العدد 1438 / 25-11-2020

مرّت ذكرى الاستقلال هذه السنة من دون احتفالات أو فعاليات تُذكر سوى تكليف رئاسة الجمهورية لبعض الوزراء وضْع أكاليل من الزهر على أضرحة رجال الاستقلال. فالبلد يعيش حالة إقفال عام وشامل بسبب تفشّي وباء "كورونا" حيث تُسجل يومياً أرقام قياسية مصابة بالوباء؛ والبلد يعيش أسوأ أزمة اقتصادية منذ إعلان استقلاله في العام 1943، وقد تهاوت العملة اللبنانية أمام العملات الأجنبية حتى أنّ اللبناني فقد ثقته بها، وتخطّى سعر صرف الدلاور الأمريكي عتبة الثمانية آلاف ليرة، في حين أنّه كان في مثل هذه الأيام من العام الماضي يساوي حوالي ألف وخمسماية ليرة؛ فضلاً عن أنّ الموازنة العامة للدولة تقع تحت عجز مالي تخطّى عتبة التسعين مليار دولار، وكل ذلك خلّف أزمة معيشية واجتماعية تتسع يوماً بعد يوم. والبلد أيضاً يعيش أزمة سياسية معقّدة وصعبة حيث أنّ الطبقة السياسية التي أوصلت البلد إلى هذا المستوى بفضل سياساتها القائمة على منطق المحاصصة والمحسوبية والزبائنية السياسية والطائفية والمذهبية عجزت عن تشكيل حكومة جديدة. عجزت الطبقة السياسية عن تشكيل حكومة على الرغم من تكليف السفير اللبناني لدى ألمانيا، مصطفى أديب، بتشكيلها وقد اعتذر بعد أن وصلت مساعيه إلى الحائط المسدود؛ كما يبدو أن الرئيس المكلف حالياً تشكيلها، سعد الحريري، عاجز عن ذلك، فقد مضى أكثر من شهر على تكليفه بالمهمّة ولم يصل إلى نتيجة بل إنّ الأمور تزداد تعقيداً، وبالتالي فإنّ كل ذلك يجعل البلد يعيش أزمة سياسية معقدّة تزيد من حدّة الانقسام العامودي وعلى مستويات عديدة.

مرّت ذكرى الاستقلال ولبنان واقع تحت كل هذا العجز الهائل، وهو بحاجة إلى مساعدة غير منتظرة أو متوقّعة، لا على المستوى الاقتصادي الاجتماعي، ولا على المستوى السياسي بسبب الانقسامات الداخلية التي تأخذ أكثر من طابع وبُعد، وبسبب الولاءات للخارج عند أغلب، إنْ لم نقل، عند كل اللبنانيين. والخارج المنقسم على نفسه أيضاً، والساعي خلف مصالحه وطموحاته، لا يهمّه من الموضوع إلاّ تحقيق تلك الطموحات، ولذلك فإنّ ما يُعرف بالمجتمع الدولي، أو دول أصدقاء لبنان، اشترط جملة من الشروط، أو الإصلاحات من أجل تقديم المساعدة على حل الأزمة الاقتصادية على وجه التحديد، وربما هو محقّ بذلك، فالفساد الذي نخر عظام الإدارة اللبنانية، والمرعي من الطبقة السياسية بشكل كبير، أكل الأخضر واليابس وأكل كل المساعدات التي وصلت عبر العقود الماضية إلى لبنان والتي كان آخرها المساعدات التي وصلت بعد انفجار مرفأ بيروت.

اللبناني يبحث اليوم في ظل هذه الأوضاع عن دولته، فيما الطبقة السياسية التي ظهرت أنّها أكثر دهاءً وخبرة وكيدية، أعادت الإمساك بتلابيب القرار من جديد بعد أن أجهضت إلى حدّ بعيد تحرّك اللبنانيين لاستعادة دولتهم، بل أكثر من ذلك استطاعت أن تعيد قسماً كبيراً من اللبنانيين إلى مربع الطائفية والمذهبية بعد أن أعادت إنتاجه من جديد، وقد كانت هذه الطبقة السياسية، وما زالت للأسف، مدعومة من بعض الخارج على الرغم من اشتراطاته التي يقدّمها من أجل المساعدة.

لبنان وفي ذكرى الاستقلال، يقع تحت وطأة طبقة لا يهمّها من الاستقلال شيء، إنما تسعى من أجل استغلال كل شيء من أجل مصالها وشجعها وهي لا تتوانى عن التضحية بلبنان واستقلاله من أجل شجعها واستغلالها.

بيروت في 25/11/2020 د. وائل نجم