بسام غنوم

شكلت «قمة الأمل» العربية التي عُقدت في العاصمة الموريتانية نواكشوط فشلاً للبنان، سواء على صعيد المشاركة في القمة العربية أو على صعيد القرارات التي اتخذت فيها، حيث نأى البيان الختامي للقمة عن «بند التضامن مع لبنان»، رغم أنه بند دائم على القمم العربية منذ إنشاء الجامعة العربية.
في الشكل، مثّلت المواقف التي أطلقها الوزير وائل أبو فاعور من موريتانيا لناحية تدني الخدمات الطبية والصحية في نواكشوط والتي استند فيها الى تقرير المفرزة السباقة التي زارت نواكشوط قبل وصول الوفد الرسمي اللبناني مادة جدل رئيسية في الأوساط الرسمية والشعبية في موريتانيا، حيث استنكرت هذه الأوساط موقف الوزير أبو فاعور وذكرته بما يعيشه لبنان من أزمات صحية وخدماتية، ولا سيما في ما يتعلق بأزمة النفايات. وهذه النقطة ليست الوحيدة في أزمة الوفد اللبناني الى القمة العربية في نواكشوط، حيث تغيب عن المشاركة في الوفد الرسمي إضافة إلى الوزير أبو فاعور وزير الخارجية جبران باسيل لأسباب خاصة، ووزير المالية علي حسن خليل بسبب سفر الرئيس بري في إجازة خاصة خارج لبنان، ولم يجد الرئيس تمام سلام غير الوزير رشيد درباس لمرافقته إلى نواكشوط، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على حجم حالة التفكك التي تحكم العمل الحكومي في ظل الانقسامات السياسية والطائفية التي يعيشها لبنان.
أما في المضمون فقد شكل الموقف اللبناني الرسمي من إدانة التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية، ورفض لبنان إدانة تدخلات حزب الله في سوريا واليمن والعراق والبحرين باعتباره جزءاً من التدخلات الإيرانية مادة جدل أخرى تركت أثرها في التضامن مع لبنان، حيث نأت دول مجلس التعاون الخليجي عن بند «التضامن مع لبنان» بسبب الموقف اللبناني الرسمي من «حزب الله» الذي استند إلى انه مكون أساسي من المكونات اللبنانية ومن الحكومة اللبنانية، وهو ما أدى إلى غياب بند «التضامن مع لبنان» في البيان الختامي للقمة.
في ظل هذه المعطيات، كيف كان الموقف اللبناني في قمة نواكشوط، وهل ترك أثراً ايجابياً عن لبنان؟
في البداية يمكن القول إن شكل الوفد اللبناني إلى القمة العربية في نواكشوط عكس حالة الانقسام اللبناني الداخلي أولاً، وحالة التفكك والتشرذم الحكومي ثانياً.
فقد رفض وزير الخارجية جبران باسيل المشاركة في القمة لأسباب خاصة كما قيل، واعتذر وزير المالية علي حسن خليل عن عدم المشاركة لغياب الرئيس بري في إجازة خاصة.
أما الوزير وائل أبو فاعور، وبعد موقفه المعلن من تدني الخدمات الصحية في نواكشوط وحالة الاستياء الرسمي والشعبي الموريتاني من هذا الموقف، فكان من الطبيعي عدم مشاركته في الوفد اللبناني الرسمي.
ويبدو أن غياب الوزيرين باسيل وعلي حسن خليل مرتبط بالموقف من إدانة التدخلات الإيرانية في البلاد العربية، ومن اتهام حزب الله بالإرهاب، حيث فضل الوزيران عدم المشاركة حتى لا يحرجا بالمواقف العربية، وخصوصاً من دول مجلس التعاون الخليجي المتعلقة بالوضع في سوريا وبإيران وبحزب الله.
لكن هل كانت مشاركة الرئيس سلام ايجابية في القمة؟
الرئيس تمام سلام ركز في كلمته على الوجود السوري الكبير في لبنان الذي قال انه يقارب المليون ونصف المليون نازح، حيث قال إن «هناك ما يقارب مليوناً ونصف مليون نازح سوري، في بلد ذي إمكانات محدودة» وأضاف أننا «بلد صغير يؤدي واجبه الأخوي بلا منّة، ترفده مساعدات دولية ما زالت قاصرة عن تلبية حاجات النازحين والمجتمع المضيف» وتوجه إلى المشاركين بالقمة بالقول: «أمام هذا الواقع، نتطلع إلى إخواننا العرب، فمن الأجدر منهم بسماع شكوانا، والأقدر على مساندتنا».
ولم يقتصر الموقف اللبناني الرسمي على طلب المساعدة العربية للبنان لمواجهة أزمة النازحين السوريين، لكنه اقترح «تشكيل هيئة عربية تعمل على بلورة فكرة انشاء مناطق إقامة للنازحين داخل الأراضي السورية، وإقناع المجتمع الدولي بها».
واللافت في الموقف الرسمي اللبناني أنه يريد المساعدات العربية لمواجهة أزمة النازحين السوريين، ويدعو إلى إقامة مناطق آمنة لهم في سوريا، لكنه يرفض إدانة مشاركة حزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري.
فالنزوح السوري الى لبنان، وخصوصاً في المناطق السورية الحدودية المجاورة للبنان هو بسبب مشاركة «حزب الله» النظام السوري في قتل السوريين وتدمير قراهم ومدنهم تحت عنوان الدفاع عن «محور المقاومة والممانعة» تارة، وتحت عنوان «حماية المقدسات الشيعية» في سوريا ثانياً، ولحماية لبنان من «خطر التكفيريين» ثالثاً.
وهذه الوقائع يدركها العرب جيداً، ولذلك غاب بند «التضامن مع لبنان» عن البيان الختامي للقمة، لأنه لا يمكن التضامن مع بلد هناك فريق فيه يشارك بالقتال في سوريا، ويعادي الدول العربية، وهو عاجز عن انتخاب رئيس للجمهورية وقد أشار إلى ذلك وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي اعتبر «ان الأزمة الرئاسية في لبنان تتطلب من الأشقاء اللبنانيين تغليب المصلحة الوطنية العليا على ما عداها من مصالح فئوية ضيقة لحل هذه الأزمة ووضع لبنان على مسار التنمية والأزدهار».
باختصار، مشاركة لبنان في «قمة الأمل» العربية في نواكشوط كانت مخيبة للآمال، فقد غاب التضامن العربي مع لبنان، وحضرت الخلافات حول «حزب الله». فهل يصلح الحداد ما أفسده الدهر؟