بسام غنوم

دخلت الأزمة الحكومية في مزيد من الاستعصاء والتعثّر مع بروز مطالب جديدة لبعض الفرقاء، مثل مطالبة تيار المردة بالتمثيل بوزيرين في الحكومة. وتضاف هذه العقدة الجديدة إلى عقدة التمثيل المسيحي التي تبدو مستعصية على الحل، لأن مطالبة التيار الوطني الحر بـ7 وزراء، إضافة إلى 4 وزراء للرئيس عون، تعود إلى معركة أكبر من معركة التمثيل في الحكومة، هي معركة رئاسة الجمهورية التي تحدث عنها بكل صراحة الرئيس عون في مقابلة صحفية الأسبوع الماضي حيث قال «إن المعركة الرئاسية فتحت ضد صهره الذي يتصدر السباق». ولعل هذا الكلام الصادر عن الرئيس عون شخصياً هو ما يفسِّر أسباب استعصاء عقدة التمثيل المسيحي، حيث يعتبر التيار الوطني الحر أن أي تمثيل وازن لـ«حزب القوات اللبنانية» في الحكومة الجديدة هو بمثابة استهداف مباشر لرئيسه الوزير جبران باسيل ولمعركة الرئاسية، وهذا ما دفع البطريرك بشارة الراعي إلى المطالبة بالإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة والقول: «أليس من المعيب والمسيء مثلاً الكلام منذ الآن، ونحن في الثلث الأول من العهد الرئاسي، عن حكومة تحتسب انتخاب الرئيس المقبل؟ وكأن هذا الموضوع هو الهم الوحيد وليس انتشال الشعب اللبناني من حالة الفقر والعوز، ولا النهوض بالاقتصاد في كل قطاعاته.. ولا الحد من الهجرة وإفقار البلاد من قدراتها!».
وبرز أيضاً في إطار محاولات التعطيل ما يُسمى معايير التأليف الحكومي التي ينبغي للرئيس المكلف اعتماده في تشكيل الحكومة الجديدة، ويتصدر المطالبة بـ«المعايير» «حزب الله» والتيار الوطني الحر الذين يريدون اعتماد نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة معياراً وحيداً لتشكيل الحكومة الجديدة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل اعتمد معيار نتائج الانتخابات النيابية سابقاً حتى يتم اعتماده حالياً من قبل الرئيس الحريري؟
في الانتخابات النيابية التي جرت عام 2009 فاز تحالف قوى 14 آذار بالأكثرية النيابية في المجلس النيابي وحاز 71 مقعداً نيابياً من أصل 128 مقعداً، يومها خرج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وقال: «فازت قوى 14 آذار بالأكثرية النيابية وفزنا بالأكثرية الشعبية»، وكان قبل الانتخابات قد تعهد بترك قوى 14 آذار بتشكيل الحكومة الجديدة منفردة إذا فازت بالانتخابات النيابية ولكن بعد نتائج انتخابات عام 2009 وعند عمل الرئيس سعد الحريري على تشكيل الحومة الجديدة التي سميت «حكومة الوحدة الوطنية» أصر «حزب الله» وفريق 8 آذار على الحصول على «الثلث المعطل» في الحكومة، وبعد تعطيل وتأخير طويل حصل «حزب الله» وفريق 8 آذار على «الثلث المعطل» في الحكومة الثلاثينية ووضع الوزير عدنان السيد حسن وزير احتياط من حصة الرئيس ميشال سليمان، وبسبب الخلاف مع الرئيس سعد الحريري حول المحكمة الدولية، وفي أثناء زيارة الرئيس سعد الحريري العاصمة الأميركية واشنطن وقبيل لقائه مع الرئيس أوباما أعلن وزراء المعارضة من قصر بعبدا استقالتهم من «حكومة الوحدة الوطنية»، وجاء في إعلان الاستقالة الذي تلاه الوزير جبران باسيل أن الاستقالة جاءت نتيجة «التعطيل» الذي أصاب الجهود الرامية الى «تخطي الأزمة الناتجة من عمل المحكمة الدولية»، متهمـاً «الفريق الآخر بالرضوخ للضغوط الخارجية، ولا سيما الأميركية».
وتبين هذه المراجعة التاريخية لتشكيل الحكومات في فترة ما بعد اتفاق الطائف أن معيار نتائج الانتخابات النيابية لم يُعتَمد قطّ، وان المعيار الأساسي المعتمد هو معيار «حكومة الوحدة الوطنية» الذي اعتمد من أجل حماية الأمن والاستقرار في لبنان، ولو على حساب نتائج الانتخابات النيابية، ولذلك تبدو مطالبة «حزب الله» والتيار الوطني الحر باعتماد معيار نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة كمعيار أساسي ووحيد لتشكيل الحكومة وكأنه كمحاولة للانقلاب على اتفاق الطائف أولاً الذي أكد الوحدة الوطنية بين اللبنانيين، و«الديمقراطية التوافقية» التي جرى تبنيها في «اتفاق الدوحة» ثانياً للخروج من الخلاف السياسي بين مختلف الفرقاء.
ولذلك يمكن القول إن المطالبة باعتماد معيار نتائج الانتخابات النيابية دون سائر التوازنات التي تحكم العلاقة بين القوى السياسية في تشكيل الحكومة الجديدة مدخل الى فتنة جديدة بين اللبنانيين، وهو ما يدركه الرئيس المكلف سعد الحريري الذي يبدي حرصاً كبيراً على تشكيل حكومة وحدة وطنية يتمثل فيها كل القوى السياسية الفاعلة حتى لا يعود لبنان الى التجارب السابقة التي أدت الى الاقتتال بين اللبنانيين.
بالخلاصة، يمكن القول إن التيار الوطني الحر ومعه «حزب الله» يريدان وضع اليد على الحكومة عبر بدعة معيار نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، فهل يستمر التعطيل الى ان يتحقق لهما ذلك.}
بسام غنوم