

استشعار نِعَم الله أمر محمود وضروري ويجب أن يرافق الإنسان في كل مناحي حياته، لكن ذلك لايجب أن يكون بالضرورة بسبب فقدان هذه النعم وحرمانه منها. وقد قيل "إذا أردت أن تعرف نعم الله عليك.. أغمض عينيك"، في حين أن المواطن اللبناني لم يعد مضطراً لإغماض عينيه كي يدرك قيمة نعمة البصر التي حرمها الله لبعض عباده. فحين يستيقظ ليلاً للذهاب للخلاء أو شرب مياه، صار يشاطر الضرير شعوره ولو كان "يبحلق" بعينيه جراء الظلام الدامس الذي يلفّ ما حوله. أمر ربما يعزّز من استشعار المرء لنعمة البصر، لكنه لا يجب أن يصبح مألوفاً.

فحق المواطن في لبنان كما كل البشر أن يصلهم التيار الكهربائي 24/24 ساعة، وحقه أن لا يضطر لمدّ كابل كهربائي قبيح بين المباني والأحياء ليصل إلى اشتراك مولد كهربائي يستغلّ صاحبه حاجة الناس ليفرض السعر الذي يريده ويقنّن عليهم ساعات تشغيل المولّد.

حق المواطن أن يخرج من منزله وأن يعود ساعة يشاء، دون أن يخطّط مسبقاً ويتكبّد عناء احتساب موعد عودة التيار كي يتسنّى له الوصول إلى منزله بالمصعد وليس على السلالم. حق المواطن أن يضطجع على سريره دون أن "يزرزب" العرق من أعلى جبينه حتى أسفل مؤخرته لأنه لايستطيع تشغيل المكيّف أو المروحة. حق المواطن أن ينام ملئ جفونه غير عابئ بعودة التيار كي يصحو لتشغيل سخان المياه أو المكواية أو الغسالة. حق المواطن أن يشتري اللبنة والجبنة والحليب والخضراوات دون أن يفكر بإمكانية فساد هذه السلع في البراد بسبب ساعات انقطاع التيار الكهربائي عنه.

حق المواطن أن يستحم دون أن يقلق من انقطاع المياه عليه وهو مغطى بالصابون، حق المواطن أن يصل إلى مقر عمله بوسيلة نقل متواضعة. فإذا تقاعست السلطة عن تأمين وسائل نقل عامة بأسعار زهيدة، حق المواطن على سلطته تأمين البنزين كي يتسنّى لمن يملك سيارة أن يستعملها، لا أن يضطر للّجوء لتجار السوق السوداء فيشتري البنزين بأضعاف سعره.

هل من الطبيعي أن يخرج الناس إلى الشرفات ليكبّروا ويهلّلوا ويزغردوا حين عاد التيار الكهربائي إلى منطقة الطريق الجديدة بعد قرابة أسبوع من الظلام الدامس، فقط لأن بضعة "شبيحة" أحرقوا محطة التغذية الكهربائية.

حق المواطن أن يتنقل بين المناطق دون أن يتحمّل مشقة قضاء ساعات في الشارع تحت أشعة الشمس بسبب قطع طريق دولي من بضعة "زعران" أتاهم الأمر بقطع الطريق تحت أعين الأجهزة الأمنية التي تدّعي أنها تكفل حق التعبير السلمي. حق الشعب اللبناني على سلطته أن تقوم بالتحقيق وملاحقة ومعاقبة وسجن كل محتكر ومجرم وفاسد يستغلّ حاجات الناس.

كل هذه الأمور هي نعم أنعمها الله على عباده يجب أن يحمدوه ويشكروه عليها كل يوم وكل ساعة، لكنها في الوقت عينه حقوق أصيلة واجب السلطة تأمينها لكل الناس. ويجب على الشعب اللبناني أن لايعتاد الوضع البائس الذي يعيشه ويظن أنه طبيعي، وعليه أن يدرك بأن معاناته سببها سلطة نخرها الفساد من رأسها لأصغر موظف فيها.

أوّاب إبراهيم