بسام غنوم

منذ أن أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قبل ما يقارب الأسبوعين «أنها المرة الأخيرة التي سأتحدث فيها عن جرود عرسال. والذين في هذه الجرود، هم تهديد للجميع بما فيها مخيمات النازحين السوريين، لأنهم كداعش التي كانت في الموصل»، والاستعدادات جارية على قدم وساق لبدء معركة جرود عرسال.
واللافت في إعلان السيد حسن نصر الله عن معركة جرود عرسال أنها تزامنت مع إطلاق حملات إعلامية منظمة ومدروسة من قبل وسائل الإعلام المؤيدة لـ«حزب الله» والنظام السوري، وكذلك حملات تأييد للجيش اللبناني تحت عنوان مواجهة الإرهابيين، وهو ما أدى الى إشاعة جو عنصري واستفزازي تجاه النازحين السوريين في لبنان في مختلف المناطق والمحافظات جرى فيه اتهام النازحين السوريين بالتسبب بكل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها لبنان واللبنانيون حتى وصل الأمر بالبطريرك بشارة الراعي إلى التوجه الى رئيس الجمهورية ميشال عون بالقول في قداس عيد مار شربل: «إن ما يشد الشعب الى الصمود والأمل بالانفراج، إنما هو يقينه من أنكم تتحسسون معاناته الاقتصادية والمعيشية والأمنية والاجتماعية وهموم المستقبل، وهي تتزايد وتكبر بوجود مليوني لاجئ ونازح فينزعون لقمة العيش من فمه، ويرمونه في حالة الفقر والحرمان، ويقحمون أجيالنا الطالعة على الهجرة».
وهذا الجو المناهض للوجود السوري في لبنان والذي ارتفع مع التحضيرات العسكرية لـ«حزب الله» لبدء معركة جرود عرسال يؤكد أن المعركة قريبة جداً، وان الأرضية السياسية والشعبية لهذه المعركة قد أصبحت جاهزة، والجميع بانتظار الساعة الصفر التي يحددها «حزب الله».
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل معركة جرود عرسال من أجل حماية لبنان واللبنانيين من خطر الإرهاب، أم هي خدمة للمشروع الإيراني في المنطقة؟
قبل الحديث عن المعركة المرتقبة لـ«حزب الله» في جرود عرسال لا بدّ من التوقف أولاً عند حملات التحريض على النازحين السوريين في لبنان التي أصبحت استفزازية وعنصرية بشكل كبير وتشبه الى حد كبير الحملات التي كانت تستهدف الوجود الفلسطيني في لبنان قبل عام 1975والتي كانت سبباً رئيسياً في خراب لبنان.
فهل يراد للبنان فتنة جديدة تحت عنوان النزوح السوري في لبنان، وما هي مسؤولية «حزب الله» والحكومة اللبنانية عن هذا النزوح؟
الإجابة عن هذا السؤال تختصر كثيراً الجدل الدائر حول آثار النزوح السوري في لبنان، وحول المخاطر الأمنية التي يسببها هذا النزوح.
فمن المعلوم أن من الأسباب الرئيسية للنزوح السوري إلى لبنان تدخل «حزب الله» في سوريا دفاعاً عن النظام السوري بطلب من إيران بحجة الدفاع عن «محور المقاومة»، وقد بدأ هذا التدخل أولاً في مناطق القلمون والقصير، وهو ما دفع أهالي القصير والقرى المجاورة لها إلى النزوح الى عرسال.
وبعد ذلك تمدد تدخل «حزب الله» الى دمشق بحجة الدفاع عن مقام السيدة زينب، ورفع شعاراً طائفياً للمعركة هو «لن تُسبى زينب مرتين»، وكان ذلك مبرراً لمشاركة «حزب الله» في المعارك في الغوطة الشرقية والحجر الأسود ومخيم اليرموك وغيرها في دمشق وضواحيها، وهو ما دفع بالمزيد من النازحين السورييين الى لبنان.
وبعد مشاركة «حزب الله» في حصار مدينة حمص من أجل تأمين الخط الساحلي الى طرطوس واللاذقية، زاد النزوح السوري كثيراً  في لبنان، وصولاً الى معارك حلب الأخيرة التي رفعت النزوح السوري إلى أقصاه.
باختصار، «حزب الله» وإيران والنظام السوري والحكومة اللبنانية، بصمتها وتخاذلها، مسؤولون مباشرةً عن مشكلة النزوح السوري في لبنان، وبالتالي كل مشاكل هذا النزوح نتيجة لقتال حزب الله في سوريا دفاعاً عن النظام السوري وما يسمى «محور المقاومة»، ولذلك يمكن القول ان مشروع الفتنة التي يجري الإعداد له تحت عنوان محاربة الإرهابيين في جرود عرسال انما هو كذبة كبيرة يتحملها «حزب الله» بالكامل.
وبالعودة الى التحضيرات الجارية لمعركة جرود عرسال، فقد اعتبر رئيس كتلة الوفاء للمقاومة أنه يجب «أن يبدأ العمل لتحقيق هدف أساسي في هذه الفترة، وهو اقتلاع أوكار من بقي من الإرهابيين في جرود لبنان الشرقية» وأضاف: «إن بقاء هذه الأوكار يشكل خطراً داهماً كشفت عنه العملية الاستباقية التي أنجزها الجيش البطل حين داهم المخيمات الملاصقة لجرود عرسال» ودعا «إلى مواكبة هذه الخطوة ودعمها».
واللافت أن هذه الدعوات لتحرير جرود عرسال من الإرهابيين التي يطلقها مسؤولو «حزب الله» جاءت بعد خطاب السيد نصر الله الأخير بمناسبة تحرير مدينة الموصل العراقية من «داعش» والذي أعلن فيه «إنها المرة الأخيرة التي سأتحدث فيها عن جرود عرسال، والذين في هذه الجرود، هم تهديد للجميع»، ما يعني بكل صراحة ووضوح أن معركة جرود عرسال إنما هي استكمال للمشروع الإيراني الممتد من العراق مروراً بسوريا وصولاً الى لبنان، وان لا دخل للبنان واللبنانيين بهذه المعركة، وان «حزب الله» مطلوب منه أن يقوم بدوره في هذه المعركة القائمة في المنطقة، وأما شعار محاربة الإرهاب والإرهابيين في جرود عرسال، ومن ضمنها الحملات على النازحين السوريين في لبنان فكلها من عدة الشغل التي يعمل عليها خدمة للمشروع الإيراني في المنطقة.
باختصار، معركة جرود عرسال جزء لا يتجزأ من معارك المشروع الإيراني الممتد من العراق الى سوريا فلبنان، وأما مسألة القضاء على الإرهاب والإرهابيين فهي مجرد مبررات لا قيمة لها، الهدف منها دعم المشروع الإيراني في المنطقة لا أكثر ولا أقل.}