العدد 1384 / 30-10-2019

د. وائل نجم

وفي اليوم الثالث عشر على انتفاضة اللبنانيين بوجه الطبقة السياسية تقدّم الرئيس سعد الحريري باستقلة حكومته أمام اللبنانيين وأمام رئيس الجمهورية، وسبق هذه الاستقالة بساعات فوضى واعتداءات على المتظاهرين في ساحتي رياض الصلح والشهداء، فيما لم تقنع الورقة الاصلاحية الاقتصادية الاجتماعية التي أقرّتها الحكومة يوم التاسع عشر من تشرين المتظاهرين بالخروج من الشارع والساحات، لانعدام ثقتهم بتلك الطبقة لناحية تطبيق الاصلاحات.

الآن وبعد استقالة الحريري، يجري الحديث والبحث عن مآلات الحراك الشعبي، والوضع العام في لبنان، وإلى أين يمكن أن تمضي الأمور؟

في ظلّ المطالب السياسية ودخول عوامل الاستثمار السياسي الداخلي والخارجي من ناحية، والهواجس والقلق من ناحية ثانية يمكن رسم المآلات والتصوّرات التالية لانتفاضة اللبنانيين:

أن يتم الذهاب إلى تسوية تقدّم إصلاحات سياسية تقنع المتظاهرين بالخروج من الساحات وتعطي فرصة جديدة لإلتقاء الأنفاس. وهذا اليوم بعد استقالة الحريري رهن الحكومة التي يمكن أن تتشكّل. ولكن دون هذا التصوّر عقبات يأتي في مقدمتها مصير وزير الخارجية رئيس التيار الوطني الحر صهر الرئيس، جبران باسيل، وهو يعتبر من أكثر الوجوه المستفزة في الحكومة للمتظاهرين، فهناك حالة رفض لخروج باسيل خارج الحكومة من قبل رئيس الجمهورية وحتى حزب الله. إلا أن النقاش لم يُقفل بعد على هذا التصوّر وقد يكون هو الأكثر واقعية والأقل كلفة على البلد.

أن تتمسك السلطة بموقفها وترفض تقديم أي تنازل سياسي بالتزامن مع انعدام الثقة بها، ويتمسك المتظاهرون بالساحات دون تراجع أيضاً وهنا تراهن السلطة على تعب المتظاهرين وتراجعهم، بينما يراهن المتظاهرون على اتساع دائرة المشاركين بحمل مطالبهم، خاصة بعد استقالة الحكومة واعتبار ذلك من إنجازات الحراك، وهذا التصوّر قد يفضي إلى صدام بين الطرفين مع ما يعنيه ذلك من إعادة إنتاج الانقسام في لبنان، والدخول في حالة فوضى ومجهول لا يعرف أي طرف كيف يتم الخروج منه ولا كيفية المشهد بعده.

أن تسود حالة من الانقسام على تشكيل الحكومة الجديدة وفقاً لمنطق المحاصصة والمصالح الضيّقة، وهذا يعمّق الأزمة، ويطيل أمدها، مع ما يعنيه ذلك من استفحال الأزمة الاقتصادية، خاصة وأن أطراف مؤثرة في المشهد اللبناني تمسك هذه الورقة، ويمكن أن تستثمر فيها في أية لحظة، وبالتالي فإن مخاطر اندلاع شرارة التظاهرات من جديد وارد جداً في ظل الأزمة الاقتصادية التي من الواضح أنه لن تُحل بصورة سريعة، وكذلك في ظل منطق المحاصصات الذي يمكن أن يعود من جديد، وبالتالي فإن ما جرى يعتبر جولة من جولات قد تأتي وقد تكون أكثر عنفاً أو خطراً.

يبقى أن العامل الرئيسي الذي بات يحرك المشهد حالياً هو الهواجس التي طرحها حزب الله حول خلفية الجهات التي تموّل وتحرك الانتفاضة، ويعتبر أنها تستهدفه بشكل أساسي.

بيروت في 29/10/2019