بسام غنوم

عاد الاهتمام مجدداً إلى قانون الانتخاب بعد طرح وزير الخارجية جبران باسيل مشروعاً انتخابياً جديداً باسم «التيار الوطني الحر». والأمر اللافت في طرح الوزير باسيل، أنه طرحه في مؤتمر صحافي عام بعد أن سلم نسخاً من مشروعه الانتخابي الجديد لبعض القوى السياسية، وهو بذلك يتخلى عن الغموض والسرية في القانون الانتخابي الذي كان معقداً في قانون الانتخاب المختلط بين الأكثري والنسبي، الذي جرى تداوله والبحث فيه حصراً ضمن اللجنة الرباعية التي ضمت الى التيار الوطني الحر، تيار المستقبل، وحركة أمل، و«حزب الله»، وبذلك يكون القانون الانتخابي الجديد للوزير باسيل متاحاً أمام القوى السياسية اللبنانية، وكذلك أمام الشعب اللبناني.
لكن الاطلالة الانتخابية للوزير جبران باسيل عبر مشروعه الجديد للانتخاب لم تكن موفقة، فهو أثار فيها هواجس طائفية ومذهبية، عبّر عنها الوزير السابق وئام وهاب بالقول: «صديقي جبران، الكلام عن رئيس مسيحي لمجلس الشيوخ مرفوض، وتعرف موقفي من المسيحيين، لكن الدروز بحاجة لضمانات وليس غيرهم». وإذا كان هذا هو رد الفعل الأولي على مشروع جبران باسيل الانتخابي من قبل وئام وهاب المحسوب على «محور الممانعة»، فكيف سيكون رد فعل وليد جنبلاط وطلال أرسلان وغيرهما، خصوصاً أن جبران باسيل أورد عبارة مطاطة في نهاية عرضه لمشروعه الانتخابي، قال فيها إنه يطالب بـ«إعادة النظر في شكل بسيط وجزئي من صلاحيات رئيس الجمهورية دون المس بالطائف»، وقد أثارت هذه العبارة نقزة طائفية حساسة لأنها تفتح الباب أمام تعديل الطائف لمصالح طائفيّة وليس وطنية، خصوصاً أن جبران باسيل أرفق مشروعه الانتخابي كما يفعل دائماً بعبارة «احتراماً للمناصفة»، فما هو مشروع جبران باسيل الانتخابي الجديد، وهل يمثل حلاً لمشكلة قانون الانتخاب العالقة منذ سنوات؟
أولاً، ما هو الجديد في قانون باسيل الانتخابي؟ الطرح الجديد يقول بأن يجري انتخاب 64 نائباً، أي نصف عدد نواب المجلس النيابي في 14 دائرة انتخابية وفق النظام الأكثري، بحيث تنتخب كل طائفة نوابها. والقسم الثاني من النواب يجري انتخابهم وفق النظام النسبي في خمس دوائر انتخابية، أي على مستوى المحافظات اللبنانية الخمس.
والملاحظة الثانية على قانون الانتخاب الجديد هي أنه أعاد إحياء القانون الأرثوذكسي الذي رفضه أكثر اللبنانيين، لأنه يعمق الانقسام الطائفي والمذهبي، ليس بين المذاهب والطوائف، بل حتى بين المناطق، حيث سيتم فرز مناطقي إضافة الى الفرز الطائفي والمذهبي، وهذا ما يتناقض مع اتفاق الطائف الذي يطالب بإلغاء الطائفية السياسية، وتغليب الانتماء الوطني على الانتماء المذهبي والطائفي.
أما بالنسبة إلى انتخاب القسم الثاني من النواب وفق النظام النسبي على مستوى المحافظات الخمس، فهو يوحي ظاهراً بأنه يعمل على الاندماج الوطني بين اللبنانيين، لكنه في الحقيقة غير ذلك، فهناك محافظات مثل الجنوب تطغى فيها الطائفة الشيعية، وبالتالي تصبح مقاعد المسلمين السنّة خصوصاً في صيدا رهينة في يد الطائفة الشيعية، وكذلك الأمر في منطقة بعلبك-الهرمل، وفي البقاع إجمالاً، حيث تصبح أكثرية المقاعد رهن إرادة الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله)، ويحدث عكس ذلك في جبل لبنان والشمال، وهو ما يفتح الباب أمام المزيد من الانقسام الطائفي، خصوصاً أن ذلك سيكون في ظل هيمنة سلاح «حزب الله» على مجمل الوضع السياسي، وما نعيشه حالياً سواء على مستوى الرئاسات أو على مستوى القرار في مجلس الوزراء أبلغ دليل على حجم تأثير سلاح «الحزب» بالوضع في لبنان.
إضافة إلى ما سبق، فقد طرح الوزير جبران باسيل أمرين حساسين، هما «إقرار مجلس للشيوخ يكون رئيسه مسيحاً غير ماروني احتراماً للمناصفة»، والثاني «إعادة النظر بشكل بسيط وجزئي في صلاحيات رئيس الجمهورية دون المس بالطائف».
بالنسبة إلى مجلس الشيوخ، وكما يعلم الجميع، فقد جرى اقتراحه في اتفاق الطائف كحل لتمثيل الطوائف والمذاهب بعيداً عن المجلس النيابي، وجرى توافق على أن تكون رئاسته للطائفة الدرزية، ويبدو أن جبران باسيل الذي كان تياره الرافض الأول لاتفاق الطائف، يريد الانقضاض على هذا التوافق اللبناني تحت عنوان «احترام المناصفة»، ولذلك كان هناك رد قاس من وئام وهاب عليه، حيث قال وهاب: «رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان أهم ثلاثة مواقع في الدولة، فهل تبادل أحدها بمجلس شيوخ؟ ونحن نقبل».
وإذا كان الدروز قد ردوا على مشروع  باسيل بسرعة قياسية فإن من المثير للاستغراب عدم وجود رد على طرح باسيل بـ«إعادة النظر في شكل بسيط وجزئي بصلاحيات رئيس الجمهورية» من قبل رئيس الحكومة سعد الحريري و«تيار المستقبل» على وجه الخصوص، لأنهم شركاء حالياً في السلطة.
فهل هناك إمكانية لقبول مثل هذا الطرح الذي يتناقض مع اتفاق الطائف من قبل الرئيس سعد الحريري و«تيار المستقبل» من أجل الحفاظ على «وحدة الموقف الداخلي»؟ خصوصاً أن هذا التعديل الجزئي والبسيط سيطاول بالتأكيد صلاحيات رئاسة الحكومة التي أقرها الطائف.
باختصار، مشروع جبران باسيل الانتخابي الجديد يمثل مشكلاً وليس حلاً على كل المستويات المذهبية والطائفية والوطنية، وهو يتناقض مع اتفاق الطائف الذي يؤكد العيش المشترك بين اللبنانيين. فهل يجري اعتماد هذا المشروع من قبل القوى الممسكة بالسلطة، أم يكون مصيره مصير المشاريع الانتخابية الأخرى التي سبقته؟