العدد 1563 /17-5-2023
بسام غنوم

مازالت العقدة الرئاسية في لبنان تراوح مكانها رغم كل الجهود التي تبذلها القوى الاقليمية والدولية مع مختلف الاطراف السياسية في لبنان ، وترجع حالة المراوحة الى تمسك مختلف الاطراف بمواقفهم الرافضة للطرف الآخر ، والى عدم استعدادهم للتوصل الى تسوية سياسية تسمح بانتخاب رئيس للجمهورية يرضى عنه كل اللبنانيين ، وما حالة الرفض لمرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية من قبل قوى المعارضة رغم الاشارات الايجابية لناحية عدم معارضة انتخابه من قبل السعودية ، الا مؤشر على عمق واستمرار الازمة السياسية في لبنان ، حيث يصر فريق السلطة على التمسك بكل مكتسباته السابقة والتي اوصلت لبنان الى الهاوية ، ويرفض التفاهم على مرشح غير مرشحه سليمان فرنجية رغم طرح وليد جنبلاط وقوى المعارضة اكثر من اسم لموقع رئاسة الجمهورية تتوفر فيه صفة الحيادية مثل الوزير السابق جهاد ازعور ، وقائد الجيش جوزيف عون ، والوزير السابق زياد بارود.

هذا الواقع الانتخابي في لبنان يقودنا الى المقارنة مع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في تركيا والتي ادت الى فوز تحالف الجمهور بقيادة الرئيس رجب طيب اردوغان بالانتخابات البرلمانية والى جولة ثانية في 28 من شهر ايار الجاري في الانتخابات الرئاسية ، وتكمن طبيعة المقارنة في حالة الاستقطاب السياسي والشعبي اولا ، والوضع الاقتصادي الصعب ثانيا .

ففي لبنان بلغ الانقسام السياسي والطائفي حده الاقصى ورغم مخاطر ذلك على امن واستقرار لبنان على المديين القصير والمتوسط تصر القوى السياسية في لبنان على وضع رأسها في الرمال وتجاهل كل المؤشرات الخطيرة على الارض من مثل ارتفاع عمليات القتل والسرقة وتجارة المخدرات في مختلف المناطق اللبنانية ، وكذلك تفكك اجهزة الدولة والتي بدأت تطال حتى الاجهزة الامنية التي اصبحت منهكة من كثرة ما تواجهه من احداث مخلة في الامن .

بالمقابل في تركيا رغم الانقسام الشعبي الكبير وحالة الاستقطاب السياسي بين مختلف فئات الشعب التركي طائفيا وعرقيا تعيش تركيا في ظل حالة من الامن والاستقرار وعلى كل المستويات وقد تجلى ذلك في الانتخابات النيابية والرئاسية وقبلها في الحملات الانتخابية التي لم تشهد اي حادث مخل بالامن ، ويرجع ذلك الى وعي السلطة والمعارضة على حد سواء بأهمية المحافظة على امن واستقرار تركيا وهذا مؤشر على الوعي السياسي والمجتمعي في تركيا ، بينما في لبنان البلد ذاهب الى الانهيار والقوى السياسية في السلطة والمعارضة بدلا من السعي لايجاد الحلول المناسبة تعمل على تحضير نفسها للمواجهة شعبيا وطائفيا ومذهبيا وحتى امنيا.

اما على الصعيد الاقتصادي فرغم وصول الوضع في لبنان الى الهاوية بكل مافي الكلمة من معنى فإن القوى السياسية اللبنانية لايبدو انها تعيش مآسي اللبنانيين ، وهي مازالت تعول على المساعدات المحتملة من صندوق النقد الدولي ومن الدول العربية والاوروبية وأميركا من انقاذ لبنان من ازمته الاقتصادية ، فيما شكلت الازمة الاقتصادية في تركيا عنوانا حاسما في الصراع على السلطة بين السلطة والمعارضة، حيث قدمت المعارضة نفسها كمنقذ للاقتصاد الوطني بيمنا حرص الرئيس اردوغان على عرض انجازاته الاقتصادية الكبيرة التي نقلت تركيا من مصافي الدول المتخلفة اقتصاديا الى مجموعة العشرين التي تضم افضل عشرين اقتصادا في العالم ، و قرر الرئيس اردوغان اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة رغم الحرب الاقتصادية المعلنة على تركيا منذ العام 2016 بعد محاولة الانقلاب العسكري في 2016، ثم العقوبات الأميركية والغربية المتواصلة على تركيا، والحرب الشرسة التي أعلنها دونالد ترامب والمستمرة مع ادارة بايدن على الاقتصاد التركي وإعلان ترامب سابقا عن العمل على تدمير الليرة التركية لأن الرئيس اردوغان يدرك ان مواجهة الازمات لاتكون بتجاهلها بل في اكتساب ثقة الشعب مجددا والعمل بكل الطرق المناسبة على ايجاد الحلول المناسبة لها.

بالخلاصة يمكن القول انه اذا كان هناك من درس يمكن الاستفادة منه لبنانيا بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت الاسبوع الماضي في تركيا فهو ان حماية امن واستقرار الوطن ، وتأمين حياة المواطنين وازدهار الاقتصاد اهم من كل المصالح السياسية والحسابات الشخصية ولو كان الثمن خسارة السلطة. فهل تستفيد قوى السلطة والمعارضة في لبنان من تجربة الانتخابات التركية ام تستمر في سياسة التدمير الممنهج للبنان ؟

بسام غنوم