وائل نجم - كاتب وباحث

منذ أكثر من أسبوعين تواصل الجرافات التابعة للاحتلال الاسرائيلي الاعتداء على الارض والسيادة اللبنانية في منطقة مزارع شبعا المحتلة في منطقة العرقوب. وقد عمدت هذه الجرافات خلال الايام والاسابيع الماضية إلى تجاوز خط الانسحاب باتجاه الأراضي اللبنانية المحتلة في منطقة جبل «سدّانة» في خراج بلدتي شبعا والهبارية، وعملت على استحداث طرق ترابية إضافية في تلك المنطقة الممتدة من موقع الاحتلال في رويسة العلم حتى بوابة مزارع شبعا في منطقة «بركة نقار»، بعمق تجاوز في بعض الأماكن مئات الأمتار، وبطول لا يقل أيضاً عن مئات أخرى، وعملت على استقدام شريط شائك بدأت تركيبه بمحاذاة الطرق المستحدثة من الجانب اللبناني المحرر، بهدف عزل المناطق التي اقتطعت وضمّت إلى الأراضي المحتلة. وقد جرت هذه الأعمال على مرأى ومسمع من قوات الطوارئ الدولية العاملة في إطار «اليونيفل»، بل ربما بحراسة هذه القوات من الجانب اللبناني، بينما كانت وحدات الجيش اللبناني المنتشرة قبالة المواقع الإسرائيلية المحتلة تقوم برصد وتسجيل الخروقات والاعتداءات الاسرائيلية، ورفع تقارير إلى القيادة السياسية المتمثلة بالحكومة. فيما حاول أهالي بلدات شبعا والهبارية وكفرشوبا وكفرحمام، وهم أهل الأرض وأصحابها الاعتراض على الخروقات والاعتداءات الاسرائيلية من خلال تنظيم بعض الفعاليات والاعتصامات عند الشريط الشائك في محلة «بركة نقار» وأثناء قيام الآليات الاسرائيلية بعملها تحت الحراسة المشددة، وأطلقوا صرخة جديدة من أجل الحفاظ على أرضهم وممتلكاتهم، وهي بالمناسبة لا تبعد في بعض الأماكن سوى مئات الأمتار عن منازل المواطنين في بلدة شبعا، وطالبوا الدولة بالعمل من أجل استرداد أراضيهم المحتلة في المزارع، التي تقدّر مساحتها بعشرات الكيلومترات المربعة، والتي كانت ذات يوم مصدر عيشهم ودخلهم الوحيد. 
والحقيقة أن أطماع الاحتلال الاسرائيلي بأرضنا ومياهنا وحقوقنا ليست خافية على أحد على الإطلاق، ولذلك هم أبقوا على احتلالهم لمزارع شبعا مع إدراكهم الجيد أنها اراضٍ لبنانية تعود ملكيتها القانونية إلى أهل شبعا خصوصاً، والعرقوب عموماً. والحقيقة الأخرى هي أنهم أدركوا أن هذه اللحظة الحالية هي لحظة سانحة لتغيير شيء من الوضع القائم في تلك المنطقة بما يسمح بقضم بعض الأراضي الجديدة التي تعطي العدوّ فرصة للمناورة من ناحية، ولاستطلاع كل منطقة العرقوب، خاصة مدخل بلدة شبعا من الجهة الغربية، فضلاً عن كامل جبل «سدّانة» في خراج بلدة العرقوب من ناحية أخرى، وربما لجأ الاحتلال غداً إلى فرض أمر واقع جديد، أو خطوط انسحاب جديدة في أكثر من منطقة حدودية إذا وجد أن ردّ الفعل اللبناني دون المستوى الذي يحفظ التوازن. 
إلا أن الحقيقة المرّة الأخرى التي لا يمكن القفز فوقها أو السكوت عنها هي في واجب الحكومة اللبنانية من جهة، وواجب القوى التي نذرت نفسها وامتلكت السلاح للدفاع عن الارض في مواجهة الغطرسة والاطماع الاسرائيلية!!
على جانب الحكومة، يبدو للأسف أن كل ما قامت به هذه الحكومة ممثلة بوزارة الخارجية هو إرسال رسالة إلى مندوب لبنان في الامم المتحدة لمتابعة الملف أمام المحافل الدولية، والنوم بعد ذلك في سبات عميق، وكأنها أسقطت الواجب عن نفسها بهذه الرسالة، أو قل بهذه الشكوى إن حصلت، والأكثر مرارة أن وزير الخارجية، جبران باسيل، زار الاسبوع الماضي القطاع الغربي من المنطقة الحدودية في جنوب لبنان، ولم يكلف نفسه عناء حتى مجرد الحديث عن الاعتداءات الاسرائيلية على منطقة العرقوب ومزارع شبعا، أو حتى التعريج على المنطقة للوقوف على حقيقة الاعمال الاسرائيلية العدوانية، بل اكتفى بالحديث عن قضايا وأمور داخلية هي محل إشكال يومي بين اللبنانيين على المستوى السياسي، ودخل في بازار المناكفة بالنظر إلى الاختلاف بين مكونات الحكومة على مسائل إجرائية لها علاقة بالمصالح الفئوية أكثر مما لها علاقة بالمصالح الوطنية. بينما كانت مكونات الحكومة الأخرى مشغولة ايضاً بخلافاتها على الجلسة الحكومية ومدى دستوريتها وميثاقيتها وقانونيتها، فيما كان الاحتلال يكرّس الامر الواقع على الحدود دون إقامة أي اعتبار للاعتراض اللبناني. 
أما على جانب القوى التي قالت إنها نذرت نفسها للدفاع عن السيادة والارض اللبنانية من خلال امتلاكها للسلاح، فيبدو أن هذه القوى في هذه الايام مشغولة في أماكن أخرى لا تتيح لها فتح أكثر من جبهة في وقت واحد، أو ربما لم تعد ترى أن هذه البقعة (الصغيرة نسبياً) لا تستحق فتح جبهة في هذه الأيام، لذا اطمأنت قوات الاحتلال إلى سلامة عمليتها وأمنها، فقامت بتنفيذها كما لو أنها تقوم بشق وفتح طرق في اية مكان بعيد في عمق فلسطين المحتلة. في حين أن الجيش مكبل بالقرار السياسي الحكومي، وقد أسلفنا أن الحكومة منقسمة على نفسها، وعاجزة حتى عن مجرد تعيين قائد لهذا الجيش. 
وحده شعب العرقوب قام بجزء من دوره وبما امتلك من إمكانات متاحة ومتواضعة عندما اعتصم أهالي المنطقة عند بوابة المزارع، وأمام عدسات الاعلام، وعلى مرأى من جنود الأمم المتحدة ليقولوا للاحتلال والعالم أجمع: هذه أرضنا ولن نتخلى عنها مهما كانت الاسباب والتضحيات.