اواب ابراهيم

أثارت الأحكام القضائية التي صدرت عن المحكمة العسكرية بحق عدد من المتهمين بما بات يُعرف «بأحداث عبرا» تنديداً واستنكاراً من ذوي المحكومين، وهي استدعت تحركاً عاجلاً وغاضباً منهم، فقاموا بزيارة الجهات المعنية بملف أبنائهم ونظموا تجمعات غاضبة أمام المحكمة العسكرية استنكاراً للأحكام التي يصفونها «بالجائرة». هذه الأحكام تراوحت حتى وصلت حد السجن المؤبد، وكذلك الأشغال الشاقة لعشر سنوات لعدد من المتهمين، فيما التهمة الجاهزة هي الانتماء لتنظيم مسلح وإطلاق النار على الجيش اللبناني. منبع الغضب والاستنكار هو أن المحكمة نفسها التي أصدرت أحكامها المشددة على شبان في مقتبل العمر، سبق لها في مرات سابقة كثيرة أن أصدرت أحكاماً مخففة إزاء قضايا مشابهة لكن المتهمين ينتمون لجهات أخرى. 
أهالي من صدرت بحقهم الأحكام المشددة لايطالبون بتبرئة أبنائهم، هم يطالبون بأن تتم معاملة أبنائهم كما يتم التعامل مع غيرهم من المذنبين. هم يستنكرون أن تُصدر المحكمة نفسها أحكاماً متفاوتة تجاه قضايا متشابهة، فتتشدّد مع أبنائهم، بينما تتساهل وتبحث عن الأسباب التخفيفية في تعاملها مع متهمين آخرين. في جعبة الأهالي الكثير من الأمثلة والشواهد، ويتساءلون: كيف يعقل أن تقوم المحكمة بإخلاء سبيل عنصر من حزب معيّن بعد أشهر من توقيفه، رغم إقراره بقتل ضابط في الجيش اللبناني كان يقوم بدورية مراقبة في منطقة الجنوب، بينما تحكم على أبنائهم بالمؤبد في قضية ملابساتها غير واضحة وليس فيها أدلة جازمة بعدما اختلط الحابل بالنابل في المواجهات المسلحة، ولم يعد يُعرف مَن يُطلق النار على مَن. الأهالي يتساءلون كذلك، لماذا ترفض هيئة المحكمة التحقيق في الإخبار الذي قدمه وكلاء الدفاع عن أبنائهم الذي يشير إلى أن عناصر مما يسمى سرايا المقاومة، هم الذين أطلقوا الرصاصة الأولى على حاجز الجيش اللبناني، وهو ما أدى لانفلات الأمور واشتعال شرارة الاشتباكات. لماذا تتجنب المحكمة التحقيق في هذا الإخبار، وتتجاهل عاملاً مهماً وأساسياً قد يغيّر مسار المحاكمات ويقلب الكثير من الوقائع، ويؤكد رواية يرددها كثيرون بأن ما حصل في عبرا كان فخاً نصبه حزب الله للشيخ أحمد الأسير ومناصريه، للإيقاع بهم وتوريطهم في معركة بمواجهة الجيش اللبناني تمهيداً للتخلص منهم والقضاء على ظاهرة أحمد الأسير، وهو ما حصل.
أسئلة أخرى يبحث أهالي المحكومين من أبناء مدينة صيدا على أجوبة عليها، كيف تكون العدالة حين تصدر أحكام مشددة على أبنائهم في حين أن المحكمة نفسها أصدرت أحكاماً بغرامات مالية وسجن لعدة أشهر بحق عملاء «إسرائيل» ممن شاركوا بقتل وتعذيب مواطنين لبنانيين؟ هل الذنب الذي ارتكبه أبناؤهم يزيد عن ذنب «ميشال سماحة» الذي ألقي القبض عليه بالجرم المشهود بعدما استلم عبوات مفخخة من مسؤولين في النظام السوري لتفجيرها في عدد من المناطق اللبنانية، واعترف بالصوت والصورة بأنه كان يحضّر لقتل علماء ونواب وشخصيات مناوئة للنظام السوري، ثم بعد كل ذلك تحكم عليه المحكمة بالسجن لأربع سنوات وتقوم بإخلاء سبيله بعد مدة  قبل أن يتم تصحيح الأمر لاحقاً؟!.
يحدث أن يكون هناك توجّه لدى القضاء بالتشدد في إصدار أحكامه أو تخفيفها، لكن ليس من المقبول ولا من المنطقي أن يتم التشدد في إصدار الأحكام تجاه فريق من اللبنانيين، في حين يتم منح كل الأسباب التخفيفية تجاه فريق آخر. 
 لماذا تصرّ المحكمة العسكرية على إبقاء علامات الاستفهام حولها، وكأنها تريد التأكيد لفريق من اللبنانيين أن أحكامها تراعي فريقاً في مواجهة فريق آخر? لماذا تصرّ على إبراز نفوذ جهة معينة في أروقتها، فتراعي أحكامها ظروف هذه الجهة، بينما تتحامل على الجهة الأخرى؟ لماذا تصرّ المحكمة العسكرية على لفت الأنظار إليها وتستدعي مطالبات إلغائها على اعتبار أنها محكمة استثنائية يجب أن تكون مختصة حصراً بمحاكمة العسكريين ورفض توسيع اختصاصاتها؟!.