على عكس اعتقاد البعض أنّ المجلس الدستوري، رئيساً وأعضاء «قاعدين بلا شغل»، وينتظرون الطعون في الانتخابات البلدية والاختيارية والنيابية للعمل، يبدو المجلس «خليّة نحل» لمواكبة الجديد في العالم الدستوري شرقاً وغرباً، حيث ينطلق في ورشة مفتوحة لمقاربة الطعون الانتخابية المنتظرة على أبواب استحقاق 6 أيار. فكيف يستعدّ لمواجهة ما هو منتظَر؟
يعترف مرجع دستوري بأنّ القانون الجديد للانتخابات فرض على رئيس المجلس الدستوري وأعضائه إقامة ورشة قانونية ودستورية لمقاربة التعقيدات التي جمعها القانون الجديد في الآليات المعتمدة في أكثر من محطةٍ انتخابية، وما حملته بعض المحطات الدستورية من تناقضات تؤدي الى مزيد من الطعون أمام المجلس بعد إقفال صناديق الاقتراع وإعلان النتائج النهائية، بما فرضته من آليات يختلط فيها علم الحساب والنسبية مع الصوت التفضيلي في آن.
وعليه، يضيف المرجع، فإنه في مقابل الآلية السهلة التي اعتُمدت للتصويت في صناديق الإقتراع من خلال وقف الترشيحات الإفرادية وحصرها باللوائح الانتخابية المطبوعة سلفاً في شكلها ومضمونها، وصولاً الى اعتماد الصوت التفضيلي الواحد، فإنّ هناك كمّاً من التعقيدات المنتظرة بعد إقفال صناديق الاقتراع، وتحديداً عند بدء الفرز لتحديد الحاصل الانتخابي الأول ومن ثم الثاني الذي يحدّد نسبَ التمثيل التي حازته اللوائح المتنافسة كل على حدة، قبل دخول مرحلة تعداد الصوت التفضيلي لتحديد الفائزين وتوزيع الحصص على اللوائح نسبياً.
عند هذه المحطات التي لا بدّ منها، يهاب رئيس المجلس الدستوري وأعضاؤه ما سيُطرح من طعون وهم يستعدون لهذه المرحلة بكثير من الجدّية، انطلاقاً من إجراء قراءة متأنّية للقانون بهدف تبسيطه لمواجهة ما يمكن أن تطاله الطعون المتوقعة من أسباب تحاكي حالات وشكاوى يمكن توقّعها، نظراً الى حجم المخالفات المرتكبة وما سُجّل لدى هيئة الإشراف على الانتخابات من شكاوى، وما أُحيل على الأجهزة القضائية من مراجعات مماثلة. ويضاف اليها بالطبع ما نتج من النتوءات المتعددة التي يحويها القانون في كثير من مواده وما سمح به من إمكان اللجوء الى كل أشكال الطعون الجماعية والإفرادية.
فهو يتيح اللجوء الى تبادل الطعون بين أعضاء اللائحة الانتخابية نفسها وفي ما بين هذه اللوائح المتنافسة، وما بين مرشح وآخر بنحو لا يتوقعه المشرّعون المتخصّصون في الطعون النيابية في كثير من دول العالم. وعلى عكس ما حمله القانون الجديد الذي يتباهى به بعض صانعيه، فإنّ الدول المتقدمة التي حاولنا تقليدها والسير على خطاها اعتمدت قوانين انتخاب أكثرَ وضوحاً وشفافية، استندت فيها الى آليات واضحة في كل المراحل التي تحاكي ديموقراطية تمثيل لا يرقى اليها الشك، وهي تختلف في شكلها والمضمون عن القانون اللبناني الجديد الذي جمع ودمج في مراحله المختلفة بين قوانين عدة وصاغ قانوناً – على الطريقة اللبنانية – لا شبيه له في العالم.
