بسام غنوم

تعيش الساحة اللبنانية في ظل تجاذبات سياسية وطائفية عديدة، ولعل قضية اللاجئين السوريين في لبنان وما تتركه من تداعيات على مجمل الأوضاع السياسية والطائفية والاقتصادية من أبرز القضايا التي تثير خلافات بين اللبنانيين، ولا سيما بعد تغليب النواحي الطائفية والعنصرية من قبل بعض الوزراء في الحكومة ولا سيما الوزيران جبران باسيل وسجعان قزي على النواحي السياسية والإنسانية في التعاطي مع أزمة اللاجئين السوريين التي يحرص رئيس الحكومة تمام سلام على إبرازها خشية انعكاسها على الواقع السياسي والاقتصادي الذي يعاني من مشاكل كثيرة مثل الفراغ الرئاسي، والخلافات حول قانون الانتخاب وتعطيل عمل الحكومة ومجلس النواب، إضافة إلى الوجود السوري الذي يشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد اللبناني.
في ظل هذه الأجواء شارك لبنان في مؤتمر «قمة الأمم المتحدة حول تحركات اللاجئين والمهاجرين» بوفد حكومي ترأسه الرئيس سلام، وبمشاركة وزير الخارجية جبران باسيل الذي سبق الرئيس سلام الى نيويورك، وكانت له كلمة في «المؤتمر الإقليمي الأول للطاقة الاغترابية اللبنانية في أميركا الشمالية» تحدث فيها عن «مواجهة لبنان ضغوطاً لمنح الجنسية لمن لجأ إلى أراضينا» وأعلن رفضه لحق المرأة اللبنانية في اعطاء جنسية لأبنائها إذا كانت متزوجة بفلسطيني أو سوري، وبرر موقفه بالقول: «لأن دستورنا هكذا، وتركيبتنا هكذا، ولبناننا هكذا، لا أعطي الجنسية لـ400 ألف فلسطيني... لأن بلدنا سيصبح فارغاً عندها من اللبنانيين»، وهو ما أثار ضجة سياسية وحقوقية بسبب مواقفه العنصرية من النازحين الفلسطينيين والسوريين على وجه الخصوص، مع ملاحظة أن مؤتمر «قمة الأمم المتحدة حول تحركات اللاجئين والمهاجرين» الهدف منه إطلاق حملة أممية جديدة بعنوان «معاً - كفالة الاحترام والسلامة والكرامة للجميع» وهي تدعو الدول والمجتمعات الى «دحض خطاب الكراهية».
فهل يستطيع لبنان في ظل التباينات الرسمية من قضية اللاجئين السوريين أن يحقق مكاسب سياسية واقتصادية تحفظ استقراره السياسي والاقتصادي، أم ان هذه التباينات سترتد سلباً على لبنان واللبنانيين؟
في البداية لا بدّ من التوقف أولاً عند الرؤية الروسية لقضية اللاجئين السوريين في لبنان.
فالرئيس سلام في كلمته أمام مؤتمر «قمة الأمم المتحدة حول تحركات اللاجئين والمهاجرين» أعطى الأولوية للتأثيرات السياسية والاقتصادية لوجود هذا العدد الكبير من النازحين السوريين في لبنان والذين اصبحوا «يشكلون ما يوازي ثلث عدد السكان», واعتبر «إن هذا الدفق الهائل والمفاجئ من النازحين يسبب مشاكل خطيرة لاستقرارنا وأمننا واقتصادنا وللبنى الخدماتية العامة»، وتوجه الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالقول: «إنني واثق من أنك تتفق معي بأنه ما لم تبذل الأسرة الدولية جهوداً كبيرة في هذا المجال، فإن لبنان معرض لخطر الانهيار»، وطالب المجتمع الدولي بالتحرك لإيجاد حل سياسي يسمح بعودة اللاجئين الى بلادهم والى تقديم مساعدات الى لبنان لمواجهة هذه الأزمة الكبيرة.
لكن هذا الخطاب الرسمي للرئيس سلام والذي يتماهى بشكل أو بآخر مع المخاوف المسيحية من النزوح السوري في لبنان، وإن كان ذلك من الباب الاقتصادي والإنساني، لا يتفق مع خطاب الكراهية الذي يطلقه وزير الخارجية جبران باسيل، ووزير العمل سجعان قزي دونما اعتبار لتأثيرات مواقفهم على باقي اللبنانيين.
فالوزير جبران باسيل يعيش في ظل هاجس تهديد الوجود المسيحي في لبنان، سواء عبر اللاجئين السوريين أو عبر النازحين الفلسطينيين ولذلك لا هم له إلا مواجهة هذه الضغوط التي «تهدد التركيبة الفريدة اللبنانية»، والتركيبة الفريدة اللبنانية هي التي تدفع الوزير جبران باسيل إلى الذهاب الى مختلف أصقاع الأرض لإقناع اللبنانيين المسيحيين الذين هاجر أجدادهم وآباؤهم من لبنان أيام العثمانيين والفرنسيين من أجل التقدم بطلب استعادة الجنسية اللبنانية، وحزب الكتائب رفع لافتة كتب عليها «ذهب العثمانيون والسوريون وبقي لبنان» وهو ما يكشف الخلفية الطائفية التي تتعامل بها الأحزاب المسيحية مع الوجودين السوري والفلسطيني، بعيداً عن الجوانب الاقتصادية والإنسانية، لأن الهاجس الطائفي هو الأساس لدى هذه القوى كما يبدو من المواقف التي يطلقونها.
لكن بعيداً عن الاعتبارات الاقتصادية والإنسانية للنزوح السوري الى لبنان التي يلجأ إليها الرئيس سلام أو الاعتبارات الطائفية والعنصرية التي يحملها الوزير جبران باسيل، ما هي مسؤولية لبنان تجاه هذا النزوح؟
قد يعتبر البعض هذا السؤال غريباً نوعاً ما لناحية مسؤولية لبنان الرسمي المباشرة عن ارتفاع نسبة النزوح السوري إلى لبنان، لكن عندما نعلم أن حزب الله الممثل في الحكومة بوزيرين والذي يشارك بآلاف المقاتلين في القتال في سوريا إلى جانب النظام السوري، والذي كانت له اليد الطولى في تدمير وتهجير القرى والمدن السورية القريبة من الحدود اللبنانية ولا سيما في الزبداني والقصير وريف حمص وغيرها من المناطق ندرك تماماً مسؤولية الحكومة اللبنانية أو فريق أساسي فيها عن مشكلة النزوح السوري الى لبنان، وهي قضية يتنبه إليها المجتمع الدولي ويحملها للحكومة اللبنانية التي تسعى عاجزة الى الحصول على مساعدات الى لبنان.
باختصار، خطاب الكراهية، ومشاركة فريق من اللبنانيين في القتال بسوريا لا يسمحان بمعالجة النزوح السوري الى لبنان معالجة سليمة. فهل توحد الحكومة اللبنانية موقفها أولاً قبل أن تتوجه إلى المجتمع الدولي لطلب المساعدات؟