ولذلك فقد انتهت القراءة الأوّلية التي أجراها المجلس الدستوري للقانون في خطوطه العريضة قبل الغوض في مواده بالدقة المطلوبة، الى تحديد الخلط الحاصل ما بين العناصر التي تقول بالنسبية الخالصة أو «بصوت واحد لمرشح واحد» من خلال الإعتماد على صوت تفضيلي واحد، وهو ما أدّى عملياً الى قانون أقل ما يقال فيه أنه هجين، وفيه ما يكفي من اسباب إبطاله لاحقاً والتفاهم على ضرورة اعتماده لمرة واحدة. وهو ما عبّرت عنه بالدرجة الأولى تركيبة بعض اللوائح التي جمعت مجموعة من المرشحين لا يجمعهم منطق سياسي ولا معايير ولا برنامج واضح سوى أنها شكّلت «قارباً» يعبر بهم في مرحلة تمتد ما بين 26 آذار تاريخ انتهاء تشكيلها، الى 7 أيار تاريخ اعلان النتائج، من مواقعهم الحالية الى ساحة النجمة.
واستعداداً لما هو متوقع من طعون، باشر المجلس الدستوري بعد إجرائه قراءة مبسّطة للقانون المعتمد ورشة عمل دستورية وقانونية بإجراء مقاربة علمية نموذجية في دائرة انتخابية مختلطة تجمع 13 مرشحاً يتنافسون في قضاءَين وتتعدّد فيها مذاهب المرشحين. وعلى أساس أنّ ثلاث لوائح من اصل خمس فازت بالحواصل الإنتخابية المطلوبة لضمان فوزها بالمقاعد وعليها توزيع الفائزين. واللافت أنّ هذه المقاربة أدّت الى نتيجة صادمة لا تشبه ما تقول به الديموقراطية لا في شكلها ولا في مضمونها ولا في اهدافها مطلقاً، وتحديداً عندما فاز أحد اعضاء اللائحة الثالثة التي نالت مقعداً واحداً رغم نيله نسبة 2،4% من الأصوات التفضيلية وخسر مرشح آخر من لائحة أخرى كان قد نال 7،5 % من هذه الأصوات.
وعلى هذه الخلفيات يمضي المجلس الدستوري في مشواره الاستباقي لانتخابات السادس من أيار غائصاً في كثير من مواد القانون من أجل إجراء المقاربة الدقيقة لكل موضوع أو شكوى محتملة، وهو سيستعين باختصاصيّين يضمّون خبراتهم الى ما لدى بعض أعضاء المجلس من قدرات، وسبق لهم أن رئسوا لجانَ القيد العليا في أكثر من عملية انتخابية، ولهم باعٌ طويل في تفسير المواد القانونية والدستورية الانتخابية واستشفاف مراميها وما قصده المشترع وخلفياتها التي يمكن أن تسهل النظر في كثير من الطعون المرتقبة، بنسبة كبيرة من الصدقية والشفافية ما يؤدّي الى إحقاق الحقّ وكشف المزوّر والمستور.
وبناءً على ما تقدّم، يدرك أعضاء المجلس الدستوري انّ المسؤولية الملقاة على عاتقهم جسيمة وكبيرة، وأنّ على بقية المؤسسات أن تقوم بعملها، ولذلك فهي تنتظر أن ترفدها هيئة الإشراف على الانتخابات بتقريرها النهائي الذي يعوَّل عليه كثيراً، ما يفرض النظر اليه عند البتّ بأيّ طعن يقدَّم أمامها بما يرضيها دستورياً وقانونياً ويعيد الحق الى أصحابه، ووقف كل اشكال الظلم إن وُجد.
أما الحديث عن المهاترات الانتخابية وما يرافق التحضير لها من مواقف تحاكي كل أشكال التحريض السياسي او المذهبي التي تذكي الفتنة، فهي ليست من مسؤولياتها ما دامت تجرى قبل اقفال صناديق الاقتراع، سوى ما ينعكس على نتائج الانتخابات، وهو ما لا يمكن التثبّت منه بدقة تؤدي الى قبول أيّ طعن أو رفضه.